الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

فصل (١٧)

فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه‌السلام يوم عرفة

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه بإسناده في كتاب ثواب الأعمال إلى أبي عبد الله عليه‌السلام في ثواب من زار الحسين عليه‌السلام فقال : من أتاه في يوم عرفة عارفا بحقّه ، كتب له ألف حجّة ، وألف عمرة مقبولة ، وألف غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل (١).

وفي رواية أخرى : ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقّه كتب الله له ألف حجّة ، وألف عمرة متقبلات ، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ، قال : قلت : وكيف لي بمثل الموقف؟ قال : فنظر اليّ شبه المغضب ، ثم قال : يا فلان انّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة ، واغتسل بالفرات ، ثم توجه إليه كتب الله له بكلّ خطوة حجّة بمناسكها ، ولا أعلمه إلاّ قال : وعمرة (٢).

ومن ذلك ما رواه بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : انّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه‌السلام قبل أهل عرفات ، ويقضي حوائجهم ، ويغفر ذنوبهم ، ويشفّعهم في مسائلهم ، ثم يأتي أهل عرفة فيفعل بهم ذلك (٣).

ومن ذلك من غير كتاب ثواب الأعمال عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان يوم عرفة نظر الله تعالى إلى زوار قبر الحسين بن علي عليه‌السلام فقال : ارجعوا مغفورا لكم ما مضى ، ولا يكتب على أحد ذنب سبعين يوما من يوم ينصرف (٤).

ومن ذلك عن الصادق عليه‌السلام أيضا انّه قال : من زار الحسين بن علي عليهما‌السلام يوم عرفة كتب الله عزّ وجلّ له ألف ألف حجة مع القائم ، وألف ألف عمرة

__________________

(١) رواه الصدوق في ثواب الأعمال : ١١٥ ، الأمالي : ١٤٣ ، أورده الشيخ في أماليه ١ : ٢٠٤ ، عنهم البحار ١٠١ : ٨٥.

(٢) ثواب الأعمال : ١١٥ مع اختلاف ، الفقيه ٢ : ٥٨ ، أورده في كامل الزيارات : ١٦٩ ، عنه البحار ١٠١ : ٨٥.

(٣) ثواب الأعمال : ١١٦ ، رواه الشيخ في مصباح المتهجد : ٧١٥ ، وابن قولويه في الكامل : ١٧٠ ، عنهم البحار ١٠١ : ٨٦.

(٤) رواه الشيخ في مصباح المتهجد : ٧١٦ ، وابن قولويه في الكامل : ١٧١ ، عنهما البحار ١٠١ : ٨١ ، ١٠ : ٣٦١.

٦١

مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعتق ألف ألف نسمة ، وحملان ألف ألف فرس في سبيل الله ، وسمّاه الله عبدي الصديق آمن بوعدي (١).

والأحاديث في فضل زيارة الحسين عليه‌السلام في عرفة متواترة عند أهل المعرفة.

فصل (١٨)

فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصّة بالحسين عليه‌السلام يوم عرفة

اعلم انّه سيأتي في بعض ما نذكره من الدعوات في يوم عرفة زيارة النبي والأئمة عليهم أفضل الصلوات ، وانّما نذكر في هذا الفصل زيارة تختصّ بهذا اليوم غير داخلة في دعواته.

ذكر هذه الزيارة :

إذا كنت بمشهد الحسين عليه‌السلام في يوم عرفة ، فاغتسل غسل الزيارة والبس أطهر ثيابك وطهّر عقلك وقلبك ممّا يقتضي الابعاد بعقابك وعتابك ، لتكون طاهرا من الأدناس ، فيصحّ لك ان تقف بباب طاهر من الأرجاس ، واقصد مقدس حضرته وقف على باب حرمه وكبّر الله تعالى وقل :

اللهُ اكْبَرُ كَبِيراً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً وَسُبْحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا انْ هَدينا اللهُ ، لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ.

السَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ السَّلامُ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلى فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.

السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، السَّلامُ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى ، السَّلامُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، السَّلامُ عَلى

__________________

(١) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٧٢ ، عنه البحار ١٠١ : ٨٨ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٢١٠ ، والشيخ في مصباح المتهجد : ٧١٥ ، التهذيب ٦ : ٤٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٥٩ ، وفي مصباح الكفعمي : ٥٠١ ، روضة الواعظين : ٣٢٣ ، المزار للمفيد : ٥٤.

٦٢

الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، السَّلامُ عَلَى الْخَلَفِ الصَّالِحِ الْمُنْتَظَرِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ، الْمُوالِي لِوَلِيِّكَ ، الْمُعادِي لِعَدُوِّكَ ، اسْتَجارَ بِمَشْهَدِكَ ، وَتَقَرَّبَ الَى اللهِ بِقَصْدِكَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِوِلايَتِكَ ، وَخَصَّنِي بِزِيارَتِكَ ، وَسَهَّلَ لِي قَصْدَكَ.

ثم تدخل وتقف ما يلي الرّأس وتقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَلِيٍّ الْمُرْتَضى ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ خَدِيجَةَ الْكُبْرى.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورِ ، اشْهَدُ انَّكَ قَدْ اقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ ، وَامَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاطَعْتَ اللهَ حَتّى أَتاكَ الْيَقِينُ.

فَلَعَنَ اللهُ امَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ امَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ امَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ.

يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ ، اشْهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَنْبِيائَهُ وَرُسُلَهُ انِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبإِيابِكُمْ مُوقِنٌ ، بِشَرَائِعِ دِينِي وَخَواتِيمِ عَمَلِي ، فَصَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَرْواحِكُمْ وَعَلى أَجْسادِكُمْ ، وَعَلى شاهِدِكُمْ وَعَلى غائِبِكُمْ ، وَعَلى ظاهِرِكُمْ وَعَلى باطِنِكُمْ (١).

