تفسير المراغي - ج ١٣

أحمد مصطفى المراغي

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه ما سيلاقيه الكافرون فى هذا اليوم العصيب من سائر أنواع العذاب التي سلف وصفها ـ بين هنا أن ما عملوه فى الدنيا من صالح الأعمال لا يجديهم فتيلا ولا قطميرا ، فما أشبهه إذ ذاك برماد أطارته الريح فى يوم عاصف فذهبت به فى كل ناحية ، فهم لا يجدون من أعمالهم فيه شيئا ، ثم بين أن ذلك اليوم آت لا ريب فيه ، فإن من أنشأ السموات والأرض بلا معين ولا ظهير قادر على أن يفنيهم ويأتى بخلق سواهم ، وليس ذلك بعزيز ولا بممتنع عليه.

الإيضاح

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) أي ما مثل أعمال الكافرين التي كانوا يعملونها فى الدنيا ويزعمون أنها تنفعهم يوم الجزاء ـ إلا كمثل رماد حملته الريح وأسرعت الذهاب به فى يوم عاصف فنسفته ولم تبق له أثرا ، فهم يوم القيامة لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند الله فينجيهم من عذابه ، إذ لم يكونوا يعملونها لله خالصة ، بل كانوا يشركون فيها الأصنام والأوثان :

والمراد من تلك الأعمال أعمال البر كالصدقة ، وصلة الرحم ، وبر الوالدين ، وإطعام الجائع ، وإغاثة الملهوف ، ونحو ذلك.

ثم أكد نفى فائدتها لهم إذ ذاك فقال :

(لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) أي لا يقدرون يوم القيامة على شىء من أعمالهم فى الدنيا ، فلا يرون لها أثرا من ثواب أو تخفيف عذاب ، كما لا تنتفع بالرماد إذا أرسل عليه الريح فى يوم عاصف.

ونحو الآية قوله تعالى : «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» وقال : «مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ

١٤١

قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ ، وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» وورد في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت «يا رسول الله إن ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين ، هل ذلك نافعه؟ قال لا ينفعه ، لأنه لم يقل : رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين».

(ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) أي ذلك السعى والعمل على غير أساس ولا استقامة ، حتى فقدوا ثوابهم منه أحوج ما كانوا إليه ، هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب.

ثم ذكر دليل وحدانيته فقال :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي ألم تعلم أيها الرسول أن الله أنشأ السموات والأرض بالحكمة وعلى الوجه الصحيح الذي يحق أن يخلقا عليه ، ومن قدر على خلقهما على أتم نظام وأحكم وضع بلا معين ولا ظهير ، فهو قادر على أن يفنيكم ويأتى بخلق جديد سواكم ، وما ذلك بممتنع ولا متعذر عليه ومثل الآية قوله : «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ، بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

وخلاصة ذلك ـ إنهم بعدوا فى الضلال وأمعنوا فى الكفر بالله ، مع وضوح الآيات الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة ، وأنه هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخشى عقابه.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ

١٤٢

لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)).

تفسير المفردات

وبرزوا : أي صاروا بالبراز وهى الأرض المتسعة ، ويراد بها مجتمع الناس فى ذلك اليوم والضعفاء : واحدهم ضعيف ، ويراد به ضعيف الرأى والفكر ، والذين استكبروا :

هم رؤساؤهم الذين استنفروهم ، والتبع : واحدهم تابع كخادم وخدم ، مغنون : أي دافعون ، ومحيص : أي منجى ومهرب ، والسلطان : التسلط ، بمصر حكم : أي بمغيثكم ، يقال استصرخنى فأصرخته : أي استغاثني فأغثته.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه ما يلقاه الأشقياء فى ذلك اليوم من العذاب ، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت فى الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئا ـ ذكر هنا محاورة بين الاتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين ، وما يحدث فى ذلك الوقت من الخجل لهم ، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس. وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ فى بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.

١٤٣

الإيضاح

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أي برزت الخلائق كلها برّها وفاجرها لله الواحد القهار : أي اجتمعت فى براز من الأرض ، وهو المكان الذي ليس فيه شىء يستر أحدا.

(فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) أي فقال الأتباع لقادتهم وسادتهم الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن اتباع قول الرسل : إنا كنا تابعين لكم ، تأمروننا فنأتمر وتنهوننا فتنتهى.

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي فهل تدفعون عنا اليوم شيئا من ذلك العذاب كما كنتم تعدوننا وتمنوننا فى الدنيا.

وقد حكى الله رد أولئك السادة عليهم.

(قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) أي لو أرشدنا الله تعالى ، وأضاء أنوار بصائرنا وأفاض علينا من توفيقه ومعونته ، لأرشدناكم ودعوناكم إلى سبل الهدى ، ووجهنا أنظاركم إلى طريق الخير والفلاح ، ولكنه لم يهدنا فضللنا السبيل فأضللناكم.

ولما كان هذا القول منهم أمارة الجزع قالوا :

(سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي ليس لنا مهرب ولا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا أو جزعنا.

وخلاصة ذلك ـ سيّان الجزع والصبر ، فلا نجاة لنا من عذاب الله.

وفى مثل الآية قوله : «وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ» وقوله : «رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً».

١٤٤

ولما ذكر سبحانه المناظرة التي ستكون بين الاتباع والرؤساء أردفها المناظرة التي ستكون بين الشيطان وأتباعه حينئذ فقال :

(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي وقال إبليس مخاطبا أتباعه من الإنس ، بعد أن حكم الله بين عباده فأدخل المؤمنين فراديس الجنات ، وأسكن الكافرين سحيق الدركات.

(إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) أي إن الله وعدكم على ألسنة رسله بالبعث وجزاء كل عامل على عمله ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، ووعده حق وخبره صدق.

(وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) أي ووعدتكم أن لا جنّة ولا نار ، ولا حشر ولا حساب ، ولئن كانا فنعم الشفيع لكم الأصنام والأوثان ، فأخلقتكم موعدى إذ لم أقل إلا بهرجا من القول وباطلا منه ، فاتبعتمونى وتركتم وعد ربكم ، وهو وليّكم ومالك أمركم.

ونحو الآية قوله : «يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً».

(وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي وما كان لى قوة وتسلط تجعلنى ألجئكم إلى متابعتى على الكفر والمعاصي.

(إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أي ولكن بمجرد أن دعوتكم إلى الضلال بوسوستي وتزيينى ، أسرعتم إلى إجابتى ، واتبعتم شهوات النفوس ، وأطعتم الهوى ، وخضتم فى مسالك الردى.

(فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) لأنه ما كان منى إلا الدعاء وإلقاء الوسوسة ، ولوموا أنفسكم ، إذا استجبتم لى باختياركم الذي نشأ عن سوء استعدادكم بلا حجة منى ولا برهان ، بل بتزيينى وتسويلى ، ولم تستجيبوا لربكم وقد دعاكم دعوة الحق المقرونة بالحجج والبينات.

(ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) أي ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب فأزيل صراحكم ، وما أنتم بمغيثىّ مما أنا فيه من العذاب والنكال.

١٤٥

(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أي إنى جحدت اليوم أن أكون شريكا لله فيما أشركتمونى فيه من قبل هذا اليوم أي فى الدنيا ، وهذا كقوله : «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ».

ومعنى كفره بإشراكهم تبرؤه منه واستنكاره له ، وهذا كقوله تعالى : «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ».

(إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي قال إبليس ذلك ، قطعا لأطماع الكفار من الإغاثة والنجاة من العذاب ، وإنما حكى الله ذلك عنه ليكون تنبيها للسامعين ، وحضّا لهم على النظر فى عاقبة أمرهم ، والاستعداد لذلك اليوم الذي يقول فيه الشيطان ما يقول ، فيثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم ويتذكروا هول ذلك الموقف ورهبته.

ولما جمع سبحانه فريقى السعداء والأشقياء فى قوله : «وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» وبالغ فى وصف حال الأشقياء من وجوه كثيرة ـ ذكر حال السعداء وما أعد لهم من نعيم مقيم فى ذلك اليوم فقال :

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي وأدخل الذين صدقوا الله ورسوله ، فأقروا بوحدانيته تعالى ورسالة رسله ، وعملوا بطاعته ، فانتهوا إلى أمره ونهيه ، بساتين تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا ، لا يتحولون عنها ولا يزولون منها.

