الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

وَاعْلِ فِي عِلِّيِّينَ دَرَجَتِي.

يا مُتَعالِ (١) اسْأَلُكَ بِعُلُوِّكَ انْ تَرْفَعَنِي وَلا تَضَعَنِي ، وَلا تُذِلَّنِي بِمَنْ هُوَ ارْفَعُ مِنِّي ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ هُوَ دُونِي ، وَاسْكِنْ خَوْفَكَ قَلْبِي ، يا حَيُّ ، اسْأَلُكَ بِحَياتِكَ الَّتِي لا تَمُوتُ انْ تُهَوِّنَ عَلَيَّ الْمَوْتَ وَانْ تُحْيِيَنِي حَياةً طَيِّبَةً وَتَوَفَّنِي مَعَ الأَبْرارِ.

يا قَيُّومُ انْتَ الْقائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ (٢) ، وَالْمُقِيمُ بِكُلِّ شَيْءٍ ، اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُطِيعُكَ ، وَيَقُومُ بِأَمْرِكَ وَحَقِّكَ ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِكَ ، يا رَحْمانُ ارْحَمْنِي بِرَحْمَتِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ وَجُودِكَ ، وَنَجِّنِي مِنْ عِقابِكَ ، وَاجِرْنِي مِنْ عَذابِكَ.

يا رَحِيمُ تَعَطَّفْ عَلَيَّ ضُرِّي بِرَحْمَتِكَ وَجُدْ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَرَأْفَتِكَ ، وَخَلِّصْنِي مِنْ عَظِيمِ جُرْمِي بِرَحْمَتِكَ ، فَإِنَّكَ الشَّفِيقُ الرَّفِيقُ ، وَمَنْ لَجَأَ الَيْكَ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَالرُّكْنِ الْوَثِيقِ.

يا مالِكُ مِنْ مُلْكِكَ اطْلُبُ ، وَمِنْ خَزائِنِكَ الَّتِي لا تَنْفَدُ اسْأَلُ ، فَأَعْطِنِي مُلْكَ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ فَإِنَّهُ لا يُعْجِزُكَ وَلا يُنْقُصُكَ شَيْءٌ وَلا يُؤْثَرُ فِيما عِنْدَكَ.

يا قُدُّوسُ انْتَ الطّاهِرُ الْمُقَدَّسُ ، فَطَهِّرْ قَلْبِي ، وَفَرِّغْنِي لِذِكْرِكَ ، وَعَلِّمْنِي ما يَنْفَعُنِي ، وَزِدْنِي عِلْماً الى ما عَلَّمْتَنِي ، يا جَبّارُ بِقُوَّتِكَ اعِنِّي عَلَى الْجَبّارِينَ وَاجْبُرْنِي يا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ ، وَكُلُّ جَبّارٍ خاضِعٌ لَكَ.

يا مُتَكَبِّرُ اكْنُفْنِي بِرُكْنِكَ وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبُغاةِ (٣) ، وَلا تَبْتَلِينِي بِالْمَعاصِي فَاهُونُ عِنْدَكَ وَعِنْدَ خَلْقِكَ ، يا حَلِيمُ عُدْ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ ، وَاسْتُرْنِي بِعَفْوِكَ ، وَاجْعَلْنِي مُؤَدِّياً لِحَقِّكَ ، وَلا تَفْضَحْنِي يَوْمَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ.

يا عَلِيمُ انْتَ الْعالِمُ بِحالِي وَسِرِّي وَجَهْرِي وَخَطايَ وَعَمْدِي ، فَاصْفَحْ لِي

__________________

(١) متعالي ( خ ل ).

(٢) بما كسبت ( خ ل ).

(٣) من خلقك بكبريائك يا عزيز أعزني بطاعتك ولا تذلني ( خ ل ).

٣٦١

عَمّا خَفِيَ عَنْ خَلْقِكَ مِنْ امْرِي ، يا حَكِيمُ اسْأَلُكَ بِما احْكَمْتَ بِهِ الأَشْياءَ فَاتْقَنْتَها انْ تَحْكُمَ لِي بِالإِجابَةِ فِيما اسْأَلُكَ وَارْغَبُ فِيهِ الَيْكَ.

يا سَلامُ سَلِّمْنِي مِنْ مَظالِمِ الْعِبادِ وَمِنْ عَذابِ الْقَبْرِ وَأَهْوالِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، يا مُؤْمِنُ آمِنِّي مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَارْحَمْ ضُرِّي وَذُلَّ مَقامِي وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي مِنْ امْرِ دُنْيايَ وَآخِرَتِي ، يا مُهَيْمِنُ خُذْ بِناصِيَتِي الى رِضاكَ وَاجْعَلْنِي عامِلاً بِطاعَتِكَ مَعْصُوماً عَنْ طاعَةِ مَنْ سِواكَ ، يا بارِئَ الأَشْياءِ عَلى خَيْرِ مِثالٍ ، أَسْأَلُكَ انْ تَجْعَلَنِي مِنَ الصّادِقِينَ الْمَبْرُورِينَ عِنْدَكَ.

يا مُصَوِّرُ صَوَّرْتَنِي فَاحْسَنْتَ صُورَتِي وَخَلَقْتَنِي فَاكْمَلْتَ خَلْقِي ، فَتَمِّمْ احْسَنَ ما انْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ وَلا تُشَوِّهْ خَلْقِي يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يا قَدِيرُ بِقُدْرَتِكَ قَدَّرْتَ وَقَدَّرْتَنِي عَلَى الأَشْياءِ فَاسْأَلُكَ انْ تُحْسِنَ عَلى أُمُورِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ مَعُونَتِي ، وَتُنْجِيَنِي مِنْ سُوءِ أَقْدارِكَ.

