الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

وَاجْعَلْ لِي مَقِيلاً آوى إِلَيْهِ مُطْمَئِنّاً وَمَثابَةً أَتَبَوَّؤُها وَأَقَرُّ عَيْناً ، وَلا تُناقِشْنِي (١) بِعَظِيماتِ الْجَرائِرِ ، وَلا تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرِ ، وَازِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ ، وَاجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً الى (٢) كُلِّ رَحْمَةٍ ، وَاجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَواهِبِ مِنْ نَوالِكَ وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَ الإِحْسانِ مِنْ إِفْضالِكَ.

وَاجْعَلْ قَلْبِي واثِقاً بِما عِنْدَكَ وَهَمِّي مُسْتَفْرِغاً لِما هُوَ لَكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ خاصَّتَكَ (٣) ، وَاشْرِبْ (٤) قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقُولِ (٥) طاعَتَكَ ، وَاجْمَعْ لِيَ الْغِنى وَالْعِفافَ وَالدَّعَةَ (٦) وَالْمُعافاةَ وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْعافِيَةَ.

وَلا تُحْبِطْ حَسَناتِي بِما يَشُوبُها مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلا خَلَواتِي بِما يَعْرضُ لِي مَعَها مِنْ نَزَعاتِ فِتْنَتِكَ ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ الطَّلَبِ الى احَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ، وَذُبَّنِي (٧) عَنْ الْتِماسِ ما عِنْدَ الْفاسِقِينَ ، وَلا تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً (٨) وَلا لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتابِكَ يَداً (٩) وَلا نَصِيراً ، وَحُطْنِي (١٠) مِنْ حَيْثُ اعْلَمُ وَمِنْ حَيثُ لا اعْلَمُ ، حِياطَةً تَقِينِي بِها.

وَافْتَحْ لِي أَبْوابَ تَوْبَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ وَرِزْقِكَ الْواسِعِ انِّي الَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ ، وَاتْمِمْ لِي (١١) إِنْعامَكَ انَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِينَ. وَاجْعَلْ باقِي عُمْرِي فِي

__________________

(١) فأقرّ عينا ولا تقايسني ( خ ل ).

(٢) من ( خ ل ).

(٣) تستعمل به خالصتك ( خ ل ).

(٤) اشرب : أمزج.

(٥) العقول ( خ ل ).

(٦) الدعة : الراحة وخفض العيش.

(٧) ذبني : امنعني وادفعني.

(٨) ظهيرا : منيعا.

(٩) مؤيدا ( خ ل ).

(١٠) حطني : احفظني.

(١١) على ( خ ل ).

١٠١

الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ ، يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى (١) مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ الأَبْرارِ الأَخْيارِ ، وَالسَّلامُ (٢) عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ (٣).

ومن أدعية يوم عرفة دعاء علي بن الحسين عليه‌السلام للموقف ، وهو :

اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ الدَّائِبُ فِي غَيْرِ وَصَبٍ (٤) وَلا نَصَبٍ (٥) ، وَلا يَشْغَلُكَ رَحْمَتُكَ عَنْ عَذابِكَ ، وَلا عَذابُكَ مِنْ رَحْمَتِكَ.

خَفَيْتَ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ ، وَظَهَرْتَ فَلا شَيْءَ فَوْقَكَ ، وَتَقَدَّسْتَ فِي عُلُوِّكَ ، وَتَرَدَّيْتَ بِالْكِبْرِياءِ فِي الْأَرْضِ وَفِي السَّماءِ ، وَقَوَّيْتَ (٦) فِي سُلْطانِكَ ، وَدَنَوْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي ارْتِفاعِكَ ، وَخَلَقْتَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِكَ ، وَقَدَّرْتَ الأُمُورَ بِعِلْمِكَ ، وَقَسَّمْتَ الْأَرْزاقَ بِعَدْلِكَ.

وَنَفَذَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ ، وَحارَتِ الْأَبْصارُ دُونَكَ ، وَقَصُرَ دُونَكَ طَرْفُ كُلِّ طارِفٍ ، وَكَلَّتِ (٧) الْأَلْسُنُ عَنْ صِفاتِكَ ، وَغَشِيَ بَصَرُ كُلِّ ناظِرٍ نُورَكَ ، وَمَلأْتَ بِعَظِمَتِكَ أَرْكانُ عَرْشِكَ.

وَابْتَدَأْتَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثالٍ نَظَرْتَ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ سَبَقَكَ إِلى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَمْ تُشارَكْ فِي خَلْقِكَ ، وَلَمْ تَسْتَعِنْ بِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ ، وَلَطُفْتَ فِي عَظَمَتِكَ ، وَانْقادَ لِعَظَمَتِكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَذَلَّ لِعِزَّتِكَ كُلُّ شَيْءٍ.

__________________

(١) صل على ( خ ل ).

(٢) صلّ على ، والسلام عليه وعليهم أبد الأبدين ( خ ل ).

(٣) الدعاء : ٤٧ من الصحيفة السجادية ، رواه عنه البلد الأمين : ٤٨٣ ، مصباح الكفعمي : ٦٧١ ، ينابيع المودة : ٥٠٥ مختصرا ، اتحاف السادة المتقين ٤ : ٤٨٠ ، عنه إحقاق الحق ١٢ : ٤٦ ، أورده في الصحيفة السجادية الجامعة : ٣١٦ ، الدعاء : ١٤٧.

(٤) وصب : وجع ومرض.

(٥) نصب : تعب واعيا.

(٦) قويت : غلبت.

(٧) كلت : أعيت وعجزت.

١٠٢

اثْنِي عَلَيْكَ يا سَيِّدِي وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ فِي مِدْحَتِكَ ثَنائِي مَعَ قِلَّةِ عِلْمِي وَقِصَرِ رَأْيِي ، وَأَنْتَ يا رَبِّ الْخالِقُ وَأَنَا الْمَخْلُوقُ ، وَأَنْتَ الْمالِكُ وَأَنَا الْمَمْلُوكُ ، وَأَنْتَ الرَّبُّ وَأَنَا الْعَبْدُ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَأَنَا الْفَقِيرُ ، وَأَنْتَ الْمُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ ، وَأَنْتَ الْغَفُورُ وَأَنَا الْخاطِئُ ، وَأَنْتَ الْحَيُّ لا تَمُوتُ ، وَأَنَا خَلْقٌ أَمُوتُ.

يا مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ وَدَبَّرَ الأُمُورَ ، فَلَمْ يُقايِس شَيْئاً بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلى خَلْقِهِ بِغَيْرِهِ.

ثُمَّ أَمْضَى الأُمُورَ عَلى قَضائِهِ وَأَجَّلَها إِلى أَجَلٍ مُسَمّى ، قَضى فِيها بِعَدْلِهِ ، وَعَدَلَ فِيها بِفَضْلِهِ ، وَفَصَلَ فِيها بِحُكْمِهِ ، وَحَكَمَ فِيها بِعَدْلِهِ ، وَعَلِمَها بِحِفْظِهِ ، ثُمَّ جَعَلَ مُنْتَهاها إِلى مَشِيَّتِهِ ، وَمُسْتَقَرَّها إِلى مَحَبَّتِهِ ، وَمَواقِيتَها إِلى قَضائِهِ.

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَلا رادَّ لِقَضائِهِ ، وَلا مُسْتَزاحَ عَنْ أَمْرِهِ ، وَلا مَحِيصَ (١) لِقَدَرِهِ ، وَلا خُلْفَ لِوَعْدِهِ ، وَلا مُتَخَلِّفَ عَنْ دَعْوَتِهِ ، وَلا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ طَلبَهُ ، وَلا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَحَدٌ أَرادَهُ ، وَلا يَعْظُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَلَهُ ، وَلا يَكْبُرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ صَنَعَهُ ، وَلا يَزِيدُ فِي سُلْطانِهِ طاعَةُ مُطِيعٍ ، وَلا يَنْقُصُهُ مَعْصِيَةُ عاصٍ ، وَلا يَتَبَدَّلُ الْقولُ لَدَيْهِ ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.