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتوفيقه تعالى ، إذ وجّه نفوسهم فى الدنيا لكسب الخيرات ، والميل إلى العمل بما يرضيه ويرضى رسوله ، وأنار بصائرهم للاعتقاد بأن يوم الجزاء آت لا ريب فيه ، فأعدّوا له العدّة ، فكان على الله بمقتضى وعده أن يدخلهم جناته كفاء ما جدّوا فى رضاه ، ونصبوا فى طاعته ، خوفا من هول ذلك اليوم العصيب.

(تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي تحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم ، تعظيما لشأنهم وعناية بأمرهم ، وجاء فى هذا المعنى قوله تعالى فى وصف دخولهم الجنة : «حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم» وقوله : «وَالْمَلائِكَةُ

١٤٦

يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ» وقوله : «وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً» كما يحييهم ربهم جلت قدرته إظهارا لرضاه عنهم ، وإجلالا وإكبارا لهم كما قال : «سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ».

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧))

تفسير المفردات

المثل : قول فى شىء يشبّه بقول فى شىء آخر ، لما بينهما من المشابهة ، ويوضح الأول بالثاني ، ليتم انكشاف حاله به ، ثابت : أي ضارب بعروقه فى الأرض ، فى السماء : أي جهة العلو ، تؤتى أكلها : أي تعطى ثمرها ، بإذن ربها : أي بإرادة خالقها ، اجتثت : أي استؤصلت وأخذت جثتها ، والقرار : الاستقرار ، القول الثابت : أي الذي ثبت عندهم وتمكن فى قلوبهم.

المعنى الجملي

بعد أن بين سبحانه حال الأشقياء ومآل أمرهم وما يلاقونه من الشدائد والأهوال فى نار جهنم التي لا يجدون عنها محيصا ، وذكر أحوال السعداء وما ينالون من فوز عند ربهم ـ ضرب لذلك مثلا يبين حال الفريقين ويوضح الفرق بين الفئتين ، وبه ألبس المعنويات

١٤٧

لباس الحسيات ، ليكون أوقع فى النفس وأتم لدى العقل ، والأمثال لدى العرب هى المهيع المسلوك ، والطريق المتبع ، لإيضاح المعاني إذا أريد تثبيتها لدى السامعين ، والقرآن الكريم ملىء بها ، والسنة النبوية جرت على منهاجه ، فكثيرا ما تتبع المسائل الهامة بضرب الأمثال لها ، لتستقر فى النفوس ، وتنقش فى الصدور.

الإيضاح

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) أي ألم تعلم أيها الإنسان علم اليقين ، كيف ضرب الله مثلا ووضعه الموضع اللائق به.

(كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ. تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) أي إن الله جلت قدرته شبه الكلمة الطيبة وهى الإيمان الثابت فى قلب المؤمن الذي يرفع به عمله إلى السماء كما قال : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» وتنال بركته وثوابه فى كل وقت ، فالمؤمن كلما قال لا إله إلا الله صعدت إلى السماء وجاءت بركتها وخيرها ـ بالشجرة الطيبة المثمرة الجميلة المنظر الشذّية الرائحة التي لها أصل راسخ فى الأرض به يؤمن قلعها وزوالها ، وفروعها متصاعدة فى الهواء (فيكون ذلك دليلا على ثبات الأصل ورسوخ العروق ، وعلى بعدها عن عفونات الأرض وقاذورات الأبنية) فتأتى الثمرة نقية خالية من جميع الشوائب ، وتثمر فى كل حين بأمر ربها وإذنه ، وإذا اجتمع لهذه الشجرة كل هذه المميزات كثر رغبة الناس فيها.

وخلاصة ذلك ـ إنه تعالى شبه كلمة الإيمان بشجرة ثبتت عروقها فى الأرض ، وعلت أغصانها إلى السماء ، وهى ذات ثمر فى كل حين ، ذاك أن الهداية إذا حلت قلبا فاضت منه على غيره ، وملأت قلوبا كثيرة ، فكأنها شجرة أثمرت كل حين ، لأن ثمراتها دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وكل قلب يتلّقى عما يشاكله ، ويأخذ منه بسرعة أشد من سرعة إيقاد النار فى الهشيم ، أو سريان الكهرباء فى المعادن ، أو الضوء فى الأثير.