يا غَنِيُّ اغْنِنِي بِغِنائِكَ ، وَاوْسِعْ عَلَيَّ عَطاءَكَ (١) ، وَاشْفِنِي بِشِفائِكَ ، وَلا تُبَعِّدْنِي مِنْ سَلامَتِكَ ، يا حَمِيدُ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، وَبِيَدِكَ الامْرُ كُلُّهُ وَمِنْكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ ، اللهُمَّ الْهِمْنِي الشُّكْرَ عَلى ما اعْطَيْتَنِي ، يا مَجِيدُ انْتَ الْمَجِيدُ وَحْدَكَ لا يَفُوتُكَ شَيْءٌ وَلا يَؤُودُكَ شَيْءٌ ، فَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يُقَدِّسُكَ وَيُمَجِّدُكَ وَيُثْنِي عَلَيْكَ.

يا احَدُ انْتَ اللهُ الْفَرْدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً احَدٌ ، فَكُنْ لِيَ اللهُمَّ جاراً وَمُونِساً وَحِصْناً مَنِيعاً ، يا وِتْرُ انْتَ وِتْرُ كُلِّ شَيْءٍ وَلا يَعْدِلُكَ شَيْءٌ فَاجْعَلْ عاقِبَةَ امْرِي الى خَيْرٍ وَاجْعَلْ خَيْرَ ايّامِي يَوْمَ أَلْقاكَ.

يا صَمَدُ يا مَنْ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وَلا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، احْفَظْنِي فِي تَقَلُّبِي (٢) وَنَوْمِي وَيَقْظَتِي ، يا سَمِيعُ اسْمَعْ صَوْتِي ، وَارْحَمْ صَرْخَتِي.

__________________

(١) في عطائك ( خ ل ).

(٢) تخيّلى ( خ ل ).

٣٦٢

يا سَمِيعُ يا مُجِيبُ يا بَصِيرُ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ ، وَنَفَذَ فِيهِ عِلْمُكَ وَكُلُّهُ بِعَيْنِكَ ، فَانْظُرْ الَيَّ بِرَحْمَتِكَ وَلا تُعْرِضْ عَنِّي بِوَجْهِكَ ، يا رَءُوفُ انْتَ ارْأَفُ بِي مِنْ ابِي وَأُمِّي وَلَوْ لا رَأْفَتُكَ لَما عَطَفا عَلَيَّ ، فَتَمِّمْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ وَلا تُنَغِّصْنِي ما اعْطَيْتَنِي.

يا لَطِيفُ الْطُفْ بِي بِلُطْفِكَ الْخَفِيِّ ، مِنْ حَيْثُ اعْلَمُ وَمِنْ حَيْثُ لا اعْلَمُ ، انَّكَ انْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ ، يا حَفِيظُ احْفظْنِي فِي نَفْسِي وَاهْلِي وَمالِي وَوَلَدِي ، وَما حَضَرْتُهُ وَوَعَيْتُهُ ، وَغِبْتُ عَنْهُ مِنْ امْرِي بِما حَفِظْتَ بِهِ السَّماواتِ وَالأَرضِينَ وَما بَيْنَهُما ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يا غَفُورُ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَاسْتُرْ عُيُوبِي ، وَلا تَفْضَحْنِي بِسَرائِرِي انَّكَ ارْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَيا وَدُودُ اجْعَلْ لِي مِنْكَ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَاجْعَلْ لِي ذلِكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، يا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُسَبِّحِينَ الْمُمَجِّدِينَ لَكَ فِي آناءِ اللَّيْلِ وَأَطْرافِ النَّهارِ وَبِالْغُدُوِّ وَالآصالِ ، وَاعِنِّي عَلى ذلِكَ.

يا مُبْدِئُ أَنْتَ بَدَأْتَ الأَشْياءَ كَما تُرِيدُ وَانْتَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْفَعَّالُ لِما تُرِيدُ ، فَاجْعَلْ لِيَ الْخِيَرَةَ فِي الْبَدْءِ وَالْعاقِبَةِ فِي الأُمُورِ ، يا مُعِيدُ انْتَ تُعِيدُ الأَشْياءَ كَما بَدَأْتَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ، اسْأَلُكَ إِعادَةَ الصِّحَّةِ وَالْمالِ وَجَلِيلِ الأَحْوالِ الَيَّ وَالتَّفَضُّلَ بِذلِكَ.

يا رَقِيبُ احْرُسْنِي بِرَقَبَتِكَ وَاعِنِّي بِحِفْظِكَ وَاكْنُفْنِي بِفَضْلِكَ وَلا تَكِلْنِي الى غَيْرِكَ ، يا شَكُورُ انْتَ الْمَشْكُورُ عَلى ما رَعِيتَ وَغَذَّيْتَ وَوَهَبْتَ وَاعْطَيْتَ وَاغْنَيْتَ ، فَاجْعَلْنِي لَكَ مِنَ الشّاكِرِينَ وَلِآلائِكَ مِنَ الْحامِدِينَ.

يا باعِثُ ابْعَثْنِي شَهِيداً صِدِّيقاً رَضِيّاً عَزِيزاً حَمِيداً مُغْتَبِطاً مَسْرُوراً مَشْكُوراً مَحْبُوراً ، يا وارِثُ تَرِثُ الارْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَالسَّماواتِ وَسُكّانَها وَجَمِيعَ ما خَلَقْتَ ، فَوَرِّثْنِي حِلْماً وَعِلْماً انَّكَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.

يا مُحْيِي احْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً بِجُودِكَ ، وَالْهِمْنِي شُكْرَكَ ابَداً ما ابْقَيْتَنِي ،

٣٦٣

وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي عَذابَ النَّارِ ، يا مُحْسِنُ عُدْ عَلَيَّ اللهُمَّ بِإِحْسانِكَ وَضاعِفْ عِنْدِي نِعْمَتَكَ وَجَمِيلَ بَلائِكَ.

يا مُمِيتُ هَوِّنْ عَلَيَّ سَكَراتِ الْمَوْتِ وَغُصَصَهُ ، وَبارِكْ لِي فِيهِ عِنْدَ نُزُولِهِ ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ النّادِمِينَ عِنْدَ مُفارَقَةِ الدُّنْيا ، يا مُجْمِلُ لا تُبْغِضْنِي بِما اعْطَيْتَنِي وَلا تَمْنَعْنِي ما رَزَقْتَنِي وَلا تَحْرِمْنِي ما وَعَدْتَنِي وَجَمِّلْنِي بِطاعَتِكَ.