الَّذِي مَلَكَ الْمُلُوكُ بِقُدْرَتِهِ ، وَاسْتَعْبَدَ الْأَرْبابُ بِعِزِّةِ (٢) ، وَسادَ الْعُظَماءُ بِجُودِهِ ، وَعَلَا السَّادَةُ بِمَجْدِهِ ، وَانْهَدَّتِ (٣) الْمُلُوكُ لِهَيْبَتِهِ ، وَعَلا أَهْلُ السُّلْطانِ بِسُلْطانِهِ وَرُبُوبيَّتِهِ ، وَأَبادَ (٤) الْجَبابِرَةُ بِقَهْرِهِ ، وَأَذَلَّ الْعُظَماءُ بِعِزِّةِ ، وَأَسَّسَ الأُمُورَ بِقُدْرَتِهِ ، وَنَبَا الْمَعالِيَ بِسُؤْدَدِهِ (٥) ، وَتَمَجَّدَ بِفَخْرِهِ ، وَفَخَرَ بِعِزِّةِ ، وَعَزَّ بِجَبَرُوتِهِ ، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ بِرَحْمَتِهِ.

إِيَّاكَ أَدْعُو ، وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ ، وَمِنْكَ أَطْلُبُ ، وَإِلَيْكَ أَرْغَبُ ، يا غايَةَ

__________________

(١) لا محيص : لا مفرّ.

(٢) بعزته ( خ ل ).

(٣) انهدت : انحطت وانكسرت.

(٤) اباد : أهلك.

(٥) السؤدد : الرفعة والشرف.

١٠٣

الْمُسْتَضْعَفِينَ ، يا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَمُعْتَمَدَ الْمُضْطَهِدِينَ ، وَمُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ، وَمُثِيبَ الصَّابِرِينَ ، وَعِصْمَةَ الصَّالِحِينَ ، وَحِرْزَ الْعارِفِينَ ، وَأَمانَ الْخائِفِينَ ، وَظَهْرَ اللاَّجِينَ ، وَجارَ الْمُسْتَجِيرِينَ ، وَطالِبَ الْغادِرِينَ ، وَمُدْرِكَ الْهارِبِينَ ، وَأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَخَيْرَ النَّاصِرِينَ ، وَخَيْرَ الْفاصِلِينَ ، وَخَيْرَ الْغافِرِينَ ، وَأَحْكَمَ الْحاكِمِينَ ، وَأَسْرَعَ الْحاسِبِينَ.

لا يُمْتَنَعُ مِنْ بَطْشِهِ ، وَلا يُنْتَصَرُ مِنْ عِقابِهِ ، وَلا يُحْتالُ لِكَيْدِهِ (١) ، وَلا يُدْرَكُ عِلْمُهُ ، وَلا يُدْرَءُ (٢) مُلْكُهُ ، وَلا يُقْهَرُ عِزُّهُ ، وَلا يُذَلُّ اسْتِكْبارُهُ ، وَلا يُبْلَغُ جَبَرُوتُهُ ، وَلا تَصْغُرُ عَظَمَتُهُ ، وَلا يَضْمَحِلُّ فَخْرُهُ ، وَلا يَتَضَعْضَعُ رُكْنُهُ ، وَلا تُرامُ قُوَّتُهُ ، الْمُحْصِي لِبَرِيَّتِهِ ، الْحافِظِ أَعْمالَ خَلْقِهِ.

لا ضِدَّ لَهُ وَلا نِدَّ (٣) لَهُ ، وَلا وَلَدَ لَهُ وَلا صاحِبَةَ لَهُ ، وَلا سَمِيَّ لَهُ وَلا كُفْوَ لَهُ ، وَلا قَرِيبَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ لَهُ وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ، وَلا يَبْلُغُ شَيْءٌ مَبْلَغَهُ ، وَلا يَقْدِرُ شَيْءٌ قُدْرَتَهُ ، وَلا يُدْرِكُ شَيْءٌ أَثَرَهُ ، وَلا يَنْزِلُ شَيْءٌ مَنْزِلَتَهُ ، وَلا يُدْرِكُ شَيْءٌ أَحْرَزَهُ ، وَلا يَحُولُ دُونَهُ شَيْءٌ.

بَنَى السَّماواتِ فَأَتْقَنَهُنَّ وَما فِيهِنَّ بِعَظَمَتِهِ ، وَدَبَّرَ أَمْرَهُ تَدْبِيراً فِيهِنَّ بِحِكْمَتِهِ ، وَكانَ كَما هُوَ أَهْلُهُ لا بِأَوَّلِيَّةٍ قَبْلَهُ ، وَكانَ كَما يَنْبَغِي لَهُ ، يَرى وَلا يُرى وَهُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلانِيَةَ.

وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ خافِيَةٌ ، وَلَيْسَ لِنَقِمَتِهِ واقِيَةٌ ، يَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى وَلا تُحَصِّنُ مِنْهُ الْقُصُورُ ، وَلا تُجِنُ (٤) مِنْهُ السُّتُورُ ، وَلا تَكِنُ (٥) مِنْهُ الْجُدُورُ ، وَلا تُوارِي مِنْهُ الْبُحُورُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

__________________

(١) كيده : مكره.

(٢) يدرأ : يدفع.

(٣) الندّ : النظير.

(٤) تجنّ : تستر.

(٥) تكنّ : تخفى.

١٠٤

يَعْلَمُ هَماهِمَ (١) الْأَنْفُسِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَوَساوِسَها وَنِيَّاتِ الْقُلُوبِ ، وَنُطْقَ الْأَلْسُنِ وَرَجْعَ الشِّفاهِ ، وَبَطْشَ الْأَيْدِي ، وَنَقْلَ الْأَقْدامِ ، وَخائِنَةَ الْأَعْيُنِ ، وَالسِّرَّ وَأَخْفى وَالنَّجْوى (٢) وَما تَحْتَ الثَّرى ، وَلا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ ، وَلا يُفَرِّطُ فِي شَيْءٍ ، وَلا يَنْسى شَيْئاً لِشَيْءٍ.

أَسْأَلُكَ يا مَنْ عَظُمَ صَفْحُهُ ، وَحَسُنَ صُنْعُهُ ، وَكَرُمَ عَفْوُهُ ، وَكَثُرَتْ نِعْمَتُهُ ، وَلا يُحْصى إِحْسانُهُ وَجَمِيلُ بَلائِهِ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَقْضِيَ حَوائِجِي الَّتِي أَفْضَيْتُ بِها إِلَيْكَ ، وَقُمْتُ بِها بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَأَنْزَلْتُها بِكَ ، وَشَكَوْتُها إِلَيْكَ ، مَعَ ما كانَ مِنْ تَفْرِيطِي فِيما أَمَرْتَنِي بِهِ ، وَتَقْصِيرِي فِيما نَهَيْتَنِي عَنْهُ.

يا نُورِي فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ ، وَيا انْسِي فِي كُلِّ وَحْشَةٍ ، وَيا ثِقَتِي فِي كُلِّ شَدِيدَةٍ ، وَيا رَجائِي فِي كُلِّ كُرْبَةٍ ، وَيا وَلِيِّي فِي كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَيا دَلِيلِي فِي الظُّلامِ ، أَنْتَ دَلِيلِي إِذَا انْقَطَعَتْ دِلالَةُ الْأَدِلاّءِ ، فَانَّ دِلالَتَكَ لا تَنْقَطِعُ ، لا يَضِلُّ مَنْ هَدَيْتَ وَلا يَذِلُّ مَنْ والَيْتَ.

أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَأَسْبَغْتَ (٣) ، وَرَزَقْتَنِي فَوَفَّرْتَ ، وَوَعَدْتَنِي فَأَحْسَنْتَ ، وَأَعْطَيْتَنِي فَأَجْزَلْتَ (٤) ، بِلَا اسْتِحْقاقٍ لِذلِكَ بِعَمَلٍ مِنِّي وَلكِنْ ابْتِداءً مِنْكَ بِكَرَمِكَ وَجُودِكَ ، فَأَنْفَقْتُ نِعْمَتَكَ فِي مَعاصِيكَ ، وَتَقَوَّيْتُ بِرِزْقِكَ عَلى سَخَطِكَ ، وَأَفْنَيْتُ عُمْرِي فِيما لا تُحِبُّ ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ جُرْأَتِي عَلَيْكَ ، وَرُكُوبِي ما نَهَيْتَنِي عَنْهُ ، وَدُخُولِي فِيما حَرَّمْتَ عَلَيَّ أَنْ عُدْتُ فِي مَعاصِيكَ.