__________________

(١) غائبكم وظاهركم وباطنكم ( خ ل ).

٦٣

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، وَابْنَ إِمامِ الْمُتَّقِينَ ، وَابْنِ قائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ الى جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَكَيْفَ لا تَكُونُ كَذلِكَ ، وَانْتَ بابُ الْهُدى وَإِمامُ التُّقى وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقى ، وَالْحُجَّةُ عَلى اهْلِ الدُّنْيا ، وَخامِسُ أَصْحابِ الْكِسَاءِ.

غَذَّتْكَ يَدُ الرَّحْمَةِ وَرُضِعْتَ مِنْ ثَدْيِ الإِيمانِ ، وَرُبِّيتَ فِي حِجْرِ الإِسْلامِ ، وَالنَّفْسُ غَيْرُ راضِيَةٍ بِفِراقِكَ ، وَلا شاكَّةٍ فِي حَياتِكَ ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آبائِكَ وَأَبْنائِكَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَرِيعَ الْعَبْرَةِ السَّاكِبَةِ (١) ، وَقَرِينَ الْمُصِيبَةِ الرَّاتِبَةِ ، لَعَنَ اللهُ امَّةً اسْتَحَلَّتْ مِنْكَ الْمَحارِمَ ، فَقُتِلْتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ مَقْهُوراً ، وَاصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِكَ مَوْتُوراً (٢) ، وَاصْبَحَ دِينُ اللهِ لِفَقْدِكَ مَهْجُوراً.

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى جَدِّكَ وَأَبِيكَ وَأُمِّكَ وَأَخِيكَ ، وَعَلى الأَئِمَّةِ مِنْ بَنِيكَ ، وَعَلى الْمُسْتَشْهَدِينَ مَعَكَ ، وَعَلى الْمَلائِكَةِ الْحافِّينَ بِقَبْرِكَ ، وَالشَّاهِدِينَ لِزُوَّارِكَ ، الْمُؤَمِّنِينَ عَلى دُعاءِ شِيعَتِكَ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي يا أَبا عَبْدِ اللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا ، وَعَلى جَمِيعِ اهْلِ السَّماواتِ وَالارْضِ ، فَلَعَنَ اللهُ امَّةً اسْرَجَتْ وَالْجَمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ.

يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ قَصَدْتُ حَرَمَكَ ، وَاتَيْتُ مَشْهَدَكَ ، اسْأَلُ اللهَ بِالشَّأْنِ الَّذِي لَكَ عِنْدَهُ ، وَبِالْمَحَلِّ الَّذِي لَكَ لَدَيْهِ انْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، بِمَنِّهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ.

ثم قبّل الضريح وصلّ عند الرأس ركعتين تقرأ فيهما ما أحببت ، فإذا فرغت فقل :

__________________

(١) سكب الماء : صبّه ، العبرة : الدمعة.

(٢) الموتور : من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.

٦٤

اللهُمَّ لَكَ صَلَّيْتُ وَرَكَعْتُ (١) وَسَجَدْتُ ، لَكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، لأَنَّ الصَّلاةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لا يَكُونَ الاَّ لَكَ ، لأَنَّكَ انْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَبْلِغْهُمْ عَنِّي افْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ ، وَارْدُدْ عَلَيَّ مِنْهُمُ التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَ ، اللهُمَّ وَهاتانِ الرَّكْعَتانِ هدِيَّةٌ مِنِّي الى مَوْلايَ وَسَيِّدِي وَإِمامِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِما السَّلامُ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَتَقَبَّلْ ذلِكَ مِنِّي ، وَاجِرْنِي عَلى ذلِكَ افْضَلَ امَلِي وَرَجائِي فِيكَ وَفِي وَلِيِّكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثم صر إلى رجلي الحسين عليه‌السلام وزر علي بن الحسين عليهما‌السلام ورأسه عند رجلي أبي عبد الله عليه‌السلام ، فتقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ نَبِيِّ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ ايُّهَا الشَّهِيدُ ابْنُ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ ايُّهَا الْمَظْلُومُ ، لَعَنَ اللهُ امَّةً قَتَلَتْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ امَّةً ظَلَمَتْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ امَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ وَجَلَّتِ الرَّزِيَّةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَعَنَ اللهُ امَّةً قَتَلَتْكَ ، وَأَبْرَءُ الَى اللهِ وَالَيْكَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.

ثمّ توجّه إلى الشهداء فزرهم ، وقل :

السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَوْلِياءَ اللهِ وَاحِبَّاءَهُ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَصْفِياءَ اللهِ وَاودّاءَهُ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ دِينِ اللهِ وَأَنْصارَ نَبِيِّهِ وَأَنْصارَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْصارَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ ابِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْوَلِيِّ النَّاصِحِ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ ابِي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اجْمَعِينَ.

__________________

(١) لك ركعت ( خ ل ) ، وفي مصباح الزائر : اللهمّ انّي صليت وركعت.

٦٥

بِأَبِي انْتُمْ وَأُمِّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الارْضُ الَّتِي فِيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ وَاللهِ فَوْزاً عَظِيماً ، يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ مَعَكُمْ فِي الْجِنانِ مَعَ الشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثم عد إلى رأس الحسين عليه‌السلام واستكثر من الدعاء لنفسك وأهلك وإخوانك المؤمنين ، وإذا أردت وداعه فودّعه والشهداء ببعض ما قدّمناه من وداعاتهم.

ثم امض إلى مشهد العباس بن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإذا أتيت فقف على قبره ، وقل :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا الْفَضْلِ الْعَبّاسِ بْنِ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَوَّلِ الْقَوْمِ اسْلاماً ، وَاقْدَمِهِمْ إِيماناً ، وَاقْوَمِهِمْ بِدِينِ اللهِ ، وَاحْوَطِهِمْ عَلَى الإِسْلامِ ، اشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَخِيكَ.

