الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

في بلد أبيه إسماعيل ـ يعني مكة ـ كثير الأزواج قليل الأولاد نسله من مباركة صدّيقة ، يكون له منها ابنة ، لها فرخان سيدان يستشهدان ، اجعل نسل أحمد منهما ، فطوباهما ولمن أحبّهما وشهد أيامهما فنصرهما.

قال عيسى عليه‌السلام : الهي وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنّة ساقها وأغصانها من ذهب وورقها حلل وحملها كثدي الأبكار ، احلى من العسل وألين من الزبد وماؤها من تسنيم لو انّ غرابا طار وهو فرخ لأدركه الهرم من قبل ان يقطعها ، وليس منزل من منازل أهل الجنّة الاّ وظلاله (١) فنن (٢) من تلك الشجرة ، قال : فلمّا أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عزّ وجلّ إلى المسيح عليه‌السلام من نعت محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفته وملك أمته وذكر ذريته وأهل بيته ، أمسك الرجلان مخصومين وانقطع التحاور بينهم في ذلك.

قال : فلمّا فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبيّنوه بينوه في الصحف القديمة ولم يتمّ لهما ما قدّروا من تحريفها ولم يمكنهما ان يلتبسا (٣) على الناس في تأويلهما امسكا عن المنازعة من هذا الوجه وعلما انّهما قد أخطأ سبيل الصواب فصار إلى معبدهم (٤) آسفين (٥) لينظرا ويرتئيا (٦) ، وفزع إليهما نصارى نجران ، فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما ، فقالا : ما معناه تمسّكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد وسنسير إلى بني قريش إلى يثرب وننظر إلى ما جاء به وإلى ما يدعوا إليه.

قال : فلمّا تجهّز السيد والعاقب للمسير إلى رسول الله بالمدينة انتدب (٧) معهما أربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلا وعلما في أنفسهم وسبعون رجلا

__________________

(١) فظلاله ( خ ل ).

(٢) الفنن : الأغصان.

(٣) ان يلبسا ( خ ل ).

(٤) بيعتهم ( خ ل ).

(٥) الأسف : أشد الحزن.

(٦) ارتأى : افتعال من الرأي.

(٧) ندبه الأمر فانتدب له : دعاه فأجابه.

٣٤١

من أشراف بني الحارث بن كعب وسادتهم ، قال : وكان قيس بن الحصين ذو الغصّة ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضر موت فقدما نجران على بقيّة مسير قومهم فشخصا معهم ، فاغترز (١) القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم وأقبلوا لوجوههم حتّى وردوا المدينة ، قال : ولمّا استرات (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خبر أصحابه أنفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة أمرهم ، فالفوهم وهم عامدون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : ولما دنوا من المدينة أحبّ السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين وأهل المدينة بأصحابهما وبمن حفّ من بني الحارث معهما فاعترضاهم ، فقالا : لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم (٣) وثياب سفركم ، وشننتم (٤) عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا (٥) من شعثهم وألقوا عنهم ثياب بذلتهم (٦) ولبسوا ثياب صونهم من الأتحميات (٧) والحرير ، وذرّوا (٨) المسك في لممهم (٩) ومفارقهم ، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج (١٠) خيلهم وأقبلوا يسيرون رزدقا (١١) واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا وأتمّهم أجساما وخلقا.

فلمّا تشرّفهم الناس أقبلوا نحوهم فقالوا : ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء ، فأقبل القوم حتّى دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده وحانت (١٢) وقت صلاتهم ، فقاموا

__________________

(١) اغترز القوم : ركب القوم.

(٢) الاستراءة : الاستبطاء.

(٣) التفث : الشعث والكثافات.

(٤) شن الماء : صبه وفرقه.

(٥) أماط : أبعد.

(٦) البذلة : ما لا يصان من الثياب.

(٧) الاتحمية : نوع من البرد.

(٨) ذر الملح والطيب : نثرة وفرقه.

(٩) اللم جمع اللمة ، وهو الشعر يجاوز شحمة الأذن.

(١٠) منسج الفرس : أسفل من حاركه.

(١١) الرزدق : الصف من الناس.

(١٢) حانت : قربت.

٣٤٢

يصلّون إلى المشرق ، فأراد الناس ان ينهوهم عن ذلك فكفّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم امهلهم وأمهلوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هديه ويعتبروا ما يشاهدون منه ممّا يجدون من صفته.