فَأَنْتَ الْعائِدُ بِالْفَضْلِ ، وَأَنَا الْعائِدُ فِي الْمَعاصِي ، وَأَنْتَ يا سَيِّدِي خَيْرُ الْمَوالِي لِعَبِيدِةِ ، وَأَنَا شَرُّ الْعَبِيدِ ، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي ، وَأَسْأَلُكَ فَتُعْطِينِي ،

__________________

(١) الهماهم : الخفايا.

(٢) النجوى : اسرار الحديث.

(٣) أسبغت : وسعت.

(٤) أجزلت : أكثرت.

١٠٥

وَأَسْكَتُّ عَنْكَ فَتَبْتَدِئُنِي ، وَأَسْتَزِيدُكَ فَتَزِيدُنِي ، فَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنَا لَكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ.

أَنَا الَّذِي لَمْ أَزَلْ أُسِيءُ وَتَغْفِرُ ، وَلَمْ أَتَعَرَّضُ لِلْبَلاءِ وَتُعافِينِي ، وَلَمْ ازَلْ أَتَعَرَّضُ لِلْهَلَكَةِ وَتُنْجِينِي ، وَلَمْ أَزَلْ أَضِيعُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ فِي تَقَلُّبِي (١) فَتَحْفِظُنِي ، فَرَفَعْتَ خَسِيسَتِي ، وَأَقَلْتَ عَثْرَتِي (٢) وَسَتَرْتَ عَوْرَتِي ، وَلَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي ، وَلَمْ تُنَكِّسْ بِرَأْسِي عِنْدَ إِخْوانِي ، بَلْ سَتَرْتَ عَلَيَّ الْقَبائِحَ الْعِظامَ ، وَالْفَضائِحَ الْكِبارَ ، وَأَظْهَرْتَ حَسَناتِيَ الْقَلِيلَةَ الصِّغارَ ، مَنّاً مِنْكَ عَلَيَّ ، وَتَفَضُّلاً وَإِحْساناً ، وَإنْعاماً وَاصْطِناعاً.

ثُمَّ أَمَرْتَنِي فَلم أَئْتَمِرْ (٣) ، وَزَجَرْتَنِي فَلَمْ أَنْزَجِرْ ، وَلَمْ أَشْكُرْ نِعْمَتَكَ ، وَلَمْ أَقْبَلْ نَصِيحَتَكَ. وَلَمْ أُؤَدِّ حَقَّكَ ، وَلَمْ أَتْرُكْ مَعاصِيكَ ، بَلْ عَصَيْتُكَ بِعَيْنِي وَلَوْ شِئْتَ أَعْمَيْتَنِي ، فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِسَمْعِي وَلَوْ شِئْتَ أَصْمَمْتَنِي ، فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِيَدِي ، وَلَوْ شِئْتَ لَكَنَعْتَنِي (٤) فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِرِجْلِي وَلَوْ شِئْتَ جَذَمْتَنِي (٥) فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِفَرْجِي وَلَوْ شِئْتَ لَعَقَمْتَنِي فَلَمْ تَفْعَلْ ذلِكَ بِي ، وَعَصَيْتُكَ بِجَمِيعِ جَوارِحِي وَلَمْ يَكُ هذا جَزاؤُكَ مِنِّي ، فَعَفْوَكَ عَفْوَكَ.

فَها أَنَا ذا عَبْدُكَ الْمُقِرُّ بِذَنْبِي ، الْخاشِعُ بِذُلِّي ، الْمُسْتَكِينُ لَكَ بِجُرْمِي ، مُقِرٌّ لَكَ بِجِنايَتِي ، مُتَضَرِّعٌ إِلَيْكَ ، راجٍ لَكَ فِي مَوْقِفِي هذا ، تائِبٌ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي وَمِنْ اقْتِرافِي (٦) ، وَمُسْتَغْفِرٌ لَكَ مِنْ ظُلْمِي لِنَفْسِي ، راغِبٌ إِلَيْكَ فِي فَكاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، وَمُبْتَهِلٌ إِلَيْكَ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْمَعاصِي.

__________________

(١) تقلّبي : انتقالي وتحولي.

(٢) عثرتي : غفرت خطيئتي.

(٣) أئتمر : امتثل.

(٤) كنعتني : قطعت أو شللت يدي.

(٥) جذمتني : قطعت رجلي.

(٦) الاقتراف : الاكتساب.

١٠٦

طالِبٌ إِلَيْكَ أَنْ تُنْجِحَ لِي حَوائِجِي ، وَتُعْطِينِي فَوْقَ رَغْبَتِي ، وَأَنْ تَسْمَعَ نِدائِي ، وَتَسْتَجِيبَ دُعائِي ، وَتَرْحَمَ تَضَرُّعِي وَشَكْوايَ ، وَكَذلِكَ الْعَبْدُ الْخاطِئُ يَخْضَعُ لِسَيِّدِهِ ، وَيَخْشَعُ لِمَوْلاهُ بِالذُّلِّ.

يا أَكْرَمَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ كُلٌّ بِالذُّنُوبِ ، وَأَكْرَمَ مَنْ خُضِعَ لَهُ وَخُشِعَ ، ما أَنْتَ صانِعٌ بِمُقِرٍّ لَكَ بِذَنْبِهِ ، خاضِعٍ لَكَ بِذُلِّهِ ، فَانْ كانَتْ ذُنُوبِي قَدْ حالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ تُقْبِلَ عَلَيَّ بِوَجْهِكَ ، وَتَنْشُرَ عَلَيَّ رَحْمَتَكَ ، وَتُنْزِلَ عَلَيَّ شَيْئاً مِنْ بَرَكاتِكَ ، وَتَرْفَعَ لِي إِلَيْكَ صَوْتاً أَوْ تَغْفِرَ لِي ذَنْباً ، أَوْ تَتَجاوَزَ عَنْ خَطِيئَةٍ (١).

فَها أَنَا ذا عَبْدُكَ مُسْتَجِيراً بِكَرَمِ وَجْهِكَ ، وَعِزِّ جَلالِكَ ، وَمُتَوَجِّهاً إِلَيْكَ ، وَمُتَوَسِّلاً إِلَيْكَ ، وَمُتَقَرِّباً إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ وَأَكْرَمِهِمْ لَدَيْكَ ، وَأَوْلاهُمْ بِكَ ، وَأَطْوَعِهِمْ لَكَ ، وَأَعْظَمِهِمْ مِنْكَ مَنْزِلَةً ، وَعِنْدَكَ مَكاناً ، وَبِعِتْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ الْهُداةِ الْمَهْدِيِّينَ ، الَّذِينَ افْتَرَضْتَ طاعَتَهُمْ ، وَأَمَرْتَ بِمَوَدَّتِهِمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ وُلاةَ الْأَمْرِ بَعْدَ نَبِيِّكَ.

يا مُذِلَّ كُلِّ جَبَّارٍ ، وَيا مُعِزَّ كُلِّ ذَلِيلٍ ، قَدْ بَلَغَ مَجْهُودِي ، فَهَب لِي نَفْسِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ بِرَحْمَتِكَ.

اللهُمَّ لا قُوَّةَ لِي عَلى سَخَطِكَ ، وَلا صَبْرَ لِي عَلى عَذابِكَ ، وَلا غِناً بِي عَنْ رَحْمَتِكَ ، تَجِدُ مَنْ تُعَذِّبُ غَيْرِي ، وَلا أَجِدُ مَنْ يَرْحَمُنِي غَيْرُكَ ، وَلا قُوَّةَ لِي عَلَى الْبَلاءِ وَلا طاقَةَ لِي عَلَى الْجُهْدِ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَبِآلِةِ الطَّاهِرِينَ ، وَأَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِسِرِّكَ ، وَأَطْلَعْتَهُمْ عَلى وَحْيِكَ (٢) ، وَاخْتَرْتَهُمْ بِعِلْمِكَ ، وَطَهَّرْتَهُمْ وَخَلَّصْتَهُمْ ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ وَصَفَّيْتَهُمْ ، وَجَعَلْتَهُمْ هُداةً مَهْدِيِّينَ ، وَائْتَمَنْتَهُمْ عَلى وَحْيِكَ ، وَعَصَمْتَهُمْ عَنْ مَعاصِيكَ ، وَرَضَيْتَهُمْ لِخَلْقِكَ ، وَخَصَصْتَهُمْ بِعِلْمِكَ ، وَاجْتَبَيْتَهُمْ وَحَبَوْتَهُمْ وَجَعَلْتَهُمْ حُجَجاً عَلى خَلْقِكَ ،

__________________

(١) خطيئته ( خ ل ).