يا مُنْعِمُ تَمِّمْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ وَآنِسْنِي بِها وَاجْعَلْنِي مِنَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَيْها ، يا مُفْضِلُ بِفَضْلِكَ أَعِيشُ وَلَكَ ارْجُو وَعَلَيْكَ اعْتَمِدُ فَاوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ وَارْزُقْنِي مِنْ حَلالِ رِزْقِكَ.

انْتَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فَاجْعَلْنِي أَوَّلَ التّائِبِينَ وَمِمَّنْ يَرْوى مِنْ حَوْضِ نَبِيِّكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يا آخِرُ انْتَ الآخِرُ وَكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ الاّ وَجْهَكَ تَعالَيْتَ عُلُوّاً كَبِيراً.

يا ظاهِرُ انْتَ الظّاهِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مَكْنُونٍ وَالْعالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ مَكْتُومٍ ، فَاسْأَلُكَ انْ تُظْهِرَ مِنْ أُمُورِي أَحَبَّها الَيْكَ ، يا باطِنُ انْتَ تُبْطِنُ فِي الأَشْياءِ مِثْلَ ما تُظْهِرُهُ فِيها وَانْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ ، فَاسْأَلُكَ اللهُمَّ انْ تُصْلِحَ ظاهِرِي وَباطِنِي بِقُدْرَتِكَ.

يا قاهِرُ انْتَ الَّذِي قَهَرْتَ الأَشْياءَ بِقُدْرَتِكَ ، فَكُلُّ جَبّارٍ دُونَكَ وَنَواصِي الْخَلْقِ كُلُّهُمْ بِيَدِكَ ، وَكُلُّهُمْ واقِفٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَخاضِعٌ لَكَ ، يا وَهّابُ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَعِلْماً وَمالاً وَوَلَداً طَيِّباً انَّكَ انْتَ الْوَهّابُ.

يا فَتّاحُ افْتَحْ لِي أَبْوابَ رَحْمَتِكَ ، وَادْخِلْنِي فِيها ، وَاعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، وَافْتَحْ لِي مِنْ فَضْلِكَ ، يا رَزّاقُ ارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ ، وَزِدْنِي مِنْ عَطائِكَ ، وَسَعَةِ ما عِنْدَكَ ، وَاغْنِنِي عَنْ خَلْقِكَ ، يا خَلاّقُ انْتَ خَلَقْتَ الأَشْياءَ بِغَيْرِ نَصَبٍ وَلا لُغُوبٍ (١) ، خَلَقْتَنِي خَلْقاً سَوِيّاً حَسَناً جَمِيلاً ، وَفَضَّلْتَنِي عَلى كَثِيرٍ

__________________

(١) نصب : تعب واعيا ، لغب : تعب واعيا أشد الإعياء.

٣٦٤

مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلاً.

يا قاضِي انْتَ تَقْضِي فِي خَلْقِكَ بِما تُرِيدُ ، فَاقْضِ لِي بِالْحُسْنى وَجَنِّبْنِي الرَّدى وَاخْتِمْ لِي بِالْحُسْنى فِي الاخِرَةِ وَالأُولى ، يا حَنّانُ تَحَنَّنْ عَلَيَّ بِرَأْفَتِكَ ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِرِزْقِكَ ، وَرَحْمَتِكَ ، وَاقْبِضْ عَنِّي يَدَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَشَيْطانٍ مَرِيدٍ ، وَاخْرِجْنِي بِعِزَّتِكَ مِنْ حِلَقِ الْمَضِيقِ الى فَرَجِكَ الْقَرِيبِ.

يا مَنّانُ امْنُنْ عَلَيَّ بِالْعافِيَةِ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ وَلا تَسْلُبْنِيها ابَداً ما ابْقَيْتَنِي يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ ، اغْفِرْ لِي بِجَلالِكَ وَكَرَمِكَ مَغْفِرَةً تُحِلُّ بِها عَنِّي قُيُودَ ذُنُوبِي وَتَغْفِرَ لِي سَيِّئاتِي انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يا جَوادُ انْتَ الْجَوادُ الْكَرِيمُ الَّذِي لا تَبْخَلُ ، وَالْمُعْطِي الَّذِي لا تَنْكَلُ (١) ، فَجُدْ عَلَيَّ بِكَرَمِكَ وَاجْعَلْنِي شاكِراً لِانْعامِكَ ، يا قَوِيُّ خَلَقْتَ السَّماواتِ وَما فِي الارْضِ وَما بَيْنَهُما وَما فِيهِما وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ بِغَيْرِ نَصَبٍ وَلا لُغُوبٍ ، فَقَوِّنِي عَلى امْرِي بِقُوَّتِكَ.

يا شَدِيدُ اشْدُدْ ازْرِي وَاعِنِّي عَلى امْرِي وَكُنْ لِي مِنْ كُلِّ خاصَةٍ قاضِياً ، يا غالِبُ غَلَبْتَ كُلَّ غَلاّبٍ بِقُدْرَتِكَ فَاغْلِبْ بالِي وَهَوايَ حَتّى تَرُدَّهُما الى طاعَتِكَ وَاغْلِبْ بِعِزَّتِكَ مَنْ بَغى عَلَيَّ وَرامَ حَرْبِي.

يا دَيّانُ انْتَ تَحْشُرُ الْخَلْقَ وَعَلَيْكَ الْعَرْضُ وَكُلٌّ يُدِينُ لَكَ وَيَقِرُّ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ بِعِزَّتِكَ ، يا ذَكُورُ اذْكُرْنِي فِي الْأَوَّلِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَعِنْدَ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ.

يا خَفِيُّ انْتَ تَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى وَهُوَ ظاهِرٌ عِنْدَكَ فَاغْفِرْ لِي ما خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِنْ امْرِي ، وَلا تَهْتِكْنِي يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى رُءُوسِ الأَشْهادِ ، يا جَلِيلُ جَلَلْتَ عَنِ الأَشْياءِ ، فَكُلُّها صَغِيرَةٌ عِنْدَكَ فَاعْطِنِي مِنْ جَلائِلِ نِعْمَتِكَ ، وَلا تَحْرِمْنِي مِنْ فَضْلِكَ.