فلمّا كان بعد ثالثة دعاهم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام فقالوا : يا أبا القاسم ما أخبرتنا كتب الله عزّ وجلّ بشيء من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه‌السلام الاّ وقد تعرّفناه فيك الاّ خلّة هي أعظم الخلال آية ومنزلة وأجلاها امارة ودلالة.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما هي؟ قالوا : انّا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر (١) من بعد المسيح انّه يصدّق به ويؤمن به وأنت تسبّه وتكذّب به وتزعم انّه عبد ، قال : فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ في عيسى عليه‌السلام.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، بل أصدّقه واصدّق به وأومن به وأشهد أنّه النبي المرسل من ربّه عزّ وجلّ وأقول : انه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قالوا : وهل يستطيع العبد ان يفعل ما كان يفعل وهل جاءت الأنبياء بما جاء به من القدرة القاهرة ألم يكن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص وينبئهم بما يكنون (٢) في صدورهم وما يدّخرون في بيوتهم ، فهل يستطيع هذا الاّ الله عزّ وجلّ أو ابن الله ، وقالوا في الغلوّ فيه وأكثروا ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد كان عيسى أخي كما قلتم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وبما يدّخرون في بيوتهم ، وكلّ ذلك باذن الله عزّ وجلّ وهو الله عزّ وجلّ عبد وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف ، فقد كان لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وأمشاجا (٣) يأكل الطعام ويظمئ وينصبّ باربه (٤) وربّه

__________________

(١) الغابر : الماضي والباقي.

(٢) كننت الشيء : سترته ، وأكننته في نفس : أسررته.

(٣) الأمشاج : الأخلاط.

(٤) ينصب باربه : يتعقب بسبب حاجته ، ويمكن ان يكون كناية عن الذهاب إلى الخلاء.

٣٤٣

الأحد الحق الذي ليس كمثله شيء وليس له ندّ ، قالوا : فأرنا مثله من جاء من غير فحل ولا أب؟

قال : هذا آدم عليه‌السلام أعجب منه خلقا ، جاء من غير أب ولا أمّ وليس شيء من الخلق بأهون على الله عزّ وجلّ في قدرته من شيء ولا أصعب ، ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ، وتلا عليهم : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٢) ، قالا : فما نزداد منك في أمر صاحبنا الاّ تباينا وهذا الأمر الذي لا نقرّ لك فهلمّ فلنلاعنك أيّنا أولى بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، فإنّها مثلة وآية معجّلة.

فأنزل الله عزّ وجلّ آية المباهلة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٣) ، فتلا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما نزّل عليه في ذلك من القرآن ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله قد أمرني أصير إلى ملتمسكم وأمرني بمباهلتكم ان أقمتم وأصررتم على قولكم ، قالا : وذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان غدا باهلناك.

ثم قاما وأصحابهما من النصارى معهما فلمّا أبعدا وقد كانوا انزلوا بالحرّة (٤) أقبل بعضهم على بعض فقالوا : قد جاءكم هذا بالفصل من امره وأمركم فانظروا أوّلا بمن يباهلكم أبكافّة اتباعه ، أم بأهل الكتاب من أصحابه ، أو بذوي التخشّع والتّمسك (٥) والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا ، فان جاءكم بالكثرة وذوي الشدة منهم ، فإنما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك ، فالفلج (٦) إذا لكم دونه ، وان أتاكم بنفر قليل من

__________________

(١) يس : ٨٢.

(٢) آل عمران : ٥٩.

(٣) آل عمران : ٦١.

(٤) الحرّة : موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبين المدينة والعقيق وقبلي المدينة.

(٥) الإمساك : عند الرهبان التقتير في العيش والامتناع عن بعض المآكل تنسّكا وتعبدا.

(٦) أفلج الله حجته : أظهرها.

٣٤٤

ذوي تخشع ، فهؤلاء سجيّة الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم ، فإياكم والاقدام إذا على مباهلتهم ، فهذه لكم امارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه ، فقد أعذر من أنذر.

فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بشجرتين فقصدتا وكسح (١) ما بينهما ، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين ، فلمّا أبصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب فرسان بني الحارث بن الكعب في أحسن هيئة ، وأقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم وألويتهم وأحسن شارتهم (٢) وهيئتهم ، لينظروا ما يكون من الأمر.

ولبث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجرته حتّى متع (٣) النهار ، ثم خرج آخذا بيد علي والحسن والحسين امامه وفاطمة عليهم‌السلام من خلفهم ، فأقبل بهم حتّى أتى الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة الّتي خرج بها من حجرته ، فأرسل إليهما يدعوهما إلى ما دعاه إليه من المباهلة.