١٤٨

وقد روى عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة هى قول «لا إله إلا الله» وأن الشجرة الطيبة : هى النخلة ، وعن ابن عمر قال «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : أخبرونى عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها لا صيفا ولا شتاء وتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها. قال ابن عمر فوقع فى نفسى أنها النخلة ، ورأيت أبابكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : النخلة. فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه ، والله لقد كان وقع فى نفسى أنها النخلة ، قال ما منعك أن تتكلم؟ قلت لم أركم تتكلمون ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا ، قال عمر : لأن تكون قلتها أحبّ إلىّ من كذا وكذا» رواه البخاري.

ثم نبه سبحانه إلى عظم هذا المثل ليكون ذلك داعية تدبره ومعرفة المراد منه فقال :

(وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي إن فى ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير للناس ، لأن أنس النفوس بها أكثر ، فهى تخرج المعنى من خفىّ إلى جلىّ ، ومما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع ، وبها يطبق المعقول على المحسوس فيحصل العلم التام بالشيء الممثل له.

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) أي ومثل كلمة الكفر وماشا كلها مثل شجرة خبيثة كالحنظل ونحوه مما ليس له أصل ثابت فى الأرض ، بل عروقها لا تتجاوز سطحها ، وقد اقتلعت من فوق الأرض ، لأن عروقها قريبة منه ، أو لا عروق لها فى الأرض ، فكما أن هذه لاثبات لها ولا دوام ، فكذلك الباطل لا يدوم ولا يثبت ، بل هو زائل ذاهب ، وثمره مرّكريه كالحنظل.

وما أقوى الحق وأثبته ، وأكثر نفعه للناس ، فهو ثابت الدعائم متين الأركان ، وما كل حين كالنخل.

والخلاصة ـ إن أرباب النفوس العالية وكبار المفكّرين هم أصحاب الكلمة الطيبة ، وعلومهم تعطى أممهم نعما ورزقا فى الدنيا ، وهى مستقرة فى نفوسهم ، وفروعها ممتدة

١٤٩

إلى العوالم العلوية والسفلية ، وتثمر كل حين لأبناء أمتهم ولغيرهم ، فيهتدى بها المؤمنون ، وما أشبههم بالنخلة التي لها أصل مستقر وفروع عالية وثمر دائم ويأكل الناس منها صيفا وشتاء.

وأرباب الشهوات والنفوس الضعيفة والمقلّدون فى العلم هم أصحاب الكلمة الخبيثة التي لا ثبات لها كالحنظل.

وبعد أن وصف الكلمة الطيبة بما سلف أخبر بفوز أصحابها ببغيتهم فى الدنيا والآخرة فقال :

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) أي يثبتهم بالكلمة الطيبة التي ذكرت صفاتها العجيبة فيما سلف مدة حياتهم ، إذا وجد من يفتنهم عن دينهم ويحاول زللهم كما جرى لبلال وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وبعد الموت فى القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة ، وفى مواقف القيامة فلا يتلعثمون ولا يضطربون إذا سئلوا عن معتقدهم ولا تدهشهم الأهوال.

أخرج ابن أبى شيبة عن البراء بن عازب أنه قال فى الآية : التثبيت فى الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل فى القبر فقالا له : من ربك؟ قال ربى الله ، وقالا : وما دينك؟ قال دينى الإسلام ، وقالا وما نبيك؟ قال نبي محمد صلى الله عليه وسلّم.

وعن عثمان بن عفان قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل» أخرجه أبو داود.

وقد وردت أحاديث كثيرة فى سؤال الملائكة للميت فى قبره وفى جوابه لهم ، وفى عذاب القبر وفتنته وليس هذا موضعها. نسأل الله التثبيت فى القبر وحسن الجواب بمنه وكرمه ، إنه على ما يشاء قدير.

وعلى هذا فالمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة ، والآخرة يوم القيامة ، والعرض للحساب ، وبعد أن وصف الكلمة الخبيثة فى الآية المتقدمة بين حال أصحابها بقوله :

١٥٠

(وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) أي ويخلق فيهم الضلال عن الحق الذي ثبّت المؤمنين عليه بحسب إرادتهم واختيارهم ، لسوء استعدادهم وميلهم مع شهوات النفوس وتدسيتها بصنوف الشرور والمعاصي ، سنة الله فى عباده ، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

والمراد بالظالمين هنا الكفار ، لأنهم ظلموا أنفسهم بتبديلهم فطرة الله التي فطر الناس عليها وعدم اهتدائهم إلى القول الثابت.

أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما «إن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره ، فإذا دخل قبره أقعد فقيل له من ربك؟ لم يرجع إليهم شيئا وأنساه الله تعالى ذكر ذلك ، وإذا قيل له من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له ولم يرجع إليه شيئا ، فذلك قوله تعالى : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ)».

(وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) أي وبيده تعالى الهداية والإضلال بحسب ما تقتضيه سننه العامة التي سنها فى عباده ، بحسب استعداد النفوس وقبولها لكل منهما ، فلا تنكروا قدرته على اهتداء من كان ضالا ولا ضلال من كان منكم مهتديا ، فإن بيده تصريف خلقه ، وتقليب قلوبهم ، يفعل فيهم ما يشاء.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١))

تفسير المفردات

البوار : الهلاك ، يقال رجل بائر وقوم بور كما قال : «وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً» ويصلونها : يقاسون حرها ، والأنداد : واحدهم ندّ وهو المثل والشبيه ، والمصير : المرجع ، والبيع : الفدية ، والخلال : المخالّة والصداقة.

١٥١

المعنى الجملي

بعد أن ضرب عز اسمه الأمثال بيانا لحالى الفريقين ، وذكر ما يلهمه من التوفيق فى الدارين للسعداء ، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال ، جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام ، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة.

ذكر هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجبا رسوله مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظّ من الكفر والنظر ، ولم تكن هذه الطامة خصّيصى بهم ، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعا «واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة».

ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرا ، والشكر جحدا وإنكارا ، وليت البليّة كانت واحدة بل أضافوا إليها أخرى فاتخذوا الله الأنداد والشركاء ، ثم ثلّثوا بإضلال غيرهم فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة :

فلو كان همّ واحد لا حتملته

ولكنه هم وثان وثالث

ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم فى جهنم وبئس المصير ؛ ثم بين لرسوله أن مثل هؤلاء لا تجدى فيهم العظة ، فذرهم يتمتعوا فى هذه الحياة حتى حين ، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.

وبعد أن أمر الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا ، أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة فى التمتع بها ، والجد فى مجاهدة النفس والهوى ، ببذل النفس والمال فى كل ما يرفع شأنهم ، ويقرّبهم من ربهم ، وينيلهم الفوز لديه فى يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة : «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم».

أخرج عطاء عن ابن عباس أن هؤلاء هم كفار مكة. وأخرج الحاكم وابن جرير والطبراني وغيرهم عن على كرم الله وجهه أنه قال فى هؤلاء المبدّلين : هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة ، فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.

١٥٢

الإيضاح

عدّد سبحانه الأسباب التي أوقعت هؤلاء الأشقياء ومن شايعهم فى سوء المنقلب وحصرها فى ثلاثة :

(١) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) أي ألم تعلم وتعجب من قوم بدّلوا شكر النعمة غمطا لها وجحودا بها ، كأهل مكة الذين أسكنهم الله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء وجعلهم قوّام بيته ، وشرّفهم بإرسال رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم من بينهم ، فكفروا بتلك النعمة فأصابهم الجدب والقحط سبع سنين دابا وأسروا يوم بدر ، وصفّدوا فى السلاسل والأغلال ، وقتل منهم العدد العديد من صناديدهم ورجالاتهم ممن كانوا يضنّون بهم ويحتفظون بمواضعهم ليوم كريهة وسداد ثغر.

(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) أي وأحلوا من شايعهم على الكفر دار الهلاك الذي لاهلاك بعده.

ثم بين هذه الدار فقال :

(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) أي هذه الدار هى جهنم دار العذاب التي يقاسون حر نارها ، وبئس المستقر هى لمن أراد الله به النكال والوبال.

(٢) (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أي واتخذوا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شىء ـ أندادا وشركاء من الأصنام والأوثان ، أشركوهم به فى العبادة كما قالوا فى الحجّ : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك.