__________________

(١) نكله عن الشيء : صرفه ، نكل عن كذا : نكص وجبن.

٣٦٥

يا مُنْقِذُ انْقِذْنِي مِنَ الْهَلاكِ وَاكْشِفْ عَنِّي غَمّاءَ الضَّلالاتِ ، وَخَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ مُوبِقَةٍ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كُلَّ مُلِمَّةٍ ، يا رَفِيعُ ارْتَفَعْتَ عَنْ انْ يَبْلُغَكَ وَصْفٌ اوْ يُدْرِكَكَ نَعْتٌ اوْ يُقاسَ بِكَ قِياسٌ فَارْفَعْنِي فِي عِلِّيِّينَ.

يا قابِضُ كُلُّ شَيْءٍ فِي قَبْضَتِكَ مُحِيطٌ بِهِ قُدْرَتُكَ ، فَاجْعَلْنِي فِي ضَمانِكَ وَحِفْظِكَ وَلا تَقْبِضْ يَدَيَّ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ افْعَلُهُ ، يا باسِطُ ابْسُطْ يَدَيَّ بِالْخَيْراتِ ، وَاعْطِنِي بِقُدْرَتِكَ أَعْلى الدَّرَجاتِ.

يا واسِعُ وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ، فَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِي ، يا شَفِيقُ انْتَ اشْفَقُ عَلَى خَلْقِكَ مِنْ آبائِهِمْ وَأُمَّهاتِهِمْ وَارْأَفُ بِهِمْ ، فَاجْعَلْنِي شَفِيقاً رَفِيقاً وَكُنْ بِي شَفِيقاً رَفِيقاً بِرَحْمَتِكَ.

يا رَفِيقُ ارْفَقْ بِي إِذا اخْطَأْتُ وَتَجاوَزْ عَنِّى إِذا اسَأْتُ وَأْمُرْ مَلَكَ الْمَوْتِ وَأَعْوانَهُ عَلَيْهِمْ السَّلامُ انْ يَرْفَقُوا بِرُوحِي إِذا أَخْرَجُوها عَنْ جَسَدِي وَلا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ.

يا مُنْشِئُ انْشَأْتَ كُلَّ شَيْءٍ كَما ارَدْتَ وَخَلَقْتَ ما احْبَبْتَ ، فَبِتِلْكَ الْقُدْرَةِ أَنْشأنِي سَعِيداً مَسْعُوداً فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَانْشَأْتَ ذُرِّيَّتِي وَما ذَرَعْتَ وَبَذَرْتَ فِي ارْضِكَ ، وَانْشَأْ مَعاشِي وَرِزْقِي وَبارِكْ لِي فِيهِما بِرَحْمَتِكَ.

يا بَدِيعُ انْتَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالارْضِ وَمُبْدِعُهُما وَلَيْسَ لَكَ شِبْهٌ (١) وَلا يَلْحَقُكَ وَصْفٌ ، وَلا يُحِيطُ بِكَ فَهْمٌ ، يا مَنِيعُ لا تَمْنَعْنِي ما اطْلُبُ مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَامْنَعْ عَنِّي كُلَّ مَحْذُورٍ وَمَخُوفٍ ، يا تَوَّابُ اقْبَلْ تَوْبَتِي وَارْحَمْ عَبْرَتِي وَاصْفَحْ عَنْ خَطِيئَتِي وَلا تَحْرِمْنِي ثَوابَ عَمَلِي.

يا قَرِيبُ قَرِّبْنِي مِنْ جِوارِكَ وَاجْعَلْنِي فِي حِفْظِكَ وَكَنَفِكَ ، وَلا تُبَعِّدْنِي عَنْكَ بِرَحْمَتِكَ ، يا مُجِيبُ اجِبْ دُعائِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلا تَحْرِمْنِي الثَّوابَ كَما وَعَدْتَنِي.

__________________

(١) شبيه ( خ ل ).

٣٦٦

يا مُنْعِمُ بَدَأْتَ بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقاقِها وَقَبْلَ السُّؤالِ بِها فَكَذلِكَ إِتْمامَها بِالْكَمالِ وَالزِّيادَةِ مِنْ فَضْلِكَ يا ذَا الإِفْضالِ (١) ، يا مُفْضِلُ لَوْ لا فَضْلُكَ هَلَكْنا فَلا تُقَصِّرْ عَنّا فَضْلَكَ ، يا مَنّانُ فَامْنُنْ عَلَيْنا بِالدَّوامِ يا ذَا الإِحْسانِ.

يا مَعْرُوفُ انْتَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي لا يَجْهَلُ ، وَمَعْرُوفُكَ ظاهِرٌ لا يُنْكَلُ ، فَلا تَسْلُبْنا ما أَوْدَعْتَناهُ مِنْ مَعْرُوفِكَ بِرَحْمَتِكَ ، يا خَبِيرُ خَبَّرْتَ الأَشْياءَ قَبْلَ كَوْنِها وَخَلَقْتَها عَلى عِلْمٍ مِنْكَ بِها ، فَانْتَ أَوَّلُها وَآخِرُها ، فَزِدْنِي خَيْراً بِها الْهَمْتَنِيهِ مِنْ شُكْرِكَ وَبَصِيرَةٍ.

يا مُعْطِي اعْطِنِي مِنْ جَلِيلِ عَطاءِكَ ، وَبارِكْ لِي فِي قَضائِكَ ، وَاسْكِنِّي بِرَحْمَتِكَ فِي جِوارِكَ ، يا مُعِينُ اعِنِّي عَلى أُمُورِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ بِقُوَّتِكَ ، وَلا تَكِلْنِي فِي شَيْءٍ الى غَيْرِكَ ، يا سَتّارُ اسْتُرْ عُيُوبِي وَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَاحْفَظْنِي فِي مَشْهَدِي وَمَغِيبِي.

