الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

فيه إلى ما عمله المخالفون فيجعله هباء منثورا.

وهو اليوم الذي يأمر جبرئيل عليه‌السلام ان ينصب كرسيّ كرامة الله بإزاء بيت المعمور ويصعده جبرئيل عليه‌السلام وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ويثنون على محمّد ويستغفرون لشيعته أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام ومحبّيهم من ولد آدم عليه‌السلام ، وهو اليوم الذي يأمر الله فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبّي أهل البيت وشيعتهم ثلاثة أيّام من يوم الغدير ، ولا يكتبون عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لمحمد وعلي والأئمة.

وهو اليوم الذي جعله الله لمحمد وآله وذوي رحمه ، وهو اليوم الذي يزيد الله في حال من عبد فيه ووسع على عياله ونفسه وإخوانه ويعتقه الله من النار ، وهو اليوم الذي يجعل الله فيه سعى الشيعة مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم مقبولا.

وهو يوم تنفيس الكرب ويوم تحطيط الوزر ويوم الحباء والعطيّة ويوم نشر العلم ويوم البشارة والعيد الأكبر ، ويوم يستجاب فيه الدعاء ، ويوم الموقف العظيم ، ويوم لبس الثّياب ونزع السّواد ، ويوم الشرط المشروط ويوم نفي الهموم ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أمير المؤمنين.

وهو يوم السبقة ، ويوم إكثار الصلاة على محمد وآل محمد ، ويوم الرضا ، ويوم عيد أهل بيت محمد ، ويوم قبول الأعمال ، ويوم طلب الزيادة ويوم استراحة المؤمنين ويوم المتاجرة ، ويوم التودّد ، ويوم الوصول إلى رحمة الله ، ويوم التزكية ، ويوم ترك الكبائر والذنوب ويوم العبادة ويوم تفطير الصائمين ، فمن فطّر فيه صائما مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما ـ الى ان عدّ عشرا ، ثم قال : أوتدري ما الفئام؟ قال : لا ، قال : مائة ألف.

وهو يوم التهنئة ، يهنّي بعضكم بعضا ، فإذا لقي المؤمن أخاه يقول : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنا مِنَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِوِلايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ عليهم‌السلام ، وهو يوم التبسّم في وجوه الناس من أهل الإيمان ، فمن تبسّم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرّحمة وقضى له ألف حاجة ، وبني له قطرا في الجنّة من درّة بيضاء ، ونضّر وجهه (١).

__________________

(١) نضّر الوجه : نعم وحسن وكان جميلا.

٢٦١

وهو يوم الزينة ، فمن تزيّن ليوم الغدير غفر الله له كلّ خطيئة عملها ، صغيرة أو كبيرة ، وبعث الله إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرجعون له الدرجات إلى قابل مثل ذلك اليوم ، فان مات مات شهيدا وان عاش عاش سعيدا ، ومن أطعم مؤمنا كان كمن اطعم جميع الأنبياء والصديقين ، ومن زار فيه مؤمنا أدخل الله قبره سبعين نورا ووسّع في قبره ويزور قبره كلّ يوم سبعون ألف ملك ويبشّرونه بالجنّة.

وفي يوم الغدير عرض الله الولاية على أهل السماوات السبع فسبق إليها أهل السماء السابعة فزيّن بها العرش ، ثم سبق إليها أهل السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ، ثم سبق إليها أهل السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ، ثم عرضها على الأرضين فسبقت مكة فزيّنها بالكعبة ، ثم سبقت إليها المدينة فزيّنها بالمصطفى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ سبقت إليها الكوفة فزيّنها بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعرضها على الجبال فأوّل جبل أقرّ بذلك ثلاثة جبال : جبل العقيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت ، فصارت هذه الجبال جبالهنّ وأفضل الجواهر ، ثم سبقت إليها جبال أخر ، فصارت معادن الذهب والفضة ، وما لم يقرّ بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا.

وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عذبا وما أنكر صار ملحا أجاجا ، وعرضها في ذلك اليوم على النّبات فما قبله صار حلوا طيبا ، وما لم يقبل صار مرّا ، ثمّ عرضها في ذلك اليوم على الطّير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أخرس مثل ألكن ، ومثل المؤمنين في قبولهم ولاء أمير المؤمنين في يوم غدير خم كمثل الملائكة في سجودهم لآدم ، ومثل من أبي ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير مثل إبليس ، وفي هذا اليوم أنزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، وما بعث الله نبيّا الاّ وكان يوم بعثه مثل يوم الغدير عنده وعرف حرمته إذ نصب لأمّته وصيّا وخليفة من بعده في ذلك اليوم.

__________________

(١) المائدة : ٦٨.

٢٦٢

فصل (٧)

فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير ، برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير ، وهي قطرة من بحر غزير

فمن هؤلاء ما رواه محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى عبد الرحمن بن سالم ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة ، قلت : وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال : اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قلت : وأي يوم هو؟ قال : ما تصنع باليوم ، انّ السنة تدور ولكنّه يوم ثماني عشر من ذي الحجّة.

فقلت : وما ينبغي لنا ان نفعل في ذلك اليوم؟ قال : تذكرون الله فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد صلّى الله عليهم ، وأوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين ان يتّخذ ذلك اليوم عيدا ، وكذلك كانت الأنبياء تفعل ، كانوا يوصون أوصيائهم بذلك فيتّخذونه عيدا (١).

ومن أولئك ما رواه علي بن الحسن بن فضّال في كتاب الصيام ، بإسناده إلى الحسن بن راشد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل للمسلمين عيد سوى الفطر والأضحى؟ فقال : نعم أعظمهما وأشرفهما ، قال : قلت : أيّ يوم هو؟ قال : يوم نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين للنّاس فدعاهم إلى ولايته ، قال : قلت : في أيّ يوم ذلك؟ قال : يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.