(٢) في المصباح : خفيك.

١٠٧

وَأَمَرْتَ بِطاعَتِهِمْ وَلَمْ تُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَتِهِمْ ، وَفَرَضْتَ طاعَتَهُمْ عَلى مَنْ بَرَأْتَ (١) ، وَأَتَوَسَّلُ بِهِمْ إِلَيْكَ فِي مَوْقِفِي الْيَوْمَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ خِيارِ وِفْدِكَ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارْحَمْ صُراخِي وَاعْتِرافِي بِذَنْبِي وَتَضَرُّعِي وَارْحَمْ طَرْحِي رَحْلِي بِفِنائِكَ ، وَارْحَمْ مَسِيرِي إِلَيْكَ ، يا أَكْرَمَ مَنْ سُئِلَ ، يا عَظِيماً يُرْجى لِكُلِّ عَظِيمٍ ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِيَ الْعَظِيمَ ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الْعَظِيمَ إِلاَّ الْعَظِيمُ.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، يا رَبَّ الْمُؤْمِنِينَ ، لا تَقْطَعْ رَجائِي ، يا مَنّانُ مُنَّ عَلَيَّ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا مَنْ لا يَخِيبُ سائِلَهُ لا تَرُدَّنِي ، يا عَفُوُّ اعْفُ عَنِّي ، يا تَوَّابُ تُبْ عَلَيَّ ، وَاقْبَلْ تَوْبَتِي يا مَوْلايَ ، حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي ، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي ، فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.

اللهُمَّ بَلِّغْ رُوحَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَنِّي تَحِيَّةً وَسَلاماً ، وَبِهِمُ الْيَوْمَ فَاسْتَنْقِذْنِي ، يا مَنْ أَمَرَ بِالْعَفْوِ ، يا مَنْ يُجْزِي عَلَى الْعَفْوِ ، يا مَنْ يَعْفُو ، يا مَنْ رَضِيَ بِالْعَفْوِ ، يا مَنْ يُثِيبُ عَلَى الْعَفْوِ ، الْعَفْوَ الْعَفْوَ ـ يقولها عشرين مرة ـ أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ الْعَفْوَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ.

هذا مَكانُ الْبائِسِ الْفَقِيرِ ، هذا مَكانُ الْمُضْطَرِّ إِلى رَحْمَتِكَ ، هذا مَكانُ الْمُسْتَجِيرِ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، هذا مَكانُ الْعائِذِ بِكَ مِنْكَ ، أَعُوذُ بِرِضاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَمِنْ فُجْأَةِ نِقْمَتِكَ ، يا أَمَلِي يا رَجائِي يا خَيْرَ مُسْتَغاثٍ ، يا أَجْوَدَ الْمُعْطِينَ ، يا مَنْ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ.

يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، وَرَجائِي وَثِقَتِي وَمُعْتَمَدِي ، وَيا ذُخْرِي وَظَهْرِي وَعُدَّتِي ، وَغايَةَ أَمَلِي وَرَغْبَتِي ، يا غِياثِي يا وارِثِي ، ما أَنْتَ صانِعٌ بِي فِي هذا الْيَوْمِ الَّذِي فَزعْتُ فِيهِ إِلَيْكَ ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْأَصْواتُ.

__________________

(١) برأت : خلقت.

١٠٨

أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَقْلِبَنِي (١) فِيهِ مُفْلِحاً مُنْجِحاً بِأَفْضَلِ ما انْقَلَبَ بِهِ مِنْ رَضِيتَ عَنْهُ ، وَاسْتَجَبْتَ دُعاءَهُ وَقَبِلْتَهُ ، وَأَجْزَلْتَ حَباهُ (٢) وَغَفَرْتَ ذُنُوبَهُ وَأَكْرَمْتَهُ وَلَمْ تَسْتَبْدِلْ بِهِ سِواهُ ، وَشَرَّفْتَ مَقامَهُ وَباهَيْتَ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَقَلَبْتَهُ بِكُلِّ حَوائِجِهِ ، وَأَحْيَيْتَهُ بَعْدَ الْمَماتِ حَياةً طَيِّبَةً ، وَخَتَمْتَ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَأَلْحَقْتَهُ بِمَنْ تَوَلاّهُ.

اللهُمَّ إِنَّ لِكُلِّ وافِدٍ جائِزَةٌ وَلِكُلِّ زائِرٍ كَرامَةٌ ، وَلِكُلِّ سائِلٍ لَكَ عَطِيَّةٌ ، وَلِكُلِّ راجٍ لَكَ ثَواباً ، وَلِكُلِّ مُلْتَمِسٍ ما عِنْدَكَ جَزاءٌ ، وَلِكُلِّ راغِبٍ إِلَيْكَ هِبَةٌ ، وَلِكُلِّ مَنْ فَزَعَ إِلَيْكَ رَحْمَةً ، وَلِكُلِّ مَنْ رَغِبَ الَيْكَ (٣) زُلْفى ، وَلِكُلِّ مُتَضَرِّعٍ إِلَيْكَ إِجابَةٌ ، وَلِكُلِّ مُسْتَكِينٍ إِلَيْكَ رَأْفَةٌ ، وَلِكُلِّ نازِلٍ بِكَ حِفْظاً ، وَلِكُلِّ مُتَوَسِّلٍ الَيْكَ عَفْواً.

وَقَدْ وَفَدْتُ إِلَيْكَ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ فِي هذا الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَّفْتَهُ رَجاءً لِما عِنْدَكَ ، فَلا تَجْعَلْنِي الْيَوْمَ أَخْيَبَ وَفْدِكَ ، وَأَكْرِمْنِي بِالْجَنَّةِ ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَجَمِّلْنِي بِالْعافِيَةِ ، وَأَجِرْنِي مِنَ النَّارِ ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ الطَّيِّبِ ، وَادْرَءْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَشَرَّ شَياطِينِ الانْسِ وَالْجِنِّ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَرُدَّنِي خائِباً ، وَسَلِّمْنِي ما بَيْنِي وَبَيْنَ لِقائِكَ حَتّى تُبَلِّغَنِي الدَّرَجَةَ الَّتِي فِيها مُرافَقَةَ أَوْلِيائِكَ ، وَاسْقِنِي مِنْ حَوْضِهِمْ مَشْرَباً رَوِيّاً لا أَظْمَأُ بَعْدَهُ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ ، وَتَوَفَّنِي فِي حِزْبِهِمْ ، وَعَرِّفْنِي وُجُوهَهُمْ فِي رِضْوانِكَ وَالْجَنَّةَ ، فَانِّي رَضِيتُ بِهِمْ هُداةً.

يا كافِيَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْفِنِي شَرَّ ما أَحْذَرُ ، وَشَرَّ ما لا أَحْذَرُ ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى أَحَدٍ سِواكَ ، وَبارِكْ لِي

__________________

(١) ان تقلبني : أن ترجعني.

(٢) أجزلت حباءه : كثرت عطاءه.

(٣) في البحار : فيك.

١٠٩

فِيما رَزَقْتَنِي ، وَلا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي ، وَلا تَكِلْنِي إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَلا إِلى رَأْيِي فَيُعْجِزُنِي ، وَلا إِلَى الدُّنْيا فَتَلْفِظُنِي (١) ، وَلا إِلى قَرِيبٍ وَلا بَعِيدٍ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِالصُّنْعِ لِي يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ.

اللهُمَّ أَنْتَ أَنْتَ انْقَطَعَ الرَّجاءُ إِلاَّ مِنْكَ ، فِي هذا الْيَوْمِ تَطَوَّلْ عَلَيَّ فِيهِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، اللهُمَّ رَبَّ هذِهِ الْأَمْكنَةِ الشَّرِيفَةِ ، وَرَبَّ كُلِّ حَرَمٍ وَمَشْعَرٍ (٢) عَظَّمْتَ قَدْرَهُ ، وَشَرَّفْتَهُ وَبِالْبَيْتِ الْحَرامِ ، وَبِالْحِلِّ وَالْحَرامِ ، وَالرُّكْنِ وَالْمَقامِ.

صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْجِحْ [ لِي ] (٣) كُلَّ حاجَةٍ مِمَّا فِيهِ صَلاحُ دِينِي وَدُنْيايَ وَآخِرَتِي ، وَاغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ وَلَدَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ، وَاجْزِهِما عَنِّي خَيْرَ الْجَزاءِ ، وَعَرِّفْهُما بِدُعائِي لَهُما ما تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُما ، فَإِنَّهُما قَدْ سَبَقانِي إِلَى الْغايَةِ ، وَخَلَقْتَنِي بَعْدَهُما ، فَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي وَفِيهِما وَفِي جَمِيعِ أَسْلافِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هذا الْيَوْمِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَفَرِّجْ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، وَانْصُرْهُمْ وَانْتَصِرْ بِهِمْ ، وَأَنْجِزْ لَهُمْ ما وَعَدْتَهُمْ ، وَبَلِّغْنِي فَتْحَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكْفِنِي كُلَّ هَوْلٍ دُونَهُ ، ثُمَّ اقْسِمِ اللهُمَّ لِي فِيهِمْ نَصِيباً خالِصاً ، يا مُقَدِّرَ الآجالِ ، يا مُقَسِّمَ الْأَرْزاقِ ، افْسَحْ لِي فِي عُمْرِي ، وَابْسُطْ لِي فِي رِزْقِي.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَصْلِحْ لَنَا إِمامَنا وَاسْتَصْلِحْهُ ، وَأَصْلِحْ عَلى يَدَيْهِ ، وَآمِنْ خَوْفَهُ وَخَوْفَنا عَلَيْهِ ، وَاجْعَلْهُ اللهُمَّ الَّذِي تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ.

اللهُمَّ امْلَأِ الْأَرْضَ بِهِ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً ، وَامْنُنْ بِهِ عَلى فُقَراءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرامِلِهِمْ وَمَساكِينَهُمْ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ خِيارِ مَوالِيهِ

__________________

(١) تلفظني : ترميني.

(٢) المشعر : كل موضع مقدّس ، ومنه المزدلفة.

(٣) من البحار والصحيفة.

١١٠

وَشِيعَتِهِ ، أَشَدِّهِمْ لَهُ حُبّاً وَأَطْوَعِهِمْ لَهُ طَوْعاً ، وَأَنْفَذِهِمْ لِأَمْرِهِ ، وَأَسْرَعِهِمْ إِلى مَرْضاتِهِ ، وَأَقْبَلِهِمْ لِقَوْلِهِ ، وَأَقْوَمِهِمْ بِأَمْرِهِ ، وَارْزُقْنِي الشَّهادَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتّى أَلْقاكَ وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ.

اللهُمَّ إِنِّي خَلَّفْتُ الْأَهْلَ وَالْوَلَدَ وَما خَوَّلْتَنِي (١) وَخَرَجْتُ إِلَيْكَ وَوَكَّلْتُ ما خَلَّفْتُ إِلَيْكَ فَأَحْسِنْ عَلَيَّ فِيهِمُ الْخَلَفَ ، فَإِنَّكَ وَلِيٌّ ذلِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَما فِيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢).

ومن هذا الموضع زيادة ليس من هذا الفصل وهو مضاف إليه :

اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ ، وَأَجَلِي بِعِلْمِكَ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنِي لِما يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَأَنْ تُسَلِّمَ لِي مَناسِكِي الَّتِي أَرَيْتَها إِبْراهِيمَ خَلِيلَكَ ، وَدَلَلْتَ عَلَيْها نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَواتُكَ عَلَيْهِما ، اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيتَ عَمَلَهُ ، وَأَطَلْتَ عُمْرَهُ ، وَأَحْيَيْتَهُ بَعْدَ الْمَماتِ حَياةً طَيِّبَةً.

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى نَعْمائِهِ الَّتِي لا تُحْصى بِعَدَدٍ ، وَلا تُكافَؤُ بِعَمَلٍ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَلَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَفَضَّلَنِي عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي وَلَمْ أَكُ أَمْلِكُ شَيْئاً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى رَحْمَتِهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ

__________________

(١) خوّلتني : ملكتني.

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٢٢٨ ، رواه إلى هنا المفيد في مزاره : ١٣٤ ، مصباح المتهجد : ٦٨٩ ، عنه البلد الأمين : ٢٤٥ ، مصباح الكفعمي : ٦٦٣ ، الصحيفة السجادية الجامعة : ٣٣٧ ، الدعاء : ١٤٩.

١١١

لِرِسالاتِكَ (١) ، وَاجْعَلْهُ اللهُمَّ أَوَّلَ شافِعٍ وَأَوَّلَ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلَ قائِلٍ وَأَنْجَحَ سائِلٍ ، إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ ، وَتَجْبُرُ الْكَسِيرَ ، وَلَيْسَ فَوْقَكَ أَمِيرٌ ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، يا عِصْمَةَ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ.

أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ ما سَأَلَكَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ كَرِيمِ أَسْمائِكَ وَجَمِيلِ ثَنائِكَ وَخاصَّةِ آلائِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَ عَشِيَّتِي هذِهِ أَعْظَمَ عَشِيَّةٍ مَرَّتْ عَلَيَّ مُنْذُ أَنْزَلْتَنِي إِلى الدُّنْيا بَرَكَةً فِي عِصْمَةِ دِينِي وَخَلاصِ نَفْسِي وَقَضاءِ حاجَتِي ، وَتَشْفِيعِي فِي مَسائِلِي وَإتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ ، وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي وَلِباسِ الْعافِيَةِ لِي ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ بِرَحْمَتِكَ ، إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَجْعَلْ هذِهِ الْعَشِيَّة آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي ، حَتّى تُبَلِّغَنِيها مِنْ قابِلٍ مَعَ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ ، وَالزُّوَّارِ لِقَبْرِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ فِي أَعْفى عافِيَتِكَ ، وَأَعَمِّ نِعْمَتِكَ ، وَأَوْسَعِ رَحْمَتِكَ ، وَأَجْزَلِ قِسَمِكَ ، وَأَوْسَعِ رِزْقِكَ ، وَأَفْضَلِ الرَّجاءِ ، وَأَنَا لَكَ عَلى أَحْسَنِ الْوَفاءِ ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْمَعْ دُعائِي ، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَتَذَلُّلِي وَاسْتِكانَتِي وَتَوَكُّلِي فَانِّي لَكَ سِلْمٌ لا أَرْجُو نَجاحاً وَلا مُعافاةً وَلا تَشْرِيفاً إِلاَّ بِكَ وَمِنْكَ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِتَبْلِيغِي هذِهِ الْعَشِيَّةَ مِنْ قابِلٍ وَأَنَا مُعافىً مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَمَحْذُورٍ ، مِنْ جَمِيعِ الْبَوائِق (٢) وَأَعِنِّي عَلى طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ وَأَوْلِيائِكَ الَّذِينَ اصْطَفَيْتَهُمْ مِنْ خَلْقِكَ (٣).

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَسَلِّمْنِي فِي دِينِي وَامْدُدْ لِي فِي

__________________

(١) لرسالتك ( خ ل ).

(٢) البائقة : الداهية.

(٣) نحلقك ( خ ل ).

١١٢

عُمْرِي وَأَصِحَّ جِسْمِي ، يا مَنْ رَحِمَنِي وَأَعْطانِي سُؤْلِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَتَمِّمْ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ فِيما بَقِيَ مِنْ أَجَلِي حَتّى تَتَوفّانِي وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ ، وَلا تُخْرِجْنِي مِنْ مِلَّةِ الإِسْلامِ ، فَانِّي اعْتَصَمْتُ بِحَبْلِكَ فَلا تَكِلْنِي إِلى غَيْرِكَ ، وَعَلِّمْنِي ما يَنْفَعُنِي ، وَامْلأْ قَلْبِي عِلْماً وَخَوْفاً مِنْ سَطَواتِكَ وَنَقِماتِكَ.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إِلَيْكَ الْمُشْفِقِ مِنْ عَذابِكَ ، الْخائِفِ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَحَنَّنْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ وَأَنْ تَجُودَ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ وَتُؤَدِّيَ عَنِّي فَرِيضَتَكَ ، وَتُغْنِينِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ ، وَأَنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (١).