يا شَهِيدُ اشْهِدُكَ اللهُمَّ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ وَمَلائِكَتِكَ ، انَّهُ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، فَاكْتُبْ هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ وَنَجِّنِي بِها مِنْ عَذابِكَ ، يا فاطِرُ انْتَ فاطِرُ السَّماواتِ وَالارْضِ وَما بَيْنَهُما وَما فِيهِما فَكُنْ لِي فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَتَوَفَّنِي مُسْلِماً ، وَالْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

يا مُرْشِدُ ارْشِدْنِي الَى الْخَيْرِ بِعِزَّتِكَ وَجَنِّبْنِي السَّيِّئاتِ بِعِصْمَتِكَ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ الْقِيامَةِ ، يا سَيِّدَ السَّاداتِ وَمَوْلَى الْمَوالِي ، الَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ شَيْءٍ فَانْظُرْ الَيَّ بِعَيْنِ عَفْوِكَ.

يا سَيِّدُ انْتَ سَيِّدِي وَعِمادِي وَمُعْتَمَدِي ، وَذُخْرِي وَذَخِيرَتِي وَكَهْفِي فَلا تَخْذُلْنِي ، يا مُحِيطُ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمُكَ ، وَوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَتُكَ ، فَاجْعَلْنِي فِي ضَمانِكَ ، وَحُطْنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِقُدْرَتِكَ.

يا مُجِيرُ اجِرْنِي مِنْ عِقابِكَ وَآمِنِّي مِنْ عَذابِكَ ، اللهُمَّ إِنِّي خائِفٌ وَانِّي

__________________

(١) يا ذا الفضل ( خ ل ).

٣٦٧

مُسْتَجِيرٌ بِكَ فَاجِرْنِي مِنَ النّارِ بِرَحْمَتِكَ ، يا اهْلَ التَّقْوى وَاهْلَ الْمَغْفِرَةِ.

يا عَدْلُ انْتَ اعْدَلُ الْحاكِمِينَ وَارْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَالْطُفْ لَنا بِرَحْمَتِكَ ، وَآتِنا شَيْئاً بِقُدْرَتِكَ ، وَوَفِّقْنا لِطاعَتِكَ ، وَلا تَبْتَلِنا بِما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، وَخَلِّصْنا مِنْ مَظالِمِ الْعِبادِ ، وَأَجِرْنا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَغَشْمِ (١) الْغاشِمِينَ بِقُدْرَتِكَ ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهُمَّ اسْمَعْ دُعائِي ، وَاقْبَلْ ثَنائِي ، وَعَجِّلْ إِجابَتِي ، وَآتِنِي فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ الطّاهِرِينَ.

فصل (٦)

فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة أيضا لأهل المواسم من المراسم وصدقة مولانا علي عليه‌السلام بالخاتم

اعلم انّ في مثل هذا يوم المباهلة ، أطلق الله جلّ جلاله مواهب ومراتب فاضلة لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فينبغي ان يعرف منها ما يبلغ جهد الناظر إليه.

منها : انّه يوم تصدّق فيه مولانا علي عليه‌السلام على السّائل بخاتمه وهو راكع ، حتّى انزل جلّ جلاله على رسوله محمد صلوات الله عليه وسلامه :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ. ) (٢)

فكانت هذه الآيات بما اشتملت عليه من الصفات ، نصّا من الله جلّ جلاله صريحا على مولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالولاية من ربّ العالمين وعن سيد المرسلين

__________________

(١) الغشم : الظلم.

(٢) المائدة : ٥٤ ـ ٥٧.

٣٦٨

وانه أمير المؤمنين.

فمن الصفات فيها قوله جلّ جلاله : ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ).

وقد شهد من روى هذه الآيات من المخالف والمؤالف ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمولانا علي عليه‌السلام لما انهزم المسلمون في خيبر : « لأعطين الرّاية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرّارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله عليه » (١) ،

وقال النبي عليه‌السلام في حديث الطائر : « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر » (٢).

فكان مولانا علي سلام الله عليه هو المشهود له بهذه المحبّة الباهرة والصّفة الظاهرة.

ومن الصفات قوله جلّ جلاله : ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ).

ولم يجتمع هاتان الصفتان المتضادّتان في أحد من القرابة والصّحابة إلاّ في مولانا علي صلوات الله عليه ، فإنّه عليه‌السلام كان في حال التفرّغ من الحروب على الصفات المكمّلة من الذلّ لعلاّم الغيوب وحسن صحابة المؤمنين والرحمة للضعفاء والمساكين ، وكان في حال الحرب على ما هو معلوم من الشّدة على الكافرين ، والاقدام على كلّ هول في ملاقاة الابطال والظالمين ، حتّى انّ من يراه في حال احتمال أهوال الجهاد يكاد ان يقول : هذا الذي رأيناه من قبل من أذلّ العبّاد والزهّاد.

ومن الصفات قوله جلّ جلاله : ( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ).

وما عرفنا أبدا انّ أحدا من القرابة والصحابة الّذي نازعوه في إمامته ورئاسته ، الاّ وكان له في الأمور العظائم موقف اقدام وموقف احجام الاّ مولانا علي صلوات الله عليه ، فإنّه كان على صفة واحدة في الاقدام عند العظائم ، لا يخاف لومة لائم منذ بعث النبي صلوات الله عليه إلى العباد وإلى حين انتقل مولانا علي عليه‌السلام إلى سلطان المعاد.

ومن الصفات وصف الله جلّ جلاله : ( أُولئِكَ الَّذِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ

__________________

(١) راجع الطرائف : ٥٥ ـ ٥٩.

(٢) راجع الطرائف : ٧١ ـ ٧٢.

٣٦٩

لائِمٍ ) بالآية التي بعدها بغير فصل بلفظ خاص كشف فيه مراده جلّ جلاله لأهل البصائر والمعالم ، فقال : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ).

فبدء بولاية الله جلّ جلاله التي هي شاملة على جميع الخلائق ، ثم بولاية رسوله صلوات الله عليه على ذلك الوصف السابق ، ثم بولاية الذي تصدق بخاتمه وهو راكع ، على الوصف الواضح اللاحق ، فكيف يحسن المكابرة بعد هذا الكشف لأهل الحقائق بمحكم القرآن الناطق.