قال : قلت : فما ينبغي فيه وما يستحب فيه؟ قال : الصّيام والتقرب إلى الله عزّ وجلّ فيه باعمال الخير ، قال : قلت : فما لمن صامه؟ قال : يحسب له بصيام ستّين شهرا (٢).

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٤ : ١٤٩ ، عنه الوسائل ١٠ : ٤٤٠ ، أورده الشيخ في مصباحه ٢ : ٦٧٩.

(٢) رواه مع اختلاف الكليني في الكافي ٤ : ١٤٨ ، والصدوق في الفقيه ٢ : ٩٠ ، ثواب الأعمال : ٩٩ ، والشيخ في التهذيب ٤ : ٣٠٥ ، مصباح المتهجد : ٦٨٠ ، عنهم الوسائل ١٠ : ٤٤١ ، رواه في العدد القوية : ١٦٨ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٢٢.

٢٦٣

ومن أولئك ما رواه الشيوخ المعظمون أبو جعفر محمد بن بابويه والمفيد محمد بن محمد بن النعمان وأبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، بإسنادهم جميعا عن الصادق عليه‌السلام انّ العمل في يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجّة يعدل العمل في ثمانين شهرا (١).

وفي حديث آخر بإسنادهم آخر جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : صوم يوم غدير خم كفّارة ستين سنة (٢).

ومن أولئك مصنّف كتاب النشر والطي قال بإسناده إلى الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفي ، حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، حدثنا محمد بن ظهير ، حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يوم غدير خم أفضل أعياد أمّتي هو اليوم الذي أمرني الله فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب فيه علما لأمّتي يهتدون به بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام دينا ، ثم قال :

معاشر الناس انّ عليّا منّي وأنا من عليّ خلق من طينتي وهو بعدي يبيّن لهم ما اختلفوا فيه من سنّتي ، وهو أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ويعسوب المؤمنين وخير الوصيين وزوج سيّدة نساء العالمين وأبو الأئمة المهديّين.

ومن أولئك ما رواه محمد بن علي بن محمد الطرازي في كتابه ، بإسناده المتّصل إلى المفضّل بن عمر قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة زفّت أربعة أيّام إلى الله عزّ وجلّ كما تزفّ العروس إلى خدرها : يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة ويوم غدير خم ، ويوم غدير خم بين الفطر والأضحى يوم الجمعة كالقمر بين الكواكب ، وانّ الله ليوكّل بغدير خم ملائكته المقرّبين ، وسيّدهم يومئذ جبرئيل عليه‌السلام ، وأنبياء الله المرسلين ، وسيدهم يومئذ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٠٠.

(٢) ثواب الأعمال : ١٠٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٥ ، الفقيه ٢ : ٩٠ الخصال : ٢٦٤ ، عنهم الوسائل ١٠ : ٤٤٢ ، رواه الشيخ في مصباحه : ٧٣٦.

٢٦٤

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوصياء الله المنتجبين ، وسيّدهم يومئذ أمير المؤمنين ، وأولياء الله ، وساداتهم يومئذ سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ، حتّى يورده الجنان كما يورد الراعي بغنمه الماء والكلاء.

قال المفضّل : سيّدي تأمرني بصيامه؟ قال لي : أي والله أي والله أي والله انّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم عليه‌السلام فصام شكرا لله ، على ذلك اليوم ، وانه اليوم الذي نجى الله تعالى فيه إبراهيم عليه‌السلام من النار فصام شكرا لله تعالى على ذلك اليوم ، وانه اليوم الذي أقام موسى هارون عليهما‌السلام علما فصام شكرا لله تعالى ذلك اليوم ، وانه اليوم الذي أظهر عيسى عليه‌السلام وصيّه شمعون الصفا فصام شكرا لله عزّ وجلّ على ذلك اليوم.

وانّه اليوم الّذي أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا للناس علما وأبان فيه فضله ووصيّه ، فصام شكرا لله تبارك وتعالى ذلك اليوم ، وانه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الاخوان وفيه مرضاة الرحمن ومرغمة الشيطان (١).

فصل (٨)

فيما نذكره من جواب من سأل عمّا في يوم الغدير من الفضل ، وقصر فهمه عمّا ذكرناه في ذلك من الفضل

اعلم ان من التنبيه على ان فضل يوم الغدير ما عرف مثله بعده ولا قبله لأحد من الأوصياء والأعيان فيما مضى من الأزمان وجوه :

منها : انّ الله جلّ جلاله جعل نفس علي عليه‌السلام نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في آية المباهلة ، فقال تعالى : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٢).

وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف انّ الأبناء الحسن والحسين ، والنساء فاطمة ،

__________________

(١) عنه الوسائل ١٠ : ٤٤٥ ، رواه في العدد القوية : ١٦٨ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٢٣.

(٢) آل عمران : ٦١.

٢٦٥

وأنفسنا علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم (١) ، فمنها جرى من التعظيم لنفس رسول الله ، فمولانا علي عليه‌السلام داخل فيما يمكن دخوله فيه من ذلك المقام ، ولو اقتصرنا على هذا الوجه الكبير لكفى في تعظيم يوم الغدير.

ومنها : انّنا روينا في الطرائف أيضا عن المخالف ، انّ نور عليّ من نور النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أصل خلقتهما ، وان ذلك ينبّه على تعظيم منزلتهما (٢).

ومنها : انّ مولانا عليّا صلوات الله عليه في أمّته.

ومنها : انّ كلّما عصمت حرمة المنصوص عليه بالخلافة كان ذلك تعظيما لمن كان عنه ، ومولانا علي عليه‌السلام نائب عن الله ورسوله في كلّ رحمة ورأفة وأمانا من مخافة.

ومنها : انّ الله جلّ جلاله قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (٣) ، فيكون علي عليه‌السلام بمقتضى هذا الوصف الذي لا يجحد ولا ينكر ، الرئيس من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذه الأمّة ، التي هي خير الأمم أعظم من كلّ رئيس في شرف القدم وعلوّ الهمم وكمال القسم.