(٣) (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) أي لتكون عاقبة أمر الذين شايعوهم على ضلالهم ، الصدّ والإعراض عن سبيله القويم ودينه الحنيف ، والوقوع فى حمأة الكفر والضلال.

ولما حكى الله عنهم هذه الهنات الثلاث ، تبديل النعمة ، واتخاذ الأنداد والأمثال ، وإضلال قومهم ، أمر نبيه أن يقول لهم على سبيل التهديد والوعيد : سيروا على ما أنتم عليه ، فإنه لا فائدة فى نصحكم وإرشادكم والعاقبة النار.

١٥٣

(قُلْ تَمَتَّعُوا) أي تمتعوا بما أنتم فيه سادرون مما سيؤدى بكم إلى مهاوى الهلاك ، من الكفران وعبادة الأوثان والأصنام والسعى فى إضلال الناس والصد عن سبيله.

ثم بين جزاءهم المحتوم فقال :

(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أي إن مرجعكم وموئلكم إليها كما قال : «نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ» وسمى الله تعالى ذلك تمتعا ، لأنهم تلذذوا به ، وأحسوا بغبطة وسرور كما يتلذذون بالمشتهيات من النعم ، وهذا الأسلوب التهكمى يستعمل فى التخاطب كثيرا فترى الطبيب يأمر مريضه بالاحتماء من بعض ما يضره ويؤذيه ، ثم لا يرى منه إلا تماديا فى الإعراض عن أوامره ، واتباعا لشهواته فيقول له :

كل ما تريد ، فإن مصيرك إلى الموت ، وما مراده من ذلك إلا التهديد ليرتدع ويقبل ما يقول. وكما يقال لمن سعى فى مخالفة السلطان : اصنع ما شئت ، فإن مصيرك إلى السيف.

وبعد أن هدد الكفار على انغماسهم فى اللذات ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يأمر خلّص عباده بإقامة العبادات البدنية ، وأداء الفرائض المالية فقال :

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي قل لهم :

أقيموا الصلاة على وجهها ، وأدوها كما طلب ربكم ، فهى عماد الدين ، وهى التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهى المصباح للمؤمن يستضىء به للقرب من ربه ، وأدوا الزكاة شكرا له على نعمه الجزيلة ، رأفة بعباده الفقراء سدا لخلتهم وإيجادا للتضامن والتعاون بين الإخوة فى الدين : «إنّما المؤمنون إخوة».

(سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي أنفقوا ذلك فى السر والعلن ، ولكل منهما حال تستحب فيها وقد تقدم القول فى تفصيل ذلك.

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) أي من قبل أن يأتى اليوم الذي لا تنفع فيه فدية ، ولا تجدى فيه صداقة ، فلا يشفع خليل ولا يصفح ، عن عقابه لمخالّته لصديقه ، بل هناك العدل والقسط كما قال : «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ

١٥٤

وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» وقال : «أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ».

أدلة التوحيد المنصوبة فى الآفاق والأنفس

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))

تفسير المفردات

السماء : السحاب ، وكل ما علا الإنسان فأظله فهو سماء ، والرزق : كل ما ينتفع به ، والتسخير : التيسير والإعداد ، والفلك : السفن ، دائبين : أي دائمين فى الحركة لا يفتران ، يقال دأب فى العمل إذا سار فيه على عادة مطردة كما قال : «تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً» آتاكم : أي أعطاكم ، لا تحصوها : لا تطيقوا حصرها ، والإحصاء : العد بالجصى ، وكان العرب يعتمدونه فى العد كاعتمادنا فيه على الأصابع ، ظلوم : أي لنفسه بإغفال شكر النعمة ، كفار : شديد الكفران والجحود لها.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه أحوال الكافرين لنعمه ، حين بدّلوا الشكر بالكفر ، واتخذوا الله أندادا ، فكان جزاؤهم جهنم وبئس المهاد ، ثم أمر المؤمنين بإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة ، شكرا لربهم على ما أوتوا من النعم ، وحثا لهم على الجهاد فى سبيل كما لهم ورقبهم ببذل النفس والنفيس وهو المال ، لتكمل لهم السعادة فى الدارين ـ

١٥٥

شرع يذكر الأدلة المنصوبة فى الآفاق والأنفس التي توجب على عباده المثابرة على شكره ودوام الطاعة له ، ويذكر النعم الجسام التي يتقلبون فى أعطافها آناء الليل وأطراف النهار ، ليكون فى ذلك حث لهم على التدبر فيما يأتون وفيما يذرون ، وفيه عظيم الدلالة على وجوب شكر الصانع لها ، كما فيه أشد التقريع للكافرين الذين أعرضوا عن النظر والتفكر فى تلك النعم ، فكان هذا داعية كفرها وجحودها ، وغمطها وكنودها.