ومن الصفات قوله جلّ جلاله : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ).

وهذا إطلاق لهؤلاء الموصوفين بالغلبة العامّة والحجّة التّامة ، وهي صفة من يكون معصوما في المسالك والمذاهب ، ولم يدّع عصمة واجبة لأحد نازع مولانا علي عليه‌السلام في شيء من المراتب والمناصب ، فكانت هذه الآيات دالّة على انّ مولانا عليا صلوات الله عليه المراد بها فيما تضمّنته من الولايات.

فصل (٧)

فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى انّ هذه الآية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (١) نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام من طرق أهل الخلاف

اعلم انّنا ذكرنا في كتاب الطرائف بعض من روى هذا من طرق المخالف ، وانا أذكر في هذا المكان من يحضرني أسماؤهم منهم لئلا يطول الكلام بذكر اخبارهم على التفصيل والبيان :

فممّن روى ذلك من أهل الخلاف مصنّف كتاب الجمع بين الصحاح الستة ، من الجزء الثالث من اجزاء الثلاثة ، ورواه الثعلبي في كتابه في تفسير القرآن عن السّدي

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

٣٧٠

وعتبة بن أبي حكيم ، ورواه أيضا عن عباية بن الربعي وعن ابن عباس وعن أبي ذر ، ورواه أيضا الشافعي ابن المغازلي من خمس طرق ، ورواه أيضا علي بن عابس وعبد الله بن عطاء ، ورواه الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن ، واجمع أهل البيت الذين وصفهم النبي صلوات الله عليه وآله انّهم لا يفارقون كتابه حتّى يردوا عليه الحوض انّ هذه الآية نزلت في مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأطبق على ذلك الشيعة الّذين تثبت الحجّة بما أطبقوا عليه (١).

فصل (٨)

فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن

روينا ذلك عن جماعة من الأعيان والإخوان ، أحدهم جدّي أبو جعفر الطوسي فيما يذكره في المصباح في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة ، فقال ما هذا لفظه :

في هذا اليوم تصدّق أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخاتمه وهو راكع للصلاة فيه ، روي عن الصادق عليه‌السلام انّه قال : من صلّى في هذا اليوم ركعتين قبل الزوال بنصف ساعة ، شكرا لله على ما منّ به عليه وخصّه به ، يقرأ في كلّ ركعة أم الكتاب مرّة واحدة ، وعشر مرّات ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، وعشر مرات آية الكرسي إلى قوله تعالى : ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) ، وَعشر مرات ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، عدلت عند الله مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ولم يسأل ، الله عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الاّ قضاها له ، كائنة ما كانت إن شاء الله ، وهذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير » (٢).

أقول : فإذا عملت ما أشرنا إليه فاعلم ، انّ من العمل الزائد الذي يعتمد عليه ، ان تجعل هذا اليوم محلاّ لبذل الصدقات على أهل الضرورات ، اقتداء بمن يعتدي به صلوات الله عليه ، ومبادرة واغتناما لهذا الموسم الذي كانت الصدقة فيه مفتاحا لما

__________________

(١) رواه الزمخشري في الكشاف ١ : ٦٢٤ ، الثعلبي في تفسيره عنه إحقاق الحق ٢ : ٤٠٢ و ٤ : ٥٩ والبحار ٣٥ : ١٩٥ ، وفي ذخائر العقبى : ١٠٢ ، ينابيع المودة : ٢١٨ ، المناقب لابن المغازلي : ٣٢١ ، الطرائف : ٤٧.

(٢) مصباح المتهجد : ٧٥٨.

٣٧١

لم تبلغ الآمال إليه ، فعسى يأتيك من فضل الله جلّ جلاله عند صدقاتك ما لم يبلغ أملك إليه من سعاداتك.

فانّ لأوقات القبول أسرارا لله جلّ جلاله ما تعرف الاّ بالمنقول ، وقد نصّ القرآن العظيم والرسول الكريم انّ هذا اليوم فيه كان بذل العطاء الجزيل بالتصدق بالقليل ، ولتكن نيتك مجرّدة العبادة لله جلّ جلاله هذه الحال ، لأنّه جلّ جلاله أهل أن يعبد بما يريده من صواب الأعمال.

فصل (٩)

فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم كلّ وقت عند العارفين بقدر ما تفضّل الله جلّ جلاله على أوليائه المعظمين وعلى المسلمين

وإذا كان الله جلّ جلاله قد جعله محلاّ للنصّ على من يقوم مقام صاحب الرسالة ، فقد بالغ جلّ جلاله في تعظيمه بما دلّ عليه من الجلالة ، فليكن العارف بهذا المقدار مشغولا بحمد الله جلّ جلاله ، على ما وهب من المسارّ ودفع من الاخطار ، وعلى قدر ما أضاء بهذا اليوم من ظلمات الجهالات ، بما أنار فيه من الدّلالات ، وعلى قدر ما أوضح فيه من السبيل إلى النّعيم المقيم الجليل.

أقول : وامّا ما يختم به آخر هذا اليوم الراجح من العمل الصالح :

فاعلم انّنا قد قدّمنا في عدّة مقامات معظّمات ما يختم به ساعات تلك الأوقات ، فان ظفرت بشيء ممّا قدّمناه فاعمل في ذلك بما يقربك إلى الله جلّ جلاله والظفر برضاه ، ونذكر هاهنا ان تكون خاتمة نهار يوم الابتهال ويوم نصّ الله جلّ جلاله على مولانا علي عليه‌السلام بصريح مقال بعد ما ذكرناه من الأعمال.

من ان تنظر إلى جميع ما عملت فيه ، من طاعة الله جلّ جلاله ومراضيه ، بعين الاعتراف لله جلّ جلاله ولأهل تلك المقامات الكاملة بالمنّة العظيمة الفاضلة ، فانّ أعمالك ، وان كثرت في المقدار ، فإنّها لا تقوم بحقّ الله جلّ جلاله وحقوق القوم الأطهار ، بل هي من مكاسبهم ومعدودة من مناقبهم ، إذ كانوا الفاتحين لأبوابها والهادين

٣٧٢

إلى صوابها.