ومنها : انّ الامتحان بنصّ الله جلّ جلاله ورسوله صلوات الله عليه على مولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وجدناه أعظم من كلّ امتحان عرفناه للأوصياء لأجل ما اتّفق لمولانا على صلوات الله عليه من كثرة الحاسدين وأعداء الدين ، الّذين عاداهم وجاهدهم في الله رب العالمين وفي نصرة سيّد المرسلين ، وقد شهدت عدالة الألباب انّ المنازل في الفضل تزيد بزيادة الامتحان الوارد من جانب مالك الأسباب.

ومنها : انّ مولانا عليّا عليه‌السلام وقى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ الإسلام والمسلمين في عدّة مقامات ، عجز عنها كثير من قوّة العالمين ، فجازاه جلّ جلاله ورسوله

__________________

(١) الطرائف : ١٢٩ ، رواه الطبري في تفسيره ٢٢ : ٧ ، الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ : ١٦ و ١٧ ، مسلم في صحيحة ٤ : ١٨٧١ ، النسائي في الخصائص : ٤ ، القندوزي في ينابيع المودة : ١٠٧ ـ ١٠٩ ، الخوارزمي في المناقب : ٢٢ ـ ٢٥.

(٢) الطرائف : ١٥ ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : ٢٠٥ ـ على ما في إحقاق الحق ٥ : ٢٤٣ ـ ، كتاب الفردوس في باب الخاء ـ على ما في الاحقاق ٤ : ٩٢ ـ المناقب لابن المغازلي : ٧٩ ، العمدة : ٤٤.

(٣) آل عمران : ١١٠.

٢٦٦

صلوات الله عليه شرف ذلك الفضل المبين بهذا المقام المكين مثل انّه بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة ، وقد عجز عنها كلّ من قرب منه وكانوا بين هارب أو عاجز عنه فكلّما جرى بالمهاجرة من الشهادة في الدنيا والآخرة ، فمولانا حيث فداه بمهجته أصل الفوائد بنبوّته (١).

ومنها : أداؤه سورة براءة ونبذ عهود المشركين ، لمّا نزل إلى خاتم النبيّين انّه لا يؤدّيها إلاّ أنت أو رجل منك ، فكان القائم مقام النبوة مولانا علي أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

ومنها : مقامات مولانا علي عليه‌السلام في بدر وخيبر وحنين وفي أحد ، وفي كلّ موقف كان يمكن أن يخذل الوالد للولد (٣).

ومنها : قتل مولانا علي صلوات الله عليه لعمرو بن عبد ودّ ، العظيم الشأن ، وقد روينا في الطرائف عن المخالف ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لضربة علي لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة (٤) ، وكذلك قال النبي صلوات الله عليه لمّا برز مولانا علي إليه : برز الإسلام كلّه إلى الكفر كلّه ، فما ظنّك برجل يرى النّبي صلوات الله عليه انّه هو الإسلام كله ، وكيف يدرك بالبيان والتبيان فضله ، ولله در القائل :

يفنى الكلام ولا يحيط بوصفه

أيحيط ما يفنى بما لا ينفد

ومنها : انّ الله جلّ جلاله جعل النّص منه جلّ جلاله ومن رسوله صلوات الله عليه بالخلافة لعلي صلوات الله عليه يقوم مقام جميع فضل الرسالة ، وهذا مقام لا يبلغ وصفي حقيقته ، فقال جلّ جلاله : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٥) ، وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف وفي هذا الكتاب انّ المراد

__________________

(١) راجع الطرائف : ٣٦ ، مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ، عنه البحار ٣٦ : ٤١ والعمدة : ١٢٣ ، إحقاق الحق ٦ : ٤٧٦ عن الثعلبي.

(٢) راجع الطرائف : ٣٨ ، عن مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٨٣ ، إحقاق الحق عن الفاضل لأحمد بن حنبل ٣ : ٤٢٨ ، ذخائر العقبى : ٦٩ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٣٢٢ صحيح بخاري ٥ : ٢٠٢ ، إحقاق الحق ٣ : ٤٣٠ عن تفسير الثعلبي.

(٣) راجع الطرائف : ٥٥ ـ ٥٩ ، صحيح بخاري ٥ : ٧٦ ـ ٧٧ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧ ، مسند أحمد ٥ : ٣٣٣ ، صحيح ترمذي ١٣ : ١٧١.

(٤) الطرائف : ٦٠ ، عن مناقب الخوارزمي : ٥٨ ، وفيه لمبارزة علي.

(٥) المائدة : ٦٧.

٢٦٧

بهذه الآية ولاية علي صلوات الله عليه يوم الغدير من غير ارتياب (١).

ومنها : ان عناية الله جلّ جلاله بمولانا علي عليه‌السلام بلغت بتكرار الآيات والمعجزات والكرامات إلى ان ادّعى فيه خلق عظيم باقون إلى هذه الأوقات ما ادّعى بعض النّصارى في عيسى صلوات الله عليه ، وانّه ربّ العالمين الّذي يجب ان توجّه العبادات إليه.

ومنها : انّ مولانا عليا عليه‌السلام عذّب الّذين ادّعوا فيه الإلهيّة كما امره صاحب النّبوة الربانيّة ، ولم يزدهم تعذيبه لهم الاّ ملزما بأنّه ربّ العالمين وما عرفنا انّ معبودا عذّب من يعبده بمثل ذلك العذاب ، وهو مقيم على عبادته بالجدّ والاجتهاد ، فكان ذلك تنبيها على انّ ظهور فضله خرق العقول والبصائر حتّى بلغ إلى هذا الأمر الباهر.

وما يقدر على شرح فضائل مولانا علي عليه‌السلام على التفصيل ، وقد ذكرنا في الطرائف وجوها دالّة على مقامه الجليل ، وقد نطق القرآن الشريف بنعم الله تعالى على عباده مطلقا على التجميل ، فقال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (٢) ، فهذا يكون من تلك النّعم التي لا تحصى لأنّه عليه‌السلام رئيس القوم الّذين ظفروا بها وحصّلوها.