ومن أدعية يوم عرفة دعاء لمولانا زين العابدين صلوات الله عليه ، وهو دعاء اشتمل على المعاني الرَّبانيّة وأدب العبودية مع الجلالة الإلهيّة :

اللهُمَّ إِنَّ مَلائِكَتَكَ مُشْفِقُونَ (٢) مِنْ خَشْيَتِكَ ، سامِعُونَ مُطِيعُونَ لَكَ وَهُمْ بِأَمْرِكَ يَعْمَلُونَ ، لا يَفْتَرُونَ (٣) اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يُسَبِّحُونَ ، وَأَنَا أَحَقُّ بِالْخَوْفِ الدَّائِمِ لِاساءَتِي عَلى نَفْسِي ، وَتَفْرِيطِها إِلَى اقْتِرابِ أَجَلِي ، فَكَمْ لِي يا رَبِّ مِنْ ذَنْبٍ أَنَا فِيهِ مَغْرُورٌ مُتَحَيِّرٌ.

اللهُمَّ إِنِّي قَدْ أَكْثَرْتُ عَلى نَفْسِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالإِساءَةِ وَأَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنَ الْمُعافاةِ ، سَتَرْتَ عَلَيَّ وَلَمْ تَفْضَحْنِي بِما أَحْسَنْتَ لِيَ النَّظَرَ وَأَقَلْتَنِي الْعَثْرَةَ ، وَأَخافُ أَنْ أَكُونَ فِيها مُسْتَدْرجاً ، فَقَدْ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَسْتَحْيِي مِنْ كَثْرَةِ مَعاصِيَّ ، ثُمَّ لَمْ تَهْتِكْ لِي سِرّاً ، وَلَمْ تُبْدِ لِي عَوْرَةً ، وَلَمْ تَقْطَعْ عَنِّي الرِّزْقَ ، وَلَمْ تُسَلِّطْ عَلَيَّ جَبَّاراً ، وَلَمْ تَكْشِفْ عَنِّي غِطاءً مُجازاةً لِذُنُوبِي ، تَرَكْتَنِي كَأَنِّي

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٢٣٤.

(٢) مشفقون : خائفون.

(٣) لا يفترون : لا يسكنون.

١١٣

لا ذَنْبَ لِي ، كَفَفْتَ (١) عَنْ خَطِيئَتِي وَزَكَّيْتَنِي بِما لَيْسَ فِيَّ ، أَنَا الْمُقِرُّ عَلى نَفْسِي بِما جَنَتْ عَلَيَّ يَدايَ ، وَمَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلايَ ، وَباشَرَ جَسَدِي وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنايَ وَسَمِعَتْهُ أُذُنايَ ، وَعَمِلَتْهُ جَوارِحِي ، وَنَطَقَ بِهِ لِسانِي ، وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبِي.

فَأَنَا الْمُسْتَوْجِبُ يا إِلهِي زَوالَ نِعْمَتِكَ ، وَمُفاجاةَ نِقْمَتِكَ وَتَحْلِيلَ عُقُوبَتِكَ ، لِمَا اجْتَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ مَعاصِيكَ ، وَضَيَّعْتَ مِنْ حُقُوقِكَ ، أَنَا صاحِبُ الذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ (٢) الَّتِي لا تُحْصى عَدَدُها ، وَصاحِبُ الْجُرْمِ الْعَظِيمِ ، أَنَا الَّذِي أَحْلَلْتُ الْعُقُوبَةَ بِنَفْسِي وَأَوْبَقْتُها (٣) بِالْمَعاصِي جُهْدِي وَطاقَتِي وَعَرَّضْتُها لِلْمَهالِكَ بِكُلِّ قُوَّتِي.

إِلهِي (٤) أَنَا الَّذِي لَمْ أَشْكُرْ نِعَمَكَ عِنْدَ مَعاصِيِّ إِيَّاكَ وَلَمْ أَدَعْها عِنْدَ حُلُولِ الْبَلِيَّةِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ الْهَوى وَلَمْ اراقِبْكَ ، يا إِلهِي أَنَا الَّذِي لَمْ أَعْقِلْ عِنْدَ الذُّنُوبِ نَهْيَكَ ، وَلَمْ اراقِبْ عِنْدَ اللَّذَّاتِ زَجْرَكَ (٥) ، وَلَمْ أَقْبَلْ عِنْدَ الشَّهْوَةِ نَصِيحَتَكَ ، وَرَكِبْتُ الْجَهْلَ بَعْدَ الْحِلْمِ ، وَغَدَوْتُ (٦) إِلَى الظُّلْمِ بَعْدَ الْعِلْمِ.

اللهُمَّ فَكَما حَلُمْتَ عَنِّي فِيمَا اجْتَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ مَعاصِيكَ ، وَعَرَفْتَ تَضْييعِي حَقَّكَ ، وَضَعْفِي عَنْ شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، وَرُكُوبِي مَعْصِيَتَكَ ، اللهُمَّ إِنِّي لَسْتُ ذا عُذْرٍ فَأَعْتَذِرُ وَلا ذا حِيلَةٍ فَأَنْتَصِرُ.

اللهُمَّ قَدْ أَسَأْتُ وَظَلَمْتُ ، وَبِئْسَ ما صَنَعْتُ ، عَمِلْتُ سُوءً لَمْ تَضُرُّكَ ذُنُوبِي ، فَأَسْتَغْفِرُكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، سُبْحانَكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.

اللهُمَّ إِنَّكَ تَجِدُ مَنْ تُعَذِّبُهُ غَيْرِي وَلا أَجِدُ مَنْ يَرْحَمُنِي سِواكَ ، اللهُمَّ فَلَوْ

__________________

(١) كففت : انصرفت.

(٢) الكثيرة ( خ ل ).

(٣) أوبقتها : أهلكتها.

(٤) اللهم ( خ ل ).

(٥) زجرك : منعك.

(٦) غدوت : ذهبت وانطلقت.

١١٤

كانَ لِي مَهْرَبٌ لَهَرَبْتُ ، وَلَوْ كانَ لِي مَصْعَدٌ فِي السَّماءِ أَوْ مَسْلَكٌ فِي الْأَرْضِ لَسَلَكْتُ ، وَلكِنَّهُ لا مَهْرَبَ لِي وَلا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا وَلا مَأْوى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ.

اللهُمَّ إِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَهْلُ ذلِكَ أَنَا وَإِنْ تَرْحَمْنِي فَأَهْلُ ذلِكَ أَنْتَ ، بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ وَوَحْدانِيَّتِكَ وَجَلالِكَ وَكِبْرِيائِكَ وَعَظَمَتِكَ وَسُلْطانِكَ ، فَقَدِيماً ما مَنَنْتَ عَلى أَوْلِيائِكَ وَمُسْتَحِقِّي عُقُوبَتِكَ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ ، سَيِّدِي عافِيَةَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ عافِيَتَكَ ، وَعَفْوَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ عَفْوَكَ ، وَرَحْمَةَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ رَحْمَتَكَ ، وَمَغْفِرَةَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ مَغْفِرَتَكَ ، وَرِزْقَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ رِزْقَكَ ، وَفَضْلَ مَنْ أَرْجُو إِذا لَمْ أَرْجُ فَضْلَكَ.

سَيِّدِي أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنَ النِّعَمِ وَأَقْلَلْتَ لَكَ مِنَ الشُّكْرِ ، فَكَمْ لَكَ عِنْدِي مِنْ نِعْمَةٍ لَا يُحْصِيها أَحَدٌ غَيْرُكَ ، مَا أَحْسَنَ بَلاءَكَ (١) عِنْدِي ، وَأَحْسَنَ فِعالَكَ ، نادَيْتُكَ مُسْتَغِيثاً مُسْتَصْرِخاً فَأَغَثْتَنِي ، وَسَأَلْتُكَ عائِلاً (٢) فَأَغْنَيْتَنِي ، وَنَأَيْتُ (٣) فَكُنْتَ قَرِيباً مُجِيباً ، وَاسْتَعَنْتُ بِكَ مُضْطَرّاً فَأَعَنْتَنِي وَوَسَّعْتَ عَلَيَّ ، وَهَتَفْتُ إِلَيْكَ فِي مَرَضِي فَكَشَفْتَهُ عَنِّي ، وَانْتَصَرْتُ بِكَ فِي رَفْعِ الْبَلاءِ.