فَنِعْمَ الأَخُ الصّابِرُ الْمُجاهِدُ الْمُحامِي النّاصِرُ ، وَالأَخُ الدّافِعُ عَنْ أَخِيهِ ، الْمُجِيبُ إِلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الرّاغِبُ فِيما زَهِدَ فِيهِ غَيْرُهُ ، مِنَ الثَّوابِ الْجَزِيلِ وَالثَّناءِ الْجَمِيلِ ، فَالْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ فِي دارِ النَّعِيمِ ، انَّهُ حَمِيدٌ مُجِيدٌ.

ثم انكبّ (١) على القبر وقل :

اللهُمَّ لَكَ تَعَرَّضْتُ وَلِزِيارَةِ أَوْلِيائِكَ قَصَدْتُ ، رَغْبَةً فِي ثَوابِكَ وَرَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وَجَزِيلَ إِحْسانِكَ.

فَاسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ داراً ، وَعَيْشِي بِهِمْ قارّاً ، وَزِيارَتِي بِهِمْ مَقْبُولَةً ، وَذَنْبِي بِهِمْ مَغْفُوراً ، وَاقْلِبْنِي بِهِمْ مُفْلِحاً مُنْجِحاً ، مُسْتَجاباً دُعائِي ، بِأَفْضَلِ ما يَنْقَلِبُ بِهِ احَدٌ مِنْ زُوّارِهِ وَالْقاصِدِينَ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثم قبّل الضريح ، وصلّ عنده صلاة الزيارة وما بدا لك ، فإذا أردت وداعه رضوان

__________________

(١) انكب على أمر : لزمه.

٦٦

الله عليه فودّعه ببعض ما قدّمناه من وداعاته (١).

فصل (١٩)

فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدّعاء المعتاد وهل الاجتماع للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد

فنقول : وقد وجدنا في كتاب أبي علي حسن بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أشناس البزّاز رحمه‌الله ركعتين يحتمل أن يكون صلاتهما قبل صلاة الظهرين ، فاقتضى الاستظهار للعبادات أن نذكرهما وفيهما فضل في العنايات.

فقال في كتابه ما هذا لفظه : أمّا الصلاة في يوم عرفة من كتب أصحابنا رحمهم‌الله تعالى ، فانّني وجدتها اثنتي عشرة ركعة ، تقرء في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة وآية الكرسي و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، فإذا سلّمت تقرأ ما تيسّر من القرآن وتخرّ ساجدا وترفع يديك وتقول :

سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَفازَ بِهِ ، سُبْحانَ مَنْ تَعَطَّفَ بِالْحِلْمِ وَتَكَرَّمَ بِهِ ، سُبْحانَ مَنْ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ وَعَلِمَ بِهِ ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغِي انْ يُسَبَّحَ سِواهُ ، سُبْحانَ ذِي الْعِزِّ وَالْقُدْرَةِ ، سُبْحانَ الْعَظِيمِ الاعْظَمِ.

اسْأَلُكَ يا رَبِّ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ ، وَأَسْأَلُكَ بِالْمُسْتَجابِ مِنْ دُعاءِكَ ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ـ وتدعو بما أحببت.

وروي عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام انّه قال : من صلّى يوم عرفة قبل أن يخرج إلى الدعاء في ذلك ويكون بارزا تحت السّماء ركعتين واعترف لله عزّ وجلّ بذنوبه وأقرّ له بخطاياه نال ما نال الواقفون بعرفة من الفوز ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر (٢).

__________________

(١) رواه في مصباح الزائر : ١٨٢ ـ ١٨٥ ، مزار الشهيد : ٥٢ ـ ٥٥ ، عنهما البحار ١٠١ : ٣٦٠ ـ ٣٦٣.

(٢) عنه الوسائل ٨ : ١٨٣.

٦٧

أقول : وامّا هل الاجتماع يوم عرفة أفضل أو الانفراد :

فاعلم انّ الأحاديث وردت انّ اجتماع أربعين في الدّعوات وقضاء الحاجات ، يقتضي تعجيل الإجابات وتفريج الكربات ، ووردت أحاديث انّ الدعاء في السّر أفضل الدعاء وأبلغ في الظفر بالإجابة.

وإذا كانت الاخبار على هذه السبيل فينبغي ان يكون على نفسه بصيرة في كلّ كثير وقليل ، فان عرف من نفسه انّ اجتماعه بالنّاس لا يشغله عن مولاه وانّه يكون أقرب له إلى رضاه ، فالاجتماع لمثل هذه القويّ من العبّاد أفضل من الانفراد ، وان كان يعلم من نفسه انّ الاجتماع بالعباد يشغله عن سلطان المعاد ، فهذا ينبغي له ان يعمل على الانفراد.

وجملة الأمور انّ المراد من العبد المبالغة في إخلاص الأعمال ، فكيف قدر على الظفر بهذه الحال ، فليبادر إليها ويعتمد عليها.

فصل (٢٠)

فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة اين كان من البلاد

أقول : قد قدّمنا في الجزء الأول من كتاب المهمّات والتّتمات شروطا للدعوات المقبولات ، وعيوبا في الدعاء تمنع من الإجابات ، فان قدرت على نظر ما هناك من التفصيل ، فاعمل عليه ، فإنّه واضح البرهان والدليل.