الإيضاح

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي الله الذي خلق لكم السموات والأرض ، هما أكبر خلقا منكم ، وفيهما من المنافع لكم ما تعلمون وما لا تعلمون ، وتقدم تفصيل هذا فى مواضع متعددة من كتابه الكريم.

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) أي وأنزل من السماء غيثا أحيا به الشجر والزرع ، فأثمرت لكم رزقا تأكلون منه وتعيشون به.

والآية كقوله : «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى» أي من ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي وذلل لكم السفن بأن أقدركم على صنعها ، وجعلها طافية على وجه الماء ، تجرى عليه بأمره تعالى وسخر البحر لحملها ، ليقطع المسافرون بها المسافات الشاسعة من إقليم إلى إقليم لجلب ما هناك إلى هنا ونقل ما هنا إلى هناك.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) تشق الأرض شقا من قطر إلى قطر ، لانتفاعكم بها حيث تشربون منها ، وتتخذون جداول تسقون بها زروعكم وجناتكم ، وما أشبه ذلك.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) أي دائمين فى الحركة ، لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا كما قال : «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» وقال : «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

١٥٦

وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ».

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يتعاقبان ، فالنهار لسعيكم فى أمور معاشكم وما تحتاجون إليه فى أمور دنياكم ، والليل لتسكنوا فيه كما جاء فى الآية الأخرى «وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» فالشمس والقمر يتعاقبان ، والليل والنهار يتعارضان ، فتارة يأخذ هذا من ذاك فيطول ، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر ، كما قال تعالى : «يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ».

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أي هيّألكم كل ما تحتاجون إليه فى جميع أحوالكم من كل الذي هو حقيق أن تسألوه ، سواء أسألتموه أم لم تسألوه ، لأن هذه الدنيا قد وضع الله فيها منافع يجهلها الناس وهى معدّة لهم ، فلم يسأل الله أحد فى الأمم الماضية أن يعطيهم الطائرات والمغناطيس والكهرباء ، بل خلقها وأعطاها للناس بالتدريج ، ولم يزل هناك عجائب ستظهر لمن بعدنا.

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي لا تطيقوا عدّ أنواعها فضلا عن القيام بشكرها.

وفى صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقول : «اللهم لك الحمد غير مكفىّ ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا».

وأثر عن الشافعي أنه قال : الحمد لله الذي لا يؤدّى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها ، وقال شاعرهم :

لو كلّ جارحة منى لها لغة

تثنى عليك بما أوليت من حسن

لكان مازاد شكرى إذ شكرت به

إليك أبلغ فى الإحسان والمنن

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) أي إن الإنسان الذي بدل نعمة الله كفرا لشاكر غير من أنعم عليه ، فهو بذلك واضع للشكر فى غير موضعه ـ ذاك أن الله هو الذي أنعم عليه بما أنعم ، واستحق إخلاص العبادة له ، فعبد هو غيره وجعل له أندادا ليضل عن سبيله وذلك هو ظلمه ، وهو جحود لنعمه التي أنعم بها عليه ، لصرفه العبادة إلى غير من أنعم بها عليه ، وتركه طاعة من أنعم عليه.

١٥٧

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))

تفسير المفردات

واجنبنى : أي أبعدنى ، وأصل التجنب أن يكون الرجل فى جانب غير ما عليه غيره ، ثم استعمل فى البعد مطلقا ، وتهوى إليهم : أي تسرع شوقا وحبا ، ويقوم الحساب : أي يثبت ويتحقق كما يقال قامت السوق والحرب : أي وجدتا.

المعنى الجملي

بعد أن نصب سبحانه الأدلة على أن لا معبود سواه ، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره ، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه ، إذ بدّلوا نعمة الله كفرا ، وعبدوا لأوثان والأصنام.