فصل (٩)

فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السّماوات برواية الثقات وفضل زيارته عليه‌السلام في ذلك الميقات

روينا بإسنادنا الّذي ذكرناه قبل هذا الفصل إلى الشيخ الموثوق بروايته محمد بن أحمد بن داود ، في كتاب كامل الزّيارات ، قال : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن عمار الكوفي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال :

__________________

(١) راجع الطرائف : ١٤٥ ـ ١٥٣.

(٢) إبراهيم : ٣٤.

٢٦٨

كنّا عند الرضا عليه‌السلام والمجلس غاصّ بأهله (١) فتذاكروا يوم الغدير ، فأنكره بعض النّاس ، فقال الرضا عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن أبيه عليهما‌السلام قال :

انّ يوم الغدير في السّماء أشهر منه في الأرض ، انّ لله عزّ وجلّ في الفردوس الأعلى قصرا ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، فيه مائة ألف قبّة من ياقوتة حمراء ومائة ألف خيمة من ياقوت أخضر ، ترابه المسك والعنبر فيه أربعة أنهار : نهر من خمر ونهر من ماء ونهر من لبن ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه ، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت تصوّت بألوان الأصوات.

فإذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبّحون الله ويقدّسونه ويهلّلونه ، فتطاير تلك الطّيور فتقع في ذلك الماء وتتمرّغ (٢) على ذلك المسك والعنبر ، فإذا اجتمعت الملائكة طارت تلك الطيور فتنفض (٣) ذلك ، وانّهم في ذلك اليوم ليتهادّون نثار فاطمة عليها‌السلام فإذا كان آخر اليوم نودوا : انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم من الخطأ والزلل إلى قابل في مثل هذا اليوم تكرمة لمحمّد وعلي عليهما‌السلام.

ثم التفت فقال لي : يا ابن أبي نصر اين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فان الله تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما أعتق من شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر ولدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين وأفضل على إخوانك في هذا اليوم وسرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة.

ثم قال : يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيرا كثيرا وانّكم لمّمن امتحن الله قلبه للإيمان ، مستذلّون مقهورون ممتحنون يصبّ البلاء عليهم صبّا ، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم ، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات ، ولو لا انّي أكره التطويل لذكرت فضل هذا اليوم وما أعطاه الله لمن عرفه

__________________

(١) عضّ المكان بهم : امتلأ وضاق عليهم.

(٢) تمرّغ في التراب : تقلب.

(٣) الفض : النفر المتفرقون.

٢٦٩

ما لا يحصى بعدد.

قال علي بن الحسن بن فضال : قال لي محمد بن عبد الله : لقد تردّدت إلى أحمد بن محمد أنا وأبوك والحسن بن جهم أكثر من خمسين مرّة سمعناه منه (١).

فصل (١٠)

فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المخالفين

اعلم انّ كلّ ميّت كان قبره مشهورا أو مستورا ، فإنّ أهل بيته والمخصوصون بمصيبته والموصوفون بشيعته وخاصّته ، يكونون اعرف بموضع دفنه وقبره ، وهذا اعتبار صحيح لا يجحده الاّ مكابر وضعيف في عقله أو حقير في قدره.

وقد علم أعيان أهل الإسلام انّ عترة مولانا علي عليه‌السلام وشيعته الّذين لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلدة ، مطبقون متّفقون على انّ هذا الضّريح الشّريف الّذي يزوره أهل الحقائق من المغارب والمشارق ، هو قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

فمن العجب انّ كلّ انسان وقف على قبر دارس (٢) وقال : هذا قبر أبي أو جدّي حكم الحاضرون بتصديقه ولم ينازعوه في تحقيقه ، ويكون قبر مولانا علي عليه‌السلام لا يقبل فيه قول أولاده الّذين لا يحصيهم الاّ الله جلّ جلاله.

ومن العجب ان يكون أصحاب كلّ ملة وعقيدة يرجع في معرفة قبور رؤسائهم إليهم ، ولا يرجع في قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أصحابه وشيعته وخاصّته ، وانّما بعض المخالفين ذكر انّهم لا يعرفون انّ هذا موضع قبره الآن ، وربّما روى بعضهم انّ قبره في غير هذا المكان.

واعلم انّ قبر مولانا علي عليه‌السلام إنّما ستره ذريّته وشيعته عن المخالفين عليه ، ولقد صدق المخالف إذا لم يعرفه فإنّ ستره انّما كان منه ومن أمثاله فكيف يطلع على حاله.

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣٥٩ ، رواه الشيخ في مصباحه مختصرا : ٧٣٧.

(٢) درس الرسم : عفا وانمحى.

٢٧٠

فصل (١١)

فيما نذكره من الإشارة إلى من زاره من الأئمة من ذريّته عليه وعليهم أفضل السلام ، وغيرهم من عترته من ملوك الإسلام

فأقول : قد روينا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارة مولانا علي بن الحسين عليه‌السلام لمولانا علي صلوات الله عليه أيام التقيّة من بني أميّة ، وروينا من كتاب المسرّة من كتاب ابن أبي قرّة زيارة زين العابدين وولده محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام لهذا قبر مولانا علي عليه‌السلام ، وذكر في كتاب مصباح الزائر زيارات الصادق عليه‌السلام له في هذا القبر الشريف ، وزيارة مولانا علي بن محمد الهادي عليه‌السلام.

فهؤلاء أربعة من أئمة الإسلام ومن أعيان ذريّته عليه وعليهم أفضل السلام قد نصّوا على انّ هذا موضع ضريحه وزاروه فيه وشهدوا بتصحيحه ومثلهم لا تردّ شهادتهم في شيء من أحكام المسلمين ، فكيف تردّ في معرفة قبر جدّهم أمير المؤمنين سلام الله جلّ جلاله عليهم.

وامّا الخلفاء من بني العباس والملوك من النّاس ، فأوّل من زاره الرشيد وجماعة من بني هاشم ، ثم المقتفي ، ثم الناصر مرارا وأطلق عنده صدقات ومبارّا ، ثم المستنصر وجعله شيخه في الفتوة ، ثم المعتصم.