وان تعذّر عليك حضور ذلك الكتاب وقت هذه الدعوات ، ولم تكن ممّن يعرف شروط الإجابة ولا عيوب العبادة ، فاعلم انّه ينبغي ان تلقى الله جلّ جلاله وقت الحضور لمناجاته ، وأنت طاهر من كلّ ما يقتضي استحقاقك لعقوباته أو معاتباته ، كما انّ العقل يشهد انّك إذا أردت دخول حضرة ملك من ملوك الزّمان ، أو لقاء النبي صلوات الله عليه وآله ، أو أحد أئمّتك العظمى الشّأن ، فإنّك تستعدّ للدخول عليهم بكلّ ما يقرّبك إليهم.

ومهما عرفت أنّهم يؤثرون ان يكون عليك من الكسوات ، أو تكون عليه من

٦٨

الصّفات ، أو يرتضونه من ألفاظ التسليم عليهم ، أو القيام أو الجلوس بين يديهم.

فإنّك تجتهد في العمل على مرادهم بغاية اجتهادك ، مع علمك بأنّهم لا يطّلعون على ضميرك وفؤادك ، فكيف يجوز الاّ تكون مع سلطان دنياك ومعادك على هذه الصفات ، وهو مطّلع على الخفيات ، وحاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى كلّ من تحضر بين يديه.

فإذا تطهّرت وغسّلت عقلك بماء سحائب الإقبال على مولاك ، وغسلت قلبك بدموع الخشوع والخضوع لمالك دنياك وأخراك ، فاغتسل الغسل المأمور به في عرفة ، فإنّه من المهمات ، ولتكن نيّتك في ذلك الغسل الموصوف ، ولكلّ غسل تحتاج إليه في ذلك اليوم المعروف.

فتغتسل غسل التوبة ، عسى ان يكن قد بقي عليك شيء من عيوب القلوب وأدواء الذنوب ، وغسل يوم عرفة وغسل الحاجة وغسل قبول الدعوات ، فانّنا وجدناه في الروايات ، وغسل الاستخارات ، عسى تحتاج إلى شيء من المشاورات ، وكلّ غسل يمكن في ذلك النهار.

واقتد بأهل الاحتياط والاستظهار ، وليكن غسلك قبل الظهرين بقليل لعلّك تصلّي وتدعو وأنت على ذلك الحال الجميل ، ثمّ تصلّي الظهرين بنوافلهما على التمام في المراقبات والدعوات.

فصل (٢١)

فيما نذكره من صلاة تختصّ بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين

روينا هذه الصلاة عن والدي السعيد بإسناده إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمد بن النعمان تغمّدهما الله جلّ جلاله بالرضوان فيما اشتمل عليه كتابه كتاب الاشراف ، فقال فيه ما هذا لفظه : وصلاة يوم عرفة فيما سوى عرفات من الأماكن والأصقاع ركعتان بعد صلاة العصر وقبل الدعاء.

أقول : فينبغي ان تبالغ فيهما في الإخلاص وعوائد أهل الاختصاص ، لتكون هاتان

٦٩

الركعتان فاتحة للأبواب بين يديك ، ومقدّمة إلى مولاك الذي أنت مضطرّ إلى إقباله عليك.

فصل (٢٢)

فيما نذكره من أدعية يوم عرفة

اعلم انّني وجدت في الروايات اختلافا فيما نذكره قبل الشروع في الدعوات.

فقال جدّي أبو جعفر الطوسي : فإذا وقفت للدعاء فعليك بالسكينة والوقار وأحمد الله تعالى وهلّله ومجّده ، وأثن عليه ، وكبّره مائة تكبيرة ، وأحمده مائة مرّة ، وسبّحه مائة واقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرة (١).

وقال محمد بن علي الطرازي في كتابه بإسناده عن الصادق عليه‌السلام مثل هذا العدد في التكبير والتحميد والتسبيح ، وزاد عليه : وهلّله مائة مرة كما قدّمناه ، ثمّ قال في عدد قراءة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرة كما قدّمناه ، ثمّ قال : وان أحببت أن تزيد على ذلك فزد واقرأ سورة القدر مائة مرة.

ووجدت في رواية أخرى عن مولانا الصادق عليه‌السلام ما هذا لفظه : تكبر الله تعالى مائة مرة وتهلّله مائة مرة وتسبّحه مائة مرة وتقدّسه مائة مرة وتقرء آية الكرسي مائة مرة وتصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مائة مرة.

أقول : فليكن الاستظهار لاخراك أرجح عندك من الاحتياط لدنياك.

فلو انّ سلطانا جعل لرعيّته يوما يحضرون بين يديه ويعرضون حوائجهم عليه ، وكانت الرعيّة مفتقرة في كلّ شيء إليه واختلف عليهم خواصّ السلطان فيما عيّنه الملك من لفظ الكلام الّذي يعرض عليه وقت الحضور بين يديه ، لطلب ما يحتاجون إليه من الإحسان ، اما كانوا يستظهرون لكلّ طريق في الاحتياط والاستظهار بذكر الألفاظ في جميعها الّتي ذكرها لهم الخواصّ عن الشفيق.

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٦٨٧.

٧٠

وأقول : يا أيّها الرجل المتشرّف بنور المعقول والمنقول وهداية الرسول ، أنت تعلم انّك لو تعلّمت تلك الألفاظ جميعها على التفصيل ، ثم دخلت بين يدي ذلك السلطان الجليل وتلوتها بلسانك ، وكنت معرض عنه أو مشغول بغيره عن الالتفات إليه وأدب القرب منه ، فإنّك تشهد على نفسك بالجهل بقدر السلطان ، وانّك قد عرّضت نفسك للحرمان أو الهوان.

فإذا لا يجوز ان تدخل حضرة السلطان الاّ وانّك مقبل عليه بالقلب واللّسان وجميع الجنان والأركان ، فكذا ينبغي ان يكون حالك مع الله جلّ جلاله المطّلع على الأسرار ، فتكون عند تلاوة هذه الأذكار حاضرا بعقلك ولبّك ، ومعظّما للألفاظ والمعاني بلسانك وقلبك ومجتهدا ان يصدّق فعالك مقالك.