١٥٨

ذكر هنا أن الأنبياء جميعا حثوا على ترك عبادة الأصنام ، فإبراهيم صلوات الله عليه وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها ، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك ، فإنها كانت سببا فى ضلال كثير من الناس ، وشكر الله على أن وهب له على كبره ولديه إسماعيل وإسحاق ، ثم ختم مقاله بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.

الإيضاح

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) أي واذكر لقومك مذكّرا لهم بأيام الله خبر إبراهيم إذ قال : ربى المحسن إلىّ بإجابة دعائى ، اجعل مكة بلدا آمنا.

وقد أجاب الله تعالى دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم ، ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه كما قال : «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ»

(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) أي وباعدنى وبنىّ من أن نعبد الأصنام ، أي ثبتنا على ما نحن عليه من التوحيد وملة الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام.

وقد استجيب دعاؤه فى بعض بنيه دون بعض ولا ضير فى ذلك.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أي يا رب إن الأصنام أزلن كثيرا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن وكفروا بك.

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك ، وإخلاص العبادة لك والبعد عن عبادة الأوثان ـ فإنه مستنّ بسنتى وجار على طريقتى ، ومن خالف أمرى فلم يقبل منى ما دعوته إليه وأشرك بك ، فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بالتوبة عليه وهدايته إلى الصراط المستقيم.

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) أي يا رب إنى أسكنت بعض ذريتى وهم أولاد إسماعيل بواد غير ذى زرع وهو وادي مكة عند بيتك الذي حرمت التعرض له والتهاون به وجعلت ما حوله حرما لمكانه.

١٥٩

(رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي إنما جعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده ويعمروه بذكرك وعبادتك.

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) أي فاجعل قلوب بعض الناس محترقة شوقا إليهم.

(وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) أي وارزق ذريتى الذين أسكنتهم هناك من أنواع الثمار بأن تجبى إليهم ذلك من شاسع الأقطار ، وقد استجاب الله ذلك كما قال : «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا» قال الدكتور عبد العزيز إسماعيل باشا فى كتابه (الإسلام والطلب الحديث) دعاء سيدنا إبراهيم يفسر ما قلناه ، وهو أن الدعاء سنة طبيعية لا أكثر ولا أقل ، فالنبى يدعو ربه ليلهم الناس حج البيت ، فهو يستعين بسنة طبيعية وهى إلهام الخالق لنا حج البيت مع أنه يعلم أن الله قادر على أن ينزل عليهم رزقا من السماء ، ولكن النبي ضرب لنا مثلا فى طريق استعمال الدعاء وقيمته ، فالدعاء لا يلغى سنة طبيعية ولا يأتى بالمعجزات ، ولكن الداعي يطلب من الخالق الهداية إلى إحدى السنن الطبيعية وسأضرب لك مثلا بالنسبة للمريض وعلاجه ، فقد أخبرنى البعض أن من يطلب الطبيب لا يستعين بالدعاء ، والحقيقة غير ذلك ، فالوالد الذي يدعو ربه لشفاء ولده ، لا فائدة من دعائه إذا كان ولده قد مات أو إذا كان مرضه مميتا حتما ، ولكن قد يكون للمرض طرق علاج خاصة ، أو يشفى من نفسه فى ظروف خاصة ، فالدعاء فى هذه الحال معناه إلهام المريض ومن حوله من طبيب وغيره استعمال الطريق المؤدى إلى الشفاء ، والطبيب يحتاج دائما إلى هذا الإلهام ، وكم من مرة يقف فى مفترق الطرق ولا يدرى أية ناحية يسلك ، وكل طريق سنة طبيعية تؤدى إلى نتيجة خاصة ، والدعاء هداية إلى السنة المؤدية إلى الشفاء ، وهكذا يكون الدعاء والتطبيب وكل أعمال الإنسان يكمّل بعضها بعضا وليست متناقضة ، فدعاء سيدنا إبراهيم معناه أن يلهم الناس بواسطة القوانين الطبيعية حج البيت ، وقد يقال ولكننا لا نشعر بإلهام من عند الله ، وكل أفعالنا نتيجة مباشرة لتفكيرنا ، والشخص الذي يحج

١٦٠