وامّا العلماء والعقلاء والملوك والوزراء ، فلا يحصى عددهم بما نذكره من قلم أو لسان ، وقبورهم شاهدة بذلك ومدافنهم إلى الآن.

فصل (١٢)

فيما نذكره من آيات رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعنا به ، من آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف

اعلم ان كلّ نذر يحمل إليه مذ ظهر مقدّس قبره بعد هلاك بني أميّة وإلى الآن ، فانّ تصديق الله جلّ جلاله لأهل النذر ، كالآية والمعجزة والبرهان على انّ قبره

٢٧١

الشريف بذلك المكان ، وهذه النذور لا يحصيها أحد من أهل الدهور ، واما انّا فاشهد بالله وفي الله جلّ جلاله انّني كنت يوما قد ذكرت تاريخه في كتاب البشارات بين يدي ضريحه المقدس ، وأقسمت عليه في شيء وسألت جوابه باقي النهار وانفصلت ، فما استقررت بمشهده في الدّار حتّى عرفت في الحال من رآه في المنام بجواب ما فهمته به من الكلام.

أقول : واعرف انّني كنت يوما وراء ظهر ضريحه الشريف ، وأخي الرضي محمد بن محمد بن الآوي حاضر معي ، وأنا أقسم على أمير المؤمنين عليه‌السلام في إذلال بعض من كان يتجرّأ على الله وعلى رسوله وعلي مولانا أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وعلينا بالأقوال والأعمال.

فقلت للقاضي الآوي محمد بن محمد بن محمد : يا أخي قد وقع في خاطري ان قد حصل ما سألته ، وانّ اليوم الثالث من هذا اليوم يصل قاصد من عند القوم المذكورين بالذلّ والسؤال لنا على أضعف سؤال السائلين ، فلمّا كان اليوم الثالث من يوم قلت له وصل قاصد من عندهم على فرس عاجل بمثل ما ذكرناه من الذلّ الهائل.

أقول : واعرف انّني دخلت حضرته الشريفة كم مرّة في أمور هائلة لي وتارة لأولادي وتارة لأهل ودادي ، فبعضها زالت وانا بحضرته ، وبعضها زالت باقي نهار مخاطبته ، وبعضها زالت بعد أيّام في جواب زيارته ، ولو ذكرتها احتاجت إلى مجلّد كبير ، وقد صنّف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الحسني مصنّفا في ذلك متضمّنا للاسانيد والروايات ، لو أردنا تصنيف مثله وأمثاله كان ذلك أسهل المرادات ، ولكنّا وجدنا من الآيات الباهرات ما يغني عن الروايات.

فصل (١٣)

فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا علي صلوات الله عليه في يوم الغدير المشار إليه

أعلم انّنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر عدّة روايات مطوّلات يضيق عن مثلها مثل هذا الميقات ، لأنّ يوم الغدير يختصّ بيومه زيارات في كتاب المسرة

٢٧٢

من كتاب مزار ابن أبي قرّة ، وهي زيارات يوم الغدير.

رويناها عن جماعة إليه رحمه‌الله عليه قال : أخبرنا محمد بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبي ، قال : أخبرنا الحسن بن يوسف بن عميرة ، عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام قال :

كان أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام قد اتّخذ منزله من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي عليهما‌السلام بيتا من شعر وأقام بالبادية ، فلبث بها عدّة سنين كراهية لمخالطته النّاس وملابستهم وكان يسير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجدّه عليهما‌السلام ، ولا يشعر بذلك من فعله.

قال محمد بن علي : فخرج سلام الله عليه متوجّها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنا معه ، وليس معنا ذو روح الاّ الناقتين ، فلمّا انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة ، وصار إلى مكانه منه ، فبكا حتّى اخضلّت لحيته بدموعه ، ثم قال :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمِينَ اللهِ فِي ارْضِهِ وَحُجَّتَهُ ، اشْهَدُ لَقَدْ جاهَدْتَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، حَتَّى دَعاكَ اللهُ الى جِوارِهِ ، فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ لَكَ كَرِيمَ ثَوابِهِ ، وَالْزَمَ أَعْداءَكَ الْحُجَّةَ مَعَ مالَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَمِيعِ خَلْقِهِ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، راضِيَةً بِقَضائِكَ ، مُولَعَةً (١) بِذِكْرِكَ وَدُعائِكَ ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ (٢) أَوْلِيائِكَ ، مَحْبُوبَةً فِي ارْضِكَ وَسَمائِكَ ، صابِرَةً عَلى نُزُولِ (٣) بَلائِكَ ، شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمائِكَ ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ (٤) ، مُشْتاقَةً الى فَرْحَةِ لِقائِكَ ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوى لِيَوْمِ جَزائِكَ ، مُسْتَنَّةً

__________________

(١) المولعة : المتعلّقة.

(٢) الصفوة : الخالصة.

(٣) عند نزول ( خ ل ).

(٤) لسابغ آلائك ( خ ل ).

٢٧٣

بِسُنَنِ أَوْلِيائِكَ ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنائِكَ.

ثم وضع خده على القبر وقال :

اللهُمَّ انَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتِينَ (١) الَيْكَ وَإلِهَهٌ (٢) ، وَسُبُلَ الرّاغِبِينَ (٣) الَيْكَ شارِعَةٌ ، وَاعْلامَ الْقاصِدِينَ الَيْكَ واضِحَةٌ ، وَافْئِدَةَ الْوافِدِينَ الَيْكَ فازِعَةٌ (٤) ، وَأَصْواتَ الدّاعِينَ الَيْكَ صاعِدَةٌ ، وَأَبْوابَ الإِجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ ، وَتَوْبَةَ مَنْ أَنابَ الَيْكَ مَقْبُولَةٌ ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكا مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ.

وَالاسْتِغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ ، وَالإِعانَةَ لِمَنْ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ ، وَعِداتِكَ (٥) لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ (٦) ، وَزَلاّتِ مَنِ اسْتَقالَكَ (٧) مُقالَةٌ ، وَأَعْمالَ الْعامِلِينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ ، وَأَرْزاقَ الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ ، وَعَوائِدَ الْمَزِيدِ مُتَواتِرَةٌ (٨) ، وَمَوائِدَ الْمُسْتَطْعَمِينَ مُعَدَّةٌ ، وَمَناهِلَ الظَّماءِ مُتْرَعَةٌ (٩).

اللهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعائِي ، وَاقْبَلْ ثَنائِي ، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَوْلِيائِي وَأَحِبّائِي ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ آبائِي ، إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمائِي وَمُنْتَهى مُنايَ وَغايَةُ رَجائِي فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ.

قال جابر : قال لي الباقر عليه‌السلام : ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو عند قبر أحد من الأئمة عليهم‌السلام الاّ رفع دعاؤه في درج (١٠) من نور وطبع عليه بخاتم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان محفوظا

__________________

(١) المخبتين : الخاشعين.

(٢) وإلهه : متحيرة من شدة الوجد.

(٣) الراغبين : المبتهلين.

(٤) فارغة ( خ ل ).

(٥) عداتك : وعودك.

(٦) متنجزة ( خ ل ).

(٧) استقالك : طلب صفحك.

(٨) متواترة : متتابعة.

(٩) ترع الحوض : امتلأ.

(١٠) الدرج ـ بالفتح ـ الذي يكتب فيه.

٢٧٤

كذلك حتّى يسلّم إلى قائم آل محمد عليهم‌السلام ، فيلقي صاحبه بالبشرى والتحيّة والكرامة ان شاء الله.

قال جابر : حدّثت به أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام وقال لي : زد فيه إذا ودّعت أحدا منهم فقل :

السَّلامُ عَلَيْكَ ايُّهَا الإِمامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، اسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ ، آمَنّا بِالرَّسُولِ وَبِما جِئْتُمْ بِهِ وَبِما دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ (١) ، اللهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِي وَلِيِّكَ ، اللهُمَّ لا تَحْرِمْنِي ثَوابَ مَزارِهِ الَّذِي اوْجَبْتَ لَهُ وَيَسِّرْ لَنَا الْعَوْدَ إِلَيْهِ انْ شاءَ اللهُ (٢).

أقول : وقد زاره مولانا الصادق بنحو هذه الألفاظ من الزيارة تركنا ذكرها خوف الإطالة.

أقول : وروى جدّي أبو جعفر الطوسي هذه الزيارة ليوم الغدير عن جابر الجعفي عن الباقر عليه‌السلام انّ مولانا علي بن الحسين صلوات الله عليه زاره بها فيه ، وفي ألفاظها خلاف ، ولم يذكر فيها وداعا (٣).

فصل (١٤)

فيما نذكره من عوذة تعوّذ بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الغدير

فتعوّذ بها أنت أيضا قبل شروعك في عمل اليوم المذكور ليكون حرزا لك من المحذور ، وهي :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، بِسْمِ اللهِ خَيْرِ الْأَسْماءِ ، بِسْمِ اللهِ رَبِّ الاخِرَةِ وَالأُولى ، وَرَبِّ الارْضِ وَالسَّماءِ ، الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ كَيْدُ الأَعْداءِ ، وَبِها

__________________

(١) ودعوتم إليه ( خ ل ).

(٢) رواه في كامل الزيارات : ٣٩ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٦٤ ، المزار الكبير : ١١٢ ، مصباح الزائر : ٥٨٣ ، مزار الشهيد : ٩٥ ، البلد الأمين : ٢٩٥ ، ومصباح الكفعمي : ٤٨٠ ، فرحة الغري : ٤٠ ، عنه الوسائل ١٠ : ٣٠٦ ، البحار ١٠٠ : ٢٦٤ و ١٠٢ : ١٧٦ ، وفي الصحيفة السجادية الجامعة : ٥٩٥ ، الدعاء : ٢٥٥.

(٣) مصباح المتهجد : ٦٨١.

٢٧٥

تُدْفَعُ كُلُّ الأَسْواءِ ، وَبِالْقِسَمِ بِها يَكْفِي مَنِ اسْتَكْفى.

اللهُمَّ انْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَخالِقُهُ ، وَبارِئُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَرازِقُهُ ، وَمُحْصِي كُلِّ شَيْءٍ وَعالِمُهُ ، وَكافِي كُلِّ جَبَّارٍ وَقاصِمُهُ ، وَمُعِينُ كُلِّ مُتَوَكِّلٍ عَلَيْهِ وَعاصِمُةُ ، وَبِرُّ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَراحِمُهُ ، لَيْسَ لَكَ ضِدٌّ فَيُعانِدُكَ ، وَلا نِدٌّ فَيُقاوِمُكَ ، وَلا شَبِيهٌ فَيُعادِلُكَ ، تَعالَيْتَ عَنْ ذلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً.

اللهُمَّ بِكَ اعْتَصَمْتُ وَاسْتَقَمْتُ وَالَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ اعْتَمَدْتُ ، يا خَيْرَ عاصِمٍ وَاكْرَمَ راحِمٍ وَاحْكَمَ حاكِمٍ وَاعْلَمَ عالِمٍ ، مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ عَصَمْتَهُ ، وَمَنِ اسْتَرْحَمَكَ رَحِمْتَهُ ، وَمَنِ اسْتَكْفاكَ كَفَيْتَهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ امِنْتَهُ (١) وَهَدَيْتَهُ ، سَمْعاً لِقَوْلِكَ يا رَبِّ وَطاعَةً لِامْرِكَ.