فإذا تلوت : الله أكبر ، فيكون على سرائرك وظواهرك ، آثار انّه لا شيء أعظم من الله جلّ جلاله الّذي تتلفّظ بتكبيرة ، فلا تشغل قلبك في تلك الحال بشيء غيره من قليل أمرك وكثيره.

وإذا تلوت تحميده وقلت : الحمد لله ، فقد شهدت انّ الحمد ملكه وانّه أحقّ به من سواه ، فلا يكن في خاطرك محمود عندك ممّن أحسن إليك في دنياك أرجح مقالا ولا أصلح إخلاصا وإقبالا.

وإذا تلوت تسبيحه وتنزيهه فليكن خاطرك منزها له عن أن تؤثّر عليه سواه ، وان يشغلك عنه في تلك الحال غيره ممّن ترجوه أو تراه.

وإذا تلوت تهليلة وقرأت آية الكرسي و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، فليكن عليك تصديق الاعتراف له ، بأنه إلهك الّذي لا يشغلك عنه هواك ولا دنياك ، وانّك مملوكه ، وعبده المفتقر إليه ، المشغول به اشتغالا يشهد بتحقيقه سرّك ونجواك.

وإذا قرأت سورة القدر فليكن قلبك معظّما للفظه الشريف ، الّذي جعلك نائبا لتلاوته بين يديه ، وكأنّك تقرء لفظه المقدّس عليه معترفا بحقّها بأبلغ ما يصل جهدك إليه.

وإذا صلّيت على النّبي صلوات الله عليه وآله ، فاذكر انّهم غير محتاجين إلى دعاءك لهم بالصلاة عليهم ، بعد ما تعرفه من انّ الله تعالى جلّ جلاله صلّى هو وملائكته عليهم ،

٧١

لكن قد ورد في الحديث انّ أبواب الإجابات تفتح لطلب الصلوات عليهم في الدعوات ، وإذا فتحها الله جلّ جلاله لقبول الصلاة عليهم في مناجاتك كان أرحم وأكرم أن يغلقها عمّا تدعوه عقيب ذلك من حاجاتك ومهماتك.

أقول : فإذا عملت في تلاوة هذه الأمور على ما ذكرناه ، رجوت لنفسك ان تكون عبدا عرف حقّ مولاه وقبل منه فيما يدعوه ، ودعاه وظفر برضاه ، وكان مسعودا في دنياه وأخراه ، وها نحن ذاكرون ما نختاره من الدعوات المختصّة بهذا اليوم المتّفق على تعظيمه بين الفرق المختلفات.

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه ، فيما ذكره في كتاب تهذيب الأحكام ، بإسنادنا إلى مولانا الصّادق صلوات الله عليه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : ألا أعلّمك دعاء يوم عرفة ، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء؟ قال : تقول :

لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَالَّذِي تَقُولُ وَخَيْراً مِمَّا نَقُولُ ، وَفَوْقَ ما يَقُولُ الْقائِلُونَ ، اللهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي ، وَلَكَ بَراءَتِي وَبِكَ حَوْلِي وَمِنْكَ قُوَّتِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَمِنْ وَسْواسِ الصَّدْرِ ، وَمِنْ شَتاتِ الْأَمْرِ ، وَمِنْ عَذابِ الْقَبْرِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الرِّياحِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما تَجِيءُ بِهِ الرِّياحِ ، وَأَسْأَلُكَ خَيْرَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.

اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً ، وَفِي سَمْعِي وَبَصَرِي نُوراً ، وَفِي لَحْمِي وَعِظامِي نُوراً ، وَفِي عُرُوقِي وَمَقْعَدِي وَمُقامِي وَمَدْخَلِي وَمَخْرَجِي نُوراً ، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً ، يا رَبِّ يَوْمَ أَلْقاكَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١).

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٢١٥ ، رواه الشيخ في التهذيب ٥ : ١٨٣ ، مصباح المتهجد : ٦٨٧ ، والصدوق في الفقيه ٢ : ٥٤٢.

٧٢

أقول : وقد كنّا ذكرنا في كتاب عمل اليوم واللّيلة في صفات المخلصين في الدّعوات عدّة روايات ، وسوف نذكر في هذا الموضع ما يليق منها.

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمّد بن الحسن بن الوليد ، بإسناده إلى القاسم بن حسين النيسابوري قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام عند ما وقف بالموقف مدّ يديه جميعا ، فما زالتا ممدودتين إلى أن أفاض ، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه (١).

ومن ذلك ما رويته بإسنادي إلى محمّد بن الحسن الصّفّار ، بإسناده إلى عليّ بن داود قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام في الموقف آخذا بلحيته ومجامع ثوبه وهو يقول بإصبعه اليمنى منكّس الرأس : هذه رمّتي بما جنيت (٢).

ومن ذلك ما رويته بإسنادي عن محمّد بن الحسن بن الوليد أيضا ، بإسناده إلى حمّاد بن عبد الله قال : كنت قريبا من أبي الحسن موسى عليه‌السلام بالموقف ، فلمّا همّت الشمس للغروب أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه ثمّ قال :

اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ إِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِامُورٍ قَدْ سَلَفَتْ مِنِّي ، وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ بِرمَّتِي ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَأَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ يا اهْلَ الْعَفْوِ ، يا أَحَقَّ مَنْ عَفى اغْفِرْ لِي وَلِأصْحابِي ، وَحرّك دابّته فمرّ (٣).