فَوَجَدْتُكَ يا مَوْلايَ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ، وَكَيْفَ لا أَشْكُرُكَ ، يا إِلهِي أَطْلَقْتَ لِسانِي بِذِكْرِكَ رَحْمَةً لِي مِنْكَ ، وَأَضَأْتَ لِي بَصَرِي بِلُطْفِكَ حُجَّةً مِنْكَ عَلَيَّ ، وَسَمِعَتْ أُذُنايَ بِقُدْرَتِكَ نَظَراً مِنْكَ ، وَدَلَلْتَ عَقْلِي عَلى تَوْبِيخِ (٤) نَفْسِي.

إِلَيْكَ أَشْكُو ذُنُوبِي فَإِنَّها لا مَجْرى لِبَثِّها (٥) إِلاَّ إِلَيْكَ ، فَفَرِّجْ عَنِّي ما ضاقَ بِهِ صَدْرِي ، وَخَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ ما أَخافُ عَلى نَفْسِي ، مِنْ أَمْرِ دِينِي وَدُنْيايَ

__________________

(١) بلاءك : إحسانك وإنعامك.

(٢) عائلا : فقيرا.

(٣) نأيت : بعدت.

(٤) التوبيخ : اللوم.

(٥) لبثّها : لإذاعتها ونشرها.

١١٥

وَأَهْلِي وَمالِي ، فَقَدِ اسْتَصْعَبَ عَلَيَّ شَأْنِي ، وَشَتَّتَ عَلَيَّ أَمْرِي وَقَدْ أَشْرَفَتْ عَلى هَلَكَتِي نَفْسِي ، وَإِذا تَدارَكَتْنِي مِنْكَ بِرَحْمَةٍ تُنْقِذُنِي بِها ، فَمَنْ لِي بَعْدَكَ يا مَوْلايَ.

أَنْتَ الْكَرِيمُ الْعَوَّادُ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَأَنَا اللَّئِيمُ الْعَوَّادُ بِالْمَعاصِي ، فَاحْلُمْ يا حَلِيمُ عَنْ جَهْلِي وَأَقِلْنِي يا مُقِيلَ عَثْرَتِي ، وَتَقَبَّلْ يا رَحِيمُ تَوْبَتِي ، سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، لا بُدَّ مِنْ لِقائِكَ عَلى كُلِّ حالٍ.

وَكَيْفَ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ عَنْ رَبِّهِ ، وَكَيْفَ يَسْتَغْنِي الْمُذْنِبُ عَمَّنْ يَمْلِكُ عُقُوبَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ ، سَيِّدِي لَمْ أَزْدَدْ إِلَيْكَ إِلاَّ فَقْراً ، وَلَمْ تَزْدَدْ عَنِّي إِلاَّ غِنًى ، وَلَمْ تَزْدَدْ ذُنُوبِي إِلاَّ كَثْرَةً ، وَلَمْ يَزْدَدْ عَفْوُكَ إِلاّ سَعَةً.

سَيِّدِي ، ارْحَمْ تَضَرُّعِي إِلَيْكَ وَانْتِصابِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَطَلَبِي ما لَدَيْكَ ، تَوْبَةً فِيما بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، سَيِّدِي مُتَعَوِّذاً بِكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ بائِساً فَقِيراً تائِباً ، غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ ، وَلا مُسْتَسْخِطٍ (١) ، بَلْ مُسْتَسْلِمٍ لِأَمْرِكَ راضٍ بِقَضائِكَ ، لا آيِسٌ مِنْ رَوْحِكَ (٢) ، وَلا آمِنٌ مِنْ مَكْرِكَ وَلا قانِطٌ مِنْ رَحْمَتِكَ ، سَيِّدِي بَلْ مُشْفِقٌ (٣) مِنْ عَذابِكَ ، راجٍ لِرَحْمَتِكَ ، لِعِلْمِي بِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ ، فَإِنَّهُ لَنْ يُجِيرَنِي (٤) مِنْكَ أَحَدٌ وَلا أَجِدُ مِنْ دُونِكَ مُلْتَحَداً (٥).

اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ تُحْسِنَ فِي رامِقَةِ (٦) الْعُيُونِ عَلانِيَتِي ، وَتَفْتَحَ فِيما أَخْلُو لَكَ سَرِيرَتِي ، مُحافِظاً عَلى رِئاءِ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي ، مُضَيِّعاً ما أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي فَابْدِئُ لَكَ بِأَحْسَنِ أَمْرِي ، وَأَخْلُو لَكَ بِشَرِّ فِعْلِي تَقَرُّباً إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِحَسَناتِي ، وَفِراراً مِنْهُمْ إِلَيْكَ بِسَيِّئَاتِي ، حَتّى كَأَنَّ الثَّوابَ لَيْسَ

__________________

(١) مستسخط : كاره.

(٢) روحك : رحمتك.

(٣) مشفق : خائف حذر.

(٤) يجيرني : ينقذني.

(٥) ملتحدا : ملجأ.

(٦) وامقة ( خ ل ) ، أقول : رمقه بعينه : أطال النظر إليه.

١١٦

مِنْكَ ، وَكَأَنَّ الْعِقابَ لَيْسَ إِلَيْكَ ، قَسْوَةً مِنْ مَخافَتِكَ مِنْ قَلْبِي وَزَلَلاً عَنْ قُدْرَتِكَ مِنْ جَهْلِي فَيَحِلُّ بِي غَضَبَكَ وَيَنالُنِي مَقْتُكَ فَأَعِذْنِي مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ ، وَقِنِي بِوِقايَتِكَ الَّتِي وَقَيْتَ بِها عِبادَكَ الصَّالِحِينَ.

اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي ما كانَ صالِحاً ، وَأَصْلِحْ مِنِّي ما كانَ فاسِداً ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ لا يَرْحَمُنِي وَلا باغِياً وَلا حاسِداً.

اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنِّي كُلَّ هَمٍّ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كُلِّ غَمٍّ ، وَثَبِّتْنِي فِي كُلِّ مُقامٍ ، وَاهْدِنِي فِي كُلِّ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْحَقِّ ، وَحُطَّ عَنِّي كُلَّ خَطِيئَةٍ ، وَأَنْقِذْنِي مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ وَبَلِيَّةٍ ، وَعافِنِي أَبَداً ما أَبْقَيْتَنِي وَاغْفِرْ لِي إِذا تَوَفَّيْتَنِي ، وَلَقِّنِي رَوْحاً وَرَيْحاناً وَجَنَّةَ نَعِيمٍ ، أَبَدَ الابِدِينَ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (١).

ومن أدعية يوم عرفة ما رويناه بإسنادنا إلى أبي محمّد هارون بن موسى التلّعكبري ، بإسناده إلى إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما‌السلام قال : سمعته يدعو في يوم عرفة في الموقف بهذا الدُّعاء ، فنسخته :

تقول إذا زالت الشمس من يوم عرفة وأنت بها ، تصلّي الظهر والعصر ، ثمَّ ائت الموقف ، وكبّر الله مائة مرّة ، وأحمده مائة مرّة ، وسبّحه مائة مرّة ، وهلّله مائة مرّة واقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة ، وإن أحببت أن تزيد على ذلك فزد ، واقرأ سورة القدر مائة مرة ، ثم قل :

لا إِلهَ إِلاّ اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ ، وَما فِيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، اللهُمَّ إِيَّاكَ أَعْبُدُ وَإِيَّاكَ أَسْتَعِينُ.

اللهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ اثْنِي عَلَيْكَ وَما عَسى أَنْ أَبْلُغَ مِنْ مَدْحِكَ مَعَ قِلَّةِ عِلْمِي ، وَقِصَرِ رَأْيِي ، وَأَنْتَ الْخالِقُ وَأَنَا الْمَخْلُوقُ ، وَأَنْتَ الْمالِكُ وَأَنَا

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٢٣٦ ـ ٢٣٩ ، رواه في الصحيفة السجادية الجامعة : ٣٣٣ ، الدعاء : ١٤٨.