اللهُمَّ أَقُولُ وَبِتَوْفِيقِكَ أَقُولُ ، وَعَلى كِفايَتِكَ أُعَوِّلُ ، وَبِقُدْرَتِكَ أَطُولُ ، وَبِكَ أسْتَكْفِي وَأَصُولُ ، فَاكْفِنِي اللهُمَّ وَانْقِذْنِي وَتَوَلَّنِي وَاعْصِمْنِي وَعافِنِي ، وَامْنَعْ مِنِّي وَخُذْ لِي وَكُنْ لِي بِعَيْنِكَ وَلا تَكُنْ عَلَيَّ ، اللهُمَّ انْتَ رَبِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَالَيْكَ انَبْتُ وَالَيْكَ الْمَصِيرُ وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

فصل (١٥)

فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد ، مما رويناه بصحيح الاسناد

فمن ذلك بالأسانيد المتصلة ممّا ذكره ورواه محمّد بن علي الطّرازي في كتابه ، عن محمّد بن سنان ، عن داود بن كثير الرّقي ، عن عمارة بن جوين أبي هارون العبدي ، ورويناه بإسنادنا أيضا إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان ، فيما رواه عن عمارة بن جوين أبي هارون العبدي أيضا قال :

دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام في اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة ، فوجدته صائما فقال : إنّ هذا اليوم يوم عظّم الله حرمته على المؤمنين ، إذ أكمل الله لهم فيه

__________________

(١) توكل امنته ( خ ل ).

٢٧٦

الدّين وتمّم عليهم النعمة ، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من الميثاق والعهد في الخلق الأوّل ، إذ أنساهم الله ذلك الموقف ، ووفّقهم للقبول منه ، ولم يجعلهم من أهل الإنكار الّذين جحدوا.

فقلت له : جعلت فداك فما صواب صوم هذا اليوم؟ فقال : إنّه يوم عيد وفرح وسرور وصوم شكرا لله عزّ وجلّ ، فانّ صومه يعدل ستّين شهرا من الأشهر الحرم ، ومن صلّى فيه ركعتين أيّ وقت شاء ، وأفضل ذلك قرب الزّوال ، وهي السّاعة الّتي أقيم فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام بغدير خم علما للنّاس ، وذلك أنّهم كانوا قربوا من المنزل في ذلك الوقت.

فمن صلّى ركعتين ، ثمّ سجد وشكر الله عزّ وجلّ مائة مرّة ، ودعا بهذا الدّعاء بعد رفع رأسه من السّجود ، الدّعاء :

اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّكَ واحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ ، كَما كانَ مِنْ شَأْنِكَ أَنْ تَفَضَّلْتَ عَلَيَّ بِأَنْ جَعَلْتَنِي مِنْ أَهْلِ إجابَتِكَ وَأَهْلِ دِينِكَ وَأَهْلِ دَعْوَتِكَ ، وَوَفقْتَنِي لِذلِكَ فِي مُبْتَدَإِ (١) خَلْقِي تَفَضُّلاً مِنْكَ وَكَرَماً وَجُوداً ، ثُمَّ أَرْدَفْتَ الْفَضْلَ فَضْلاً ، وَالْجُودَ جُوداً ، وَالْكَرَمَ كَرَماً ، رَأْفَةً مِنْكَ وَرَحْمَةً إِلى أَنْ جَدَّدْتَ ذلِكَ الْعَهْدَ لِي تَجْدِيداً بَعْدَ تَجْدِيدِكَ خَلْقِي ، وَكُنْتُ نَسياً مَنْسِيّاً ناسِياً ساهِياً غافِلاً.

فَأَتْمَمْتَ نِعْمَتَكَ بِأَنْ ذَكَّرْتَنِي ذلِكَ وَمَنَنْتَ بِهِ عَلَيَّ وَهَدَيْتَنِي لَهُ فَلْيَكُنْ مِنْ شَأْنِكَ يا إِلهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ ، أَنْ تُتِمَّ لِي ذلِكَ وَلا تَسْلُبَنِيهِ حَتّى تَتَوَفّانِي عَلى ذلِكَ ، وَأَنْتَ عَنِّي راضٍ ، فَإِنَّكَ أَحَقُّ الْمُنْعِمِينَ أَنْ تُتِمَّ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ.

اللهُمَّ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأَجَبْنا داعِيكَ بِمَنِّكَ فَلَكَ الْحَمْدُ ، غُفْرانَكَ رَبَّنا

__________________

(١) مبدء ( خ ل ).

٢٧٧

وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَدَّقْنا وَأَجَبْنا داعِيَ اللهِ وَاتَّبَعْنا الرَّسُولَ فِي مُوالاةِ مَوْلانا وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ عَبْدِ اللهِ وَأَخِي رَسُولِهِ ، وَالصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ ، وَالْحُجَّةِ عَلى بَرِيَّتِهِ ، الْمُؤَيِّدِ بِهِ نَبِيَّهُ وَدِينَهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ ، عَلَماً لِدِينِ اللهِ ، وَخازِناً لِعِلْمِهِ ، وَعَيْبَةَ غَيْبِ اللهِ ، وَمَوْضِعَ سِرِّ اللهِ ، وَأَمِينِ اللهِ عَلى خَلْقِهِ ، وَشاهِدِهِ فِي بَرِيَّتِهِ.

اللهُمَ إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ ، فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ.

فَانَّا يا رَبَّنا بِمَنِّكَ وَلُطْفِكَ أَجَبْنا داعِيكَ ، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ وَصَدَّقْناهُ وَصَدَّقْنا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَكَفَرْنا بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ، فَوَلِّنا ما تَوَلَّيْنا ، وَاحْشُرْنا مَعَ أَئِمَّتِنا فَانّا بِهِمْ مُؤْمِنُونَ مُوقِنُونَ وَلَهُمْ مُسَلِّمُونَ.