ومن ذلك ممّا لم نذكره في عمل اليوم واللّيلة ، عن مولانا عليّ بن موسى الرِّضا صلوات الله عليه في يوم عرفة :

اللهُمَّ كَما سَتَرْتَ عَلَيَّ ما لَمْ أَعْلَمْ ، فَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ ، وَكَما وَسَعَنِي عِلْمُكَ فَلْيَسَعْنِي عَفْوُكَ ، وَكَما بَدَأْتَنِي بِالإِحْسانِ فَأَتِمَّ نِعْمَتَكَ بِالْغُفْرانِ ، وَكَما أَكْرَمْتَنِي بِمَعْرِفَتِكَ فَاشْفَعْها بِمَغْفِرَتِكَ.

وَكَما عَرَّفْتَنِي وَحْدانِيَّتَكَ فَأَكْرِمْنِي بِطاعَتِكَ ، وَكَما عَصَمْتَنِي ما لَمْ أَكُنْ أَعْتَصِمُ مِنْهُ إِلاَّ بِعِصْمَتِكَ ، فَاغْفِرْ لِي ما لَوْ شِئْتَ عَصَمْتَنِي مِنْهُ ، يا جَوادُ يا كَرِيمُ ، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ (٤).

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٢١٥.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٢١٥.

(٣) ـ عنه البحار ٩٨ : ٢١٦.

(٤) ـ عنه البحار ٩٨ : ٢١٦.

٧٣

أقول : فانظر رحمك الله إلى القوم الّذين تقتدي بآثارهم ، وتهتدي بأنوارهم ، فكن عند دعواتك وفي محلّ مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم.

ومن الدّعوات المشرّفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليه : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ ، وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ ، لا يَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ (١) ، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ.

أَتى بِالْكِتابِ الْجامِعِ ، وَبِشَرْعِ الإِسْلامِ النُّورِ السَّاطِعِ ، وَهُوَ لِلْخَلِيقَةِ صانِعٌ ، وَهُوَ الْمُسْتَعانُ عَلَى الْفَجائِعِ ، جازِي كُلِّ صانِعٍ وَرائِشُ كُلِّ قانِعٍ ، وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ ، وَمُنَزِّلُ الْمَنافِعِ ، وَالْكِتابِ الْجامِعِ ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ.

وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ ، وَراحِمُ عَبْرَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، وَدافِعُ (٢) ضَرْعَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، فَلا إِلهَ غَيْرُهُ ، وَلا شَيْءَ يَعْدِلُهُ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِّي ، وَأَنَّ إِلَيْكَ مَرَدِّي ، ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الْأَصْلابَ ، أَمْناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ (٣) وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً (٤) مِنْ صُلْبٍ إِلى رَحِمٍ فِي تَقادُمِ (٥) الْأَيَّامِ الْماضِيَةِ ، وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ.

لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأْفَتِكَ بِي ، وَلُطْفِكَ لِي (٦) ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَيَّامِ

__________________

(١) الطلائع جمع طليعة ، وهو من يبعث للاطلاع من العدو ، وقد يجيء بمعنى الجماعة فيكون الطلائع بمعنى الجماعات.

(٢) رافع ( خ ل ).

(٣) ريب المنون : حوادث الدهر.

(٤) ظعن : سار ورحل.

(٥) تقادم بمعنى قدم ، أي مضى على وجوده زمن طويل.

(٦) بي ( خ ل ).

٧٤

الْكَفَرَةِ ، الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ ، لكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي رَأْفَةً مِنْكَ وَتَحَنُّناً (١) عَلَيَّ لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدَى ، الَّذِي فِيهِ يَسَّرْتَنِي ، وَفِيهِ أَنْشَأْتَنِي وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوابِغِ نِعْمَتِكَ.

فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ، بَيْنَ لَحْمٍ وَجِلْدٍ وَدَمٍ ، لَمْ تُشْهِدْنِي بِخَلْقِي ، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي.

ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي إِلَى الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً ، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً ، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغَذاءِ لَبَناً مَرِيّاً ، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ (٢) ، وَكَفَّلْتَنِي الأُمَّهاتِ الرَّحائِمَ ، وَكَلَأْتَنِي (٣) مِنْ طَوارِقِ الْجانِّ وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ ، فَتَعالَيْتَ يا رَحِيمُ يا رَحْمانُ.

حَتّى إِذَا اسْتَهْلَلْتُ (٤) ناطِقاً بِالْكَلامِ ، أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الْأَنْعامِ ، فَرَبَّيْتَنِي زائِداً فِي كُلِّ عامٍ ، حَتَّى إِذا كَمُلَتْ فِطْرَتِي ، وَاعْتَدَلَتْ سَرِيرَتِي ، أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتِكَ وَرَوَّعْتَنِي (٥) بِعَجائِبِ فِطْرَتِكَ ، وَأَنْطَقْتَنِي لِما ذَرَأْتَ (٦) فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ ، وَنَبَّهْتَنِي لِذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَواجِبِ طاعَتِكَ وَعِبادَتِكَ ، وَفَهَّمْتَنِي ما جائَتْ بِهِ رُسُلُكَ ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ.

ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ حَرِّ الثَّرى (٧) لَمْ تَرْضَ لِي يا إِلهِي بِنِعْمَةٍ دُونَ أُخْرى ، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْواعِ الْمَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ (٨) بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ عَلَيَّ ،

__________________

(١) تحنّن : ترحّم.

(٢) الحاضنة : التي تقوم على الصغير في تربيته.

(٣) كلأه الله فلانا : حرسه وحفظه.

(٤) استهلّ الصبيّ : رفع صوته بالبكاء عند الولادة.

(٥) روعتني : ألقيت في روعي وقلبي عجائب خلقتك.

(٦) ذرء : خلق.

(٧) حرّ كل دار وارض : وسطها.

(٨) الرياش : اللباس الفاخر.

٧٥

وَإِحْسانِكَ الْقَدِيمِ إِلَيَّ حَتّى إذا أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ.

لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي عَلى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ ، وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ ، فَانْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي ، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي ، وَإِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي ، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي ، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالاً لَانْعُمِكَ عَلَيَّ وَإِحْساناً الَيَّ.

فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِئ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مَجِيدٍ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ ، فَأَيَّ أَنْعُمِكَ (١) يا إِلهِي احْصِي عَدَداً أَوْ ذِكْراً ، أَمْ أَيَّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً ، وَهِيَ يا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيهَا الْعادُّونَ ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِها الْحافِظُونَ.

ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي ، اللهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ.

وَأَنَا اشْهِدُكَ (٢) يا إِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيمانِي وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقِينِي وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي ، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي ، وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي ، وَأَسارِيرِ (٣) صَفْحَةِ جَبِينِي ، وَخَرْقِ (٤) مَسارِبِ (٥) نَفْسِي ، وَخَذارِيفِ (٦) مارِنِ عِرْنِينِي (٧) ، وَمَسارِبِ صَماخِ (٨) سَمْعِي ، وَما ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ ، وَحَرَكاتِ لَفْظِ

__________________

(١) فأي نعمك ( خ ل ).

(٢) اشهد ( خ ل ).

(٣) الأسارير : محاسن الوجه والخدّين والوجنتان.

(٤) الخرق : النقض.

(٥) سرب الماء : مسيله ومجراه.

(٦) الخذاريف : القطعات.

(٧) العرنين : الأنف كله أو ما صلب منه ، المارن : طرف الأنف أو ما لان من طرفه.

(٨) الصماخ : الاذن الباطن الماضي إلى الرأس.

٧٦

لِسانِي ، وَمَغْرِزِ حَنَكِ (١) فَمِي وَفَكِّي ، وَمَنابِتِ أَضْراسِي ، وَبُلُوغِ حَبائِلِ بارِعٍ (٢) عُنُقِي ، وَمَساغِ (٣) مَطْعَمِي (٤) وَمَشْرَبِي ، وَحَمالَةِ (٥) أُمِّ رَأْسِي ، وَجُمَلِ حَمائِلِ حَبْلِ وَتِيْنِي ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ (٦) صَدْرِي ، وَنِياطُ (٧) حِجابِ قَلْبِي ، وَأَفْلاذُ حَواشِي كَبِدِي ، وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ (٨) أَضْلاعِي ، وَحِقاقُ (٩) مَفاصِلِي ، وَأَطْرافُ أَنامِلِي ، وَقَبْضُ عَوامِلِي ، وَدَمِي وَشَعْرِي ، وَبَشَرِي وَعَصَبِي ، وَقَصَبِي وَعِظامِي ، وَمُخِّي وَعُرُوقِي ، وَجَمِيعُ جَوارِحِي ، وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أَيَّامُ رِضاعِي ، وَما أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنِّي ، وَنَوْمِي وَيَقْظَتِي وَسُكُونِي وَحَرَكَتِي ، وَحَرَكاتُ رُكُوعِي وَسُجُودِي ، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الْأَعْصارِ وَالْأَحْقابِ (١٠) ـ لَوْ عُمِّرْتُها ـ أَنْ أُؤَدِّيَ شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ ، مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ ، إِلاّ بِمَنِّكَ الْمُوجِبِ عَلَيَّ شُكْراً آنِفاً جَدِيداً ، وَثَناءً طارِفاً (١١) عَتِيداً (١٢).

أَجَلْ ، وَلَوْ حَرَصْتُ وَالْعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ أَنْ نُحْصِيَ مَدى إِنْعامِكَ ، سالِفَةً وَآنِفَةً ، لَما حَصَرْناهُ عَدَداً ، وَلا أَحْصَيْناهُ أَبَداً ، هَيْهاتَ أَنَّى ذلِكَ وَأَنْتَ الْمُخْبِرُ عَنْ نَفْسِكَ فِي كِتابِكَ النّاطِقِ ، وَالنَّبَإِ الصَّادِقِ : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها » (١٣).

__________________

(١) الحنك : أعلى باطن الفم ، الأسفل من طرف مقدم اللحيين.

(٢) برع الجبل : علاه.

(٣) ساغ الشراب : هنأ وسهل مدخله في الخلق.

(٤) ما كلى ( خ ل ).

(٥) الحمالة : علاقة السيف.

(٦) التامور : الوعاء والنفس وحيوتها والقلب وصوته ودمه.

(٧) النياط : عرق علق به القلب من الوتين فإذا انقطع مات صاحبه.

(٨) الشرسوف : طرف الضلع المشرف على البطن.

(٩) الحقاق : جمع حقة ، رأس الورك فيها عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة.

(١٠) الحقب : ثمانون سنة أو أكثر ، الدهر.

(١١) الطرف : الحديث من المال.

(١٢) العتيد : الشيء الحاضر المهيا.

(١٣) إبراهيم : ٣٤ ، النحل : ١٨.

٧٧

صَدَقَ كِتابُكَ اللهُمَّ وَنَبَاؤُكَ ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ ، ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ مِنْ دِينِكَ ، غَيْرَ أَنِّي (١) أَشْهَدُ بِجِدِّي وَجَهْدِي ، وَمَبالِغِ طاقَتِي وَوُسْعِي ، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ فَيُضادَّهُ فِيمَا ابْتَدَعَ ، وَلا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ (٢) فِيما صَنَعَ.

سُبْحانَهُ سُبْحانَهُ سُبْحانَهُ ، لَوْ كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا ، فَسُبْحانَ اللهِ الْواحِدِ الْحَقِّ الْأَحَدِ الصَّمَدِ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً يَعْدِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلِصِينَ.

اللهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْواكَ ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ ، حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ ، وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ.

اللهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ فِي نَفْسِي ، وَالْيَقِينَ فِي قَلْبِي ، وَالإِخْلاصَ فِي عَمَلِي ، وَالنُّورَ فِي بَصَرِي ، وَالْبَصِيرَةَ فِي دِينِي ، وَمَتِّعْنِي بِجَوارِحِي ، وَاجْعَلْ سَمْعِي وَبَصَرِي الْوارِثَيْنِ مِنِّي ، وَانْصُرْنِي عَلى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَأَرِنِي فِيهِ (٣) مَآرِبِي (٤) وَثارِي وَأَقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي.

اللهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي وَاسْتُرْ عَوْرَتِي ، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي ، وَاخْسَأْ (٥) شَيْطانِي ، وَفُكَّ رِهانِي وَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ،

__________________

(١) غير انّي يا إلهي ( خ ل ).

(٢) الإرفاد : الإعطاء والإعانة والاسترفاد والاستعانة.

(٣) في الأصل : وارزقني ، ما أثبتناه من البلد الأمين.

(٤) المأرب : الحاجة.

(٥) خسأت الكلب خساء : طردته.

٧٨

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً ، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي حَيّاً سَوِيّاً ، رَحْمَةً بِي وَكُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً.

رَبِّ بِما بَرَأْتَنِي فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِي ، رَبِّ بِما أَنْشَأْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي ، يا رَبِّ بِما أَحْسَنْتَ بِي وَفِي نَفْسِي عافَيْتَنِي ، رَبِّ بِما كَلَأْتَنِي وَوَفَّقْتَنِي رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي ، رَبِّ بِما آوَيْتَنِي وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ آتَيْتَنِي وَأَعْطَيْتَنِي ، رَبِّ بِما أَطْعَمْتَنِي وَسَقَيْتَنِي ، رَبِّ بِما أَغْنَيْتَنِي وَأَقْنَيْتَنِي (١) ، رَبِّ بِما أَعَنْتَنِي وَأَعْزَزْتَنِي.

رَبِّ بِما أَلْبَسْتَنِي مِنْ ذِكْرِكَ الصَّافِي ، وَيَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الْكافِي ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَعِنِّي عَلى بَوائِقِ (٢) الدَّهْرِ ، وَصُرُوفِ الْأَيَّامِ وَاللَّيالِي ، وَنَجِّنِي مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الاخِرَةِ وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الْأَرْضِ.

اللهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِنِي ، وَما أَحْذَرُ فَقِنِي ، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي ، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي ، وَفِي أَهْلِي وَمالِي وَوَلَدِي فَاخْلُفْنِي ، وَفِيمَا رَزَقْتَنِي فَبارِكْ لِي ، وَفِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي ، وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالانْسِ فَسَلِّمْنِي ، وَبِذُنُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي ، وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِنِي ، وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِنِي ، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْنِي وَإِلى غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي.

إِلى مَنْ تَكِلْنِي ، إِلَى الْقَرِيبِ يَقْطَعُنِي ، أَمْ إِلَى الْبَعِيدِ يَتَجَهَّمُنِي (٣) ، أَمْ إِلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي ، وَأَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أَمْرِي ، أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي.

اللهُمَّ فَلا تُحْلِلْ بِي غَضَبَكَ ، فَانْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا أُبالِي سِواكَ ، غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي ، فَأَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ

__________________

(١) قنى المال : جمعه ، اقناه الله : أغناه وأعطاه ما يقتني.

(٢) البوائق : الدواهي.

(٣) يتجهمني : يطردني.

٧٩

وَالسَّماواتُ ، وَانْكَشَفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، أَنْ لا تُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ وَلا تُنْزِلَ بِي سَخَطَكَ ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ (١) ذلِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ.

رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرامِ ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرامِ ، وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، الَّذِي أَحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمَنَهً ، يا مَنْ عَفى عَنِ الْعَظِيمِ مِنَ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ ، يا مَنْ أَسْبَغَ النِّعْمَةَ بِفَضْلِهِ ، يا مَنْ أَعْطَى الْجَزِيلَ (٢) بِكَرَمِهِ.

يا عُدَّتِي فِي كُرْبَتِي ، يا مُونِسِي فِي حُفْرَتِي ، يا وَلِيَّ نِعْمَتِي ، يا إِلهِي وَإِلهَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ، وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ ، وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالانْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقانِ الْعَظِيمِ (٣) ، وَمُنْزِلَ كهيعص وَطه ، وَيس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ.

أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي الْمَذاهِبُ فِي سَعَتِها ، وَتَضِيقُ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِرَحْبِها (٤) ، وَلَوْ لا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ ، وَأَنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْداءِ ، وَلَوْ لا نَصْرُكَ لِي لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلوبِينَ.

يا مَنْ خَصَّ نَفْسَه بِالسُّمُوِّ وَالرَّفْعَةِ ، وَأَوْلِياؤُهُ بِعِزِّةِ يَتَعَزَّزُونَ (٥) ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ (٦) عَلى أَعْناقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ ، تَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الْأَزْمانُ وَالدُّهُورُ.

يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلاّ هُوَ (٧) ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما يَعْلَمُهُ إِلاَّ هُوَ ، يا مَنْ كَبَسَ (٨) الْأَرْضَ عَلَى الْماءِ وَسَدَّ الْهَواءَ بِالسَّماءِ ، يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الْأَسْماءِ ، يا ذَا

__________________

(١) من قبل ( خ ل ).

(٢) الجزيل : الكثير.

(٣) في الأصل : القرآن العظيم ، ما أثبتناه من البلد الأمين.

(٤) بما رحبت ( خ ل ) ، رحب المكان : اتّسع.

(٥) يعتزون ( خ ل ).

(٦) نير المذلة : علائمهما.

(٧) يا من لا يعلم ما هو الاّ هو ( خ ل ).

(٨) كبس البئر : طمها بالتراب.

٨٠