وان تجمع بلسان الحال أطراف عباداتك وتضمّها بين يدي الذين جعلهم الله جلّ جلاله من أسباب حياتك وأبواب نجاتك ، وتتوجّه إليهم بالله جلّ جلاله ، وبكل من يعزّ عليهم ، وتتوجّه إلى الله جلّ جلاله بهم في ان يأذن لهم في تسليم أعمالك إليهم ليصلحوا منها ما كان قاصرا ويربحوا فيها ما كان خاسرا ، ويعوّضوها بيد قبولهم ، ويدخلوها في سعة قبول الله جلّ جلاله لأعمالهم وبلوغ آمالهم.

٣٧٣

الباب السابع

فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ويومها

وفيه فصول :

فصل (١)

فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير

روينا ذلك بعدة طرق ، منها ما ذكره جدّي أبو جعفر الطوسي في كتاب المصباح ، فقال : « وفي ليلة خمس وعشرين سنة ـ يعني من ذي الحجّة ـ تصدّق أمير المؤمنين وفاطمة عليهما‌السلام ، وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفي الحسن والحسين عليهما‌السلام سورة هل أتى » (١).

لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامّة العرب ، فقال : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك وكلّ نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء ، فقال علي عليه‌السلام : ان براء ولداي : ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام شكرا لله عزّ وجلّ ، وقالت فاطمة وجاريتهم فضّة مثل ذلك ، فالبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق علي عليه‌السلام إلى شمعون بن

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧٦٧.

٣٧٤

حاريا الخيبري فاقترض منه ثلاثة أصوع من شعير.

أقول : ورويت ببعض أسانيدي ، انّ صدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما على المسكين واليتيم والأسير كانت في ثلاث ليال ، فيمكن ان يكون أول الثلاثة ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة.

فمن الرواية في ذلك قال : فانطلق علي عليه‌السلام إلى جار له من اليهود يعالج الصوف ، يقال له : شمعون بن حاريا ، فقال له : هل لك ان تعطيني جزّة من الصوف تعزلها بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أصوع من شعير؟ فقال : نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف وبالشعير ، فأخبر عليه‌السلام فاطمة عليها‌السلام بذلك ، فقبلت وأطاعت.

قالوا : فقامت فاطمة عليها‌السلام فطحنته واختبزت منه خمسة اقراص ، لكلّ واحد منهم قرص وصلّى عليّ مع النبي صلوات الله عليهما المغرب وأتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة ، فسمعه علي عليه‌السلام فأمر بإعطائه فأعطوه.

فمكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح ، فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها‌السلام إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى عليّ مع النبي عليهما‌السلام ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، فأتاهم يتيم فوقف بالباب وقال : السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والديّ يوم العقبة ، اطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة. فسمعه علي عليه‌السلام فأمر بإعطائه فأعطوه.

ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح ، فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها‌السلام إلى الصاع الثالث فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتى المنزل ثم وضع الطعام بين يديه وأتاهم أسير فوقف بالباب فقال :

السلام عليكم أهل بيت محمد ، تأسرونا ولا تطعمونا ، فسمعه علي عليه‌السلام فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح.

فلمّا كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى

٣٧٥

الحسين ، وأقبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، فلمّا بصر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا أبا الحسن ما أشدّ ما أراه بكم ، فانطلق بنا إلى منزل فاطمة.

فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلمّا رآها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا ، فهبط جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد خذ ما هنّاك الله في أهل بيتك ، فقال : ما آخذ يا جبرئيل ، فاقرأه عليه :

« هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ـ الى قوله : إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ـ الى آخر السورة. » (١) أقول : وزاد محمد بن الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة : انّهم عليهم‌السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام.

أقول : وروي حديث نزول المائدة عليهم أيضا موفّق ، أي أحمد المكي الخوارزمي (٢).

أقول : وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في كتاب الكشاف ولكنّه لم يذكر نزولها في الوقت الّذي ذكرناه ، فقال ما هذا لفظه :

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه جاع في زمن قحط ، فأهدت له فاطمة عليها‌السلام رغيفين وبضعة لحم ، اثرته بها ، فرجع بها إليها فقال : هلمّي يا بنيّة وكشفت عن الطبق ، فإذا هو مملوّ خبزا ولحما ، فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله ، فقال لها صلوات الله عليه : أنّى لك هذا؟ قال : هو من عند الله انّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال عليه‌السلام : الحمد لله الذي جعلك شبيه سيّدة نساء بني إسرائيل ، ثم جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتّى شبعوا وبقي الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرانها (٣).

__________________

(١) نقله بتفصيله في الطرائف : ١٠٧ إلى ١٠٩ عن الثعلبي عن ابن عباس.

(٢) المناقب للخوارزمي : ١٨٨.

(٣) الكشاف ١ : ٣٥٨.

٣٧٦

أقول : وروي حديث نزول هذه الآيات من هل أتى في مدح مولانا علي وفاطمة والحسن والحسين ، علي بن أحمد الواحدي النيشابوري المخالف لأهل البيت في كتاب أسباب النزول (١).

فصل (٢)

فيما نذكره من العبادات لربّ العالمين في هذه ليلة خمس وعشرين

اعلم انّ أوقات العبادات والمراد منها لله جلّ جلاله في تلك الأوقات مرجعه إلى العالم بمصالح العباد ، وما يكون أنفع لهم في الدنيا والمعاد ، لما عرفنا انّ صدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما في هذه الليلة بالمقدار اليسير بلغ بهم إلى المقام الكبير والثناء عليهم بلفظ الكتاب المجيد وما وهب لهم من المزيد ، وكانوا قدوة لمن اقتدى بآثارهم واهتدى بأنوارهم.