آمَنّا بِسِرِّهِمْ وَعَلانِيَتِهِمْ ، وَشاهِدِهِمْ وَغائِبِهِمْ ، وَحَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ ، وَرَضِينا بِهِمْ أَئِمَّةً وَقادَةً وَسادَةً ، وَحَسْبُنا بِهِمْ بَيْنَنا وَبَيْنَ اللهِ دُونَ خَلْقِهِ لا نَبْتَغِي بِهِمْ بَدَلاً ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيجَةً (١) ، وَبَرِئْنا إِلَى اللهِ مِنْ كُلِّ مَنْ نَصَبَ لَهُمْ حَرْباً مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالاخِرِينَ ، وَكَفَرْنا بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَالْأَوْثانِ الْأَرْبَعَةِ وَأَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَكُلِّ مَنْ والاهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ إِلى آخِرِهِ.

اللهُمَّ إنّا نُشْهِدُكَ أَنّا ندِينُ بِما دانَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَآلُ مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَقَوْلُنا ما قالُوا ، وَدِينُنا ما دانُوا بِهِ ، ما قالُوا بِهِ قُلْنا ، وَما دانُوا بِهِ دِنا ، وَما أَنْكَرُوا أَنْكَرْنا ، وَمَنْ والَوْا والَيْنا ، وَمَنْ عادَوْا عادَيْنا ، وَمَنْ لَعَنُوا لَعَنّا ، وَمَنْ تَبَرَّءُوا مِنْهُ تَبَرَّأْنا مِنْهُ ، وَمَنْ تَرَحَّمُوا عَلَيْهِ تَرَحَّمْنا عَلَيْهِ ، آمَنّا وَسَلَّمْنا وَرَضِينا

__________________

(١) الوليجة : الدخيلة وخاصّتك من الرجال أو من تتخذه معقدا عليه.

٢٧٨

وَاتَّبَعْنا مَوالِينا صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ.

اللهُمَّ فَتَمِّمْ لَنا ذلِكَ وَلا تَسْلُبْناهُ ، وَاجْعَلْهُ مُسْتَقَرّاً ثابِتاً عِنْدَنا ، وَلا تَجْعَلْهُ مُسْتَعاراً ، وَأَحْيِنا ما أَحْيَيْتَنا عَلَيْهِ وَأَمِتْنا إِذا أَمَتَّنا عَلَيْهِ ، آلُ مُحَمَّدٍ أَئِمَّتُنا ، فَبِهِمْ نَأْتَمُّ وَإِيّاهُمْ نُوالِي ، وَعَدُوَّهُمْ عَدُو اللهِ نُعادِي ، فَاجْعَلْنا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرِّبِينَ ، فَانّا بِذلِكَ راضُونَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثمّ تسجد وتحمد الله مائة مرّة وتشكر الله عزّ وجلّ مائة مرّة وأنت ساجد ، فإنّه من فعل ذلك كان كمن حضر ذلك اليوم وبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك ، وكانت درجته مع درجة الصّادقين الّذين صدقوا الله ورسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم ، وكان كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين صلّى الله عليه ومع الحسن والحسين صلّى الله عليهما ، وكمن يكون تحت راية القائم صلّى الله عليه وفي فسطاطه من النّجباء والنّقباء (١).

ومن الدّعوات في يوم عيد الغدير ما ذكره محمّد بن عليّ الطّرازيّ في كتابه رويناه بإسنادنا إلى عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدّثنا هارون بن مسلم ، عن أبي الحسن اللّيثيّ ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته.

أتعرفون يوما شيّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدّين ، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال : لا ، قالوا : أفيوم الأضحى هو؟

قال : لا ، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدّين أشرف منهما ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خم أمر الله عزّ وجلّ جبرئيل عليه‌السلام أن يهبط على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم ، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٢٩٨ ، عنه صدره الوسائل ٨ : ٩٠ ، ١٠ : ٤٤٤ ، وفي مصباح المتهجد : ٧٣٧.

٢٧٩

السلام وأن ينصبه علما للنّاس بعده ، وأن يستخلفه في أمّته.

فهبط إليه وقال له : حبيبي محمّد إنّ الله يقرئك السّلام ، ويقول لك : قم في هذا اليوم بولاية عليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليكون علما لأمّتك بعدك ، يرجعون إليه ، ويكون لهم كأنت ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبيبي جبرئيل إنّي أخاف تغيّر أصحابي لما قد وتروه وأن يبدوا ما يضمرون فيه.

فعرج ، وما لبث أن هبط بأمر الله فقال له : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١).

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذعرا (٢) مرعوبا خائفا من شدّة الرّمضاء (٣) وقدماه تشويان ، وأمر بأن ينظف الموضع ويقمّ (٤) ما تحت الدّوح (٥) من الشوك وغيره ، ففعل ذلك ، ثمّ نادى بالصّلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون وفيمن اجتمع أبو بكر وعمرو عثمان وسائر المهاجرين والأنصار.

ثمّ قام خطيبا وذكر بعده الولاية ، فألزمها للنّاس جميعا فأعلمهم أمر الله بذلك فقال قوم ما قالوا وتناجوا بما أسرّوا.

فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره ، وأن يلبس المؤمن أنظف ثيابه وأفخرها ويتطيّب إمكانه وانبساط يده ثم يقول :

اللهُمَّ إِنَّ هذا الْيَوْمَ شَرَّفْتَنا فِيهِ بِوِلايَةِ وَلِيِّكَ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وَجَعَلْتَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرْتَنا بِمُوالاتِهِ وَطاعَتِهِ وَأَنْ نَتَمَسَّكَ بِما يُقَرِّبُنا إِلَيْكَ ، وَيُزْلِفُنا لَدَيْكَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.

اللهُمَّ قَدْ قَبِلْنا أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ ، وَسَمِعْنا وَأَطَعْنا لِنَبِيِّكَ ، وَسَلَّمْنا وَرَضِينا ، فَنَحْنُ مَوالِيَّ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ ، وَأَوْلِياؤُهُ كَما أَمَرْتَ ، نُوالِيهِ وَنُعادِي مَنْ

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) ذعره : أفزعه.

(٣) الرمضاء : شدة الحر ، الأرض الحامية من شدة حرّ الشمس.

(٤) قمّ البيت : كسحة.

(٥) الدوحة ج دوح : الشجرة العظيمة المتسعة.

٢٨٠