١١٧

الْمَمْلُوكُ ، وَأَنْتَ الرَّبُّ وَأَنَا الْعَبْدُ (١) ، وَأَنْتَ الْعَزِيزُ وَأَنَا الذَّلِيلُ ، وَأَنْتَ الْقَوِيُّ وَأَنَا الضَّعِيفُ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَأَنَا الْفَقِيرُ ، وَأَنْتَ الْمُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ ، وَأَنْتَ الْغَفُورُ وَأَنَا الْخاطِئُ ، وَأَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا تَمُوتُ ، وَأَنَا خَلْقٌ أَمُوتُ.

اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ مالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ بَدِيءُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْكَ يَعُودُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ وَلا تَزالُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خالِقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْواحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَلِكُ الْقُدوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ، الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنى ، سُبْحانَ اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ يُسَبِّحُ لَكَ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْكَبِيرُ ، وَالْكِبْرِياءُ رِداؤُكَ.

اللهُمَّ أَنْتَ (٢) سابِغُ النَّعْماءِ ، حَسَنُ الْبَلاءِ ، جَزِيلُ الْعَطاءِ ، مُسْقِطُ الْقَضاءِ ، باسِطُ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ ، نَفَّاعٌ بِالْخَيْراتِ ، كاشِفُ الْكُرُباتِ ، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ، مُنْزِلُ الآياتِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ ، عَظِيمِ الْبَرَكاتِ ، مُخْرِجٌ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ، مُبَدِّلُ السَّيِّئاتِ حَسَناتٍ ، وَجاعِلُ الْحَسَناتِ دَرَجاتٍ.

اللهُمَّ إِنَّكَ دَنَوْتَ فِي عُلُوِّكَ وَعَلَوْتَ فِي دُنُوِّكَ ، فَدَنَوْتَ فَلَيْسَ دُونَكَ

__________________

(١) في البحار : أنا المربوب.

(٢) في البحار : انّك.

١١٨

شَيْءٌ ، وَارْتَفَعْتَ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، تَرى وَلا تُرى ، وَأَنْتَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى ، فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ، لَكَ ما فِي السَّماواتِ الْعُلْى ، وَلَكَ الْكِبْرِياءُ فِي الاخِرَةِ وَالأُولى.

اللهُمَّ إِنَّكَ غافِرُ الذُّنُوبِ ، شَدِيدُ الْعِقابِ ، ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ وَبَلَغَتْ حُجَّتُكَ ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ ، وَأَنْتَ لا تُخَيِّبُ سائِلَكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا رافِعَ لِما وَضَعْتَ وَلا واضِعَ لِما رَفَعْتَ.

أَنْتَ الَّذِي أَثْبَتَّ كُلَّ شَيْءٍ بِحُكْمِكَ ، وَأَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِكَ ، وَأَبْرَمْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِحُكْمِكَ ، وَلا يَفُوتُكَ شَيْءٌ بِعِلْمِكَ ، وَلا يَمْتَنِعُ عَنْكَ شَيْءٌ.

أَنْتَ الَّذِي لا يُعْجِزُكَ هارِبُكَ ، وَلا يَرْتَفِعُ صَرِيعُكَ ، وَلا يُحْيى قَتِيلُكَ ، أَنْتَ عَلَوْتَ فَقَهَرْتَ ، وَمَلَكْتَ فَقَدَرْتَ ، وَبَطَنْتَ فَخَبَرْتَ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرْتَ ، عَلِمْتَ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَتَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَضَعُ وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ بِمِقْدارِ.

أَنْتَ الَّذِي لا تَنْسى مَنْ ذَكَرَكَ ، وَلا يَضِيعُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يَشْغَلُكَ ما فِي جَوِّ أَرْضِكَ عَمَّا فِي جَوِّ سَماواتِكَ ، وَلا يَشْغَلُكَ ما فِي جَوِّ سَماواتِكَ عَمَّا فِي جَوِّ أَرْضِكَ ، أَنْتَ الَّذِي تَعَزَّرْتَ فِي مُلْكِكَ ، وَلَمْ يُشْرِكْكَ أَحَدٌ فِي جَبَرُوتِكَ ، أَنْتَ الَّذِي عَلا كُلَّ شَيْءٍ مُلْكُكَ ، وَمَلَكَ كُلَّ شَيْءٍ أَمْرُكَ.

أَنْتَ الَّذِي مَلَكْتَ الْمُلُوكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَاسْتَعْبَدْتَ الْأَرْبابَ بِعِزَّتِكَ ، وَأَنْتَ الَّذِي قَهَرْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِعِزَّتِكَ ، وَعَلَوْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِفَضْلِكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يُسْتَطاعُ كُنْهُ وَصْفِكَ ، وَلا مُنْتَهى لِما عِنْدَكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا يَصِفُ الْواصِفُونَ عَظَمَتَكَ ، وَلا يَسْتَطِيعُ الْمُزايِلُونَ (١) تَحْوِيلَكَ ، أَنْتَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ، وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

__________________

(١) زائلة : فارقه.

١١٩

أَنْتَ الَّذِي لا يُحْفِيكَ سائِلٌ ، وَلا يَنْقُصُكَ نائِلٌ ، وَلا يَبْلُغُ مَدْحَكَ مادِحٌ وَلا قائِلٌ ، أَنْتَ الْكائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالْكائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ.

أَنْتَ الْواحِدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ (١) كُفُواً أَحَدٌ ، وَلَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، السَّماواتُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَكَ ، وَالْأَرَضُونَ وَمَنْ فِيهِنَّ لَكَ ، وَما بَيْنَهُنَّ وَما تَحْتَ الثَّرى ، أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَحَطْتَ بِهِ عِلْماً ، وَأَنْتَ تَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما تَشاءُ ، وَأَنْتَ (٢) لا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، وَأَنْتَ الْفَعَّالُ لِما تُرِيدُ ، وَأَنْتَ الْقَرِيبُ وَأَنْتَ الْبَعِيدُ ، وَأَنْتَ السَّمِيعُ وَأَنْتَ الْبَصِيرُ.

وَأَنْتَ الْماجِدُ وَأَنْتَ الْواحِدُ (٣) ، وَأَنْتَ الْعَلِيمُ وَأَنْتَ الْكَرِيمُ ، وَأَنْتَ الْبارُّ وَأَنْتَ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ الْقادِرُ وَأَنْتَ الْقاهِرُ ، لَكَ الْأَسْماءُ الْحُسْنى كُلُّها ، وَأَنْتَ الْجَوادُ الَّذِي لا يَبْخَلُ ، وَأَنْتَ الْعَزِيزُ الَّذِي لا تَذِلُّ ، وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ لا تُرامُ ، يُسَبِّحُ لَكَ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَنْتَ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ مِنْكَ بِالشَّرِّ.

أَنْتَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِي الْأَوَّلِينَ ، أَنْتَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ ، أَنْتَ (٤) نَجَّيْتَ نُوحاً مِنَ الْغَرَقِ ، وَأَنْتَ (٥) غَفَرْتَ لِداوُدَ ذَنْبَهُ ، وَأَنْتَ (٦) نَفَّسْتَ (٧) عَنْ ذِي النونِ كَرْبَهُ ، وَأَنْتَ (٨) كَشَفْتَ عَنْ أَيُّوبَ ضُرَّهُ ، وَأَنْتَ (٩) رَدَدْتَ مُوسى عَلى امِّه.

وَأَنْتَ صَرَفْتَ قُلُوبَ السَّحَرَةِ إِلَيْكَ ، حَتّى قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَةِ الصَّالِحِينَ ، لا يُذْكَرُ مِنْكَ إِلاَّ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ ، وَما لا يُذْكَرُ أَكْثَرُ ، لَكَ الالاءُ وَالنَّعْماءُ (١٠).

__________________

(١) لم تلد ولم تولد ولم يكن لك ( خ ل ).

(٢) أنت الذي ( خ ل ).

(٣) الواجد ( خ ل ).

(٤) وأنت ( خ ل ).

(٥) أنت الذي ( خ ل ).

(٦) أنت الذي ( خ ل ).

(٧) نفّس : أزال كربه.

(٨) أنت الذي ( خ ل ).

(٩) أنت الذي ( خ ل ).

(١٠) النعم ( خ ل ).

١٢٠