اقتضى ذلك بلسان الحال ان يكون في هذه الليلة من جملة ثواب الأعمال التصدّق على الفقراء والإسراء والأيتام والمساكين والإيثار على النفس والأقربين ، موافقة لأهل الإيثار ، ومتابعة للاطهار ، وتعرّضا لنفحات مالك المراحم والمكارم والمبار ، ودخول فيما فتحه الله جلّ جلاله في تلك الليلة من الأنوار والأسرار.

فصل (٣)

فيما نذكره ممّا يعمل يوم خامس وعشرين من ذي الحجّة

اعلم انّ هذا يوم عظيم الشأن اثنى الله جلّ جلاله على خاصّته ببيان لفظ مقدس القرآن ، فهو يوم يحسن ان يقرب فيه إلى الله جلّ جلاله بصلوات الشكر ، على ما وهب لأهل الذكر وولاة الأمر ، ويبالغ العبد فيه بحق الاعتراف والانعام والاسعاف.

روينا بإسنادنا إلى شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ضاعف الله جلّ جلاله

__________________

(١) راجع أسباب النزول للواحدي : ٣٣١ ، المناقب لابن المغازلي : ٢٧٢ ، شواهد التنزيل ٢ : ٣٠٣ ، كفاية الطالب : ٢٠١ ، ينابيع المودة : ٩٣ ، البحار ٣٥ : ٢٤٨.

٣٧٧

له تحف الرضوان ، فيما ذكره في كتاب حدائق الرياض وزهرة المرتاض عند ذكر شهر ذي الحجّة فقال ما هذا لفظه :

وفي يوم الخامس والعشرين منه نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهما‌السلام سورة هل أتى ، ويستحب صيامه على ما أظهره الله تعالى ذكره من فضل صفوته وعترة رسوله وحجّته على خلقه.

أقول : وامّا صحبة هذا اليوم بحفظ حرمته والعمل في خاتمته ، فقد قدّمنا في الأيام المعظمات ما يغني عن تكراره لمن عرفه.

أقول : وفي السادس والعشرين من ذي الحجّة قتل عدوّ لأهل بيت النبوة عليهم‌السلام ، وفي اليوم السابع والعشرين منه كان قتل مروان وزوال دولة بني أميّة بالكليّة ، فهذا يقتضي أن يكونا يومي سرور وصوم وصلاة شكر وصدقات عند ذوي البصائر والأبصار والعنايات ، وهو مذكور وصفه في غير هذه الروايات.

٣٧٨

الباب الثامن

فيما نذكره مما يتعلّق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجّة وما يستحبّ فيه لأهل الظفر بصواب المحجة

روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان الله جلّ جلاله عليه من كتاب حدائق الرياض المشار إليه عند ذكر اليوم التاسع والعشرين من ذي الحجّة فقال ما هذا لفظه : ويستحب صيامه شكرا لله تعالى لتفريجه عن أوليائه بموت عدوه وعدو رسوله.

أقول : وإذا كان هذا اليوم كما أشار إليه المفيد رحمه‌الله ، فينبغي ان يكون السرور فيه والعمل لله جلّ جلاله بمراضيه ، والشكر له سبحانه والثناء على برّه ، على قدر نعمة هلاك عدوّه الذي أشار إلى ذكره ، فان كان عدوا عظيما ، فليكن ما يفعله العبد في مقابلته عظيما جليلا ، ويكون الشكر لله جلّ جلاله جسيما جميلا.

أقول : وما أصحبه هذا اليوم بما يليق به من الاعتراف لله جلّ جلاله بمنّته وكمال الأوصاف عند خاتمته ، فهو ان يكون عداوتك لمن عاد الله جلّ جلاله لأجله ولمن عادى رسوله صلوات الله عليه ، على قدر ما وضع من محلّه ، ولمن عادى أولياء الله على قدر اسائته إليهم ، وما ادخل العدو من الضرر عليهم ، ولا تكون عداوتك لدنيا فانية ولا لأغراض واهية ، وإذا كان آخر نهار اليوم المذكور فاختمه بالآداب الّتي قدمناها في أيام السّرور.

٣٧٩

الباب التاسع

فيما نذكره من عمل آخر يوم ذي الحجّة

يصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ، وعشر دفعات سورة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وعشر دفعات آية الكرسي ، ثم تدعوا وتقول :

اللهُمَّ ما عَمِلْتُ فِي هذِهِ السَّنَةِ مِنْ عَمَلٍ ، نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَلَمْ تَرْضَهُ ، وَنَسيتُهُ وَلَمْ تَنْسَهُ ، وَدَعَوْتَنِي الَى التَّوْبَةِ بَعْدَ اجْتِرائِي عَلَيْكَ ، اللهُمَّ فَانِّي اسْتَغْفِرُكَ مِنْهُ فَاغْفِرْ لِي ، وَما عَمِلْتُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي الَيْكَ فَاقْبَلْهُ مِنِّي ، وَلا تَقْطَعْ رَجائِي مِنْكَ يا كَرِيمُ.

قال : فإذا قلت هذا قال الشيطان : يا ويله ما تعبت فيه هذه السّنة هدمه اجمع بهذه الكلامات وشهدت له السنة الماضية انه قد ختمها بخير (١).

أقول : ووجدت في بعض الكتب لفظ آخر بعد الصلاة في هذا اليوم وهو ان يقول :

اللهُمَّ ما عَمِلْتُ فِي هذِهِ السَّنَةِ مِنْ عَمَلٍ صالِحٍ وَوَعَدْتَنِي انْ تُعْطِيَنِي عَلَيْهِ الثَّوابَ ، فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي بِفَضْلِكَ وَسَعَةِ رَحْمَتِكَ ، وَلا تَقْطَعْ رَجائِي ، وَلا تُخَيِّبْ دُعائِي ، اللهُمَّ وَما عَمِلتُ فِي هذِهِ السَّنَةِ مِمّا نَهَيْتَنِي عَنْهُ ، وَتَجَرَّأْتُ عَلَيْهِ ، فَانِّي اسْتَغْفِرُكَ لِذلِكَ كُلِّهِ فَاغْفِرْ لِي يا غَفُورُ.

__________________

(١) عنه المستدرك ٦ : ٣٩٧.

٣٨٠