فأقبلا إليه فقالا : بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال : بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله عزّ وجلّ ، بهؤلاء ، وأشار لهما إلى علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، قالا : فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشّارّة ممّن نرى آمن بك واتبعك ، وما نرى هاهنا معك الاّ هذا الشّاب والمرأة والصبيّين ، أفبهؤلاء تباهلنا؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، أو لم أخبركم بذلك آنفا ، نعم بهؤلاء أمرت والذي بعثني بالحق ان أباهلكم.

فاصفارّت حينئذ ألوانهما وكرّا وعادا إلى أصحابهما وموقفهما ، فلمّا رأى أصحابهما ما بهما وما دخلهما ، قالوا : ما خطبكما؟ فتماسكا ، وقالا ما كان ثمة من خطب ، فنخبركم

__________________

(١) كسح : كنس.

(٢) الشارة : اللباس والهيئة.

(٣) متع النهار : ارتفع.

٣٤٥

وأقبل عليهم شابّ كان من خيارهم قد أوتي فيهم علما ، فقال : ويحكم لا تفعلوا واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فوالله انكم لتعلمون حق العلم انه الصادق وانّما عهدكم بإخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير ، فعلموا انّه قد نصح لهم فأمسكوا.

قال : وكان للمنذرين علقمة أخي أسقفهم أبي حارثة حظّ من العلم فيهم يعرفونه له وكان نازحا (١) عن نجران في وقت تنازعهم ، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشخص معهم ، فلمّا رأى المنذر انتشار أمر القوم يومئذ وتردّدهم في رأيهم أخذ بيد السيد والعاقب على أصحابه فقال : اخلوني وهذين ، فاعتزل بهما.

ثم أقبل عليهما فقال : ان الرائد (٢) لا يكذّب أهله وأنا لكما جدّ شفيق ، فان نظرتما لأنفسكما نجوتما وان تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما ، قالا : أنت الناصح حبيبا (٣) المأمون عيبا فهات ، قال : أتعلمان انّه ما بأهل يوم نبيّا قط الاّ كان مهلكهم كلمح البصر ، وقد علمتما وكلّ ذي ارب (٤) من ورثة الكتب معكما انّ محمّدا أبا القاسم هذا هو الرسول الذي بشّرت به الأنبياء عليهم‌السلام وأفصحت ببيعتهم وأهل بيتهم الأمناء ، وأخرى أنذركما بها فلا تعشوا عنها ، قالا : وما هي يا أبا المثنى؟

قال : انظرا إلى النجم قد استطلع إلى الأرض وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بازائكما (٥) لوجوههما قد نشرت على الأرض أجنحتها وفات ما في حواصلها وما عليها لله عزّ وجلّ من تبعة ، ليس ذلك الاّ ما قد أظل من العذاب وانظر إلى اقشعرار الجبال وإلى الدخان المنتشر وقزع (٦) السحاب ، هذا ونحن في حمّارة (٧) القيظ وإبان الهجير (٨) ، وانظروا

__________________

(١) نازحا : بعيدا.

(٢) الرائد : الجاسوس.

(٣) رجل ناصح الحبيب : أمين.

(٤) ارب : عقل وصار بصيرا.

(٥) بآرائكما ( خ ل ).

(٦) القزع : قطع من السحاب رقيقة.

(٧) حمّارة القيظ : شدته.

(٨) الهجير والهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحر.

٣٤٦

إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله رافعا يده والأربعة من أهل معه انّما ينتظر ما تجيبان به ، ثم اعلموا انّه ان نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ولم نرجع إلى أهل ولا مال.

فنظرا فابصرا أمرا عظيما فأيقنا انّه الحق من الله تعالى ، فزلت إقدامهما وكادت ان تطيش عقولهما واستشعرا انّ العذاب واقع بهما ، فلمّا أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما : إنكما ان أسلمتما له سلمتما في عاجلة وآجله وان آثرتما دينكما وغضارة (١) ملّتكما وشححتما (٢) بمنزلتكم من الشرف في قومكما ، فلست أحجر (٣) عليكما الضّنين (٤) بما نلتما من ذلك ، ولكنّكما بدهتما (٥) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بتطلّب المباهلة وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران ، وذلك من تاليكما (٦) ، فأسرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما بغيتما منه والأنبياء إذا أظهرت بأمر لم نرجع الاّ بقضائه وفعله ، فاذ نكّلتما (٧) عن ذلك وأذهلتكما مخافة ما تريان فالحظّ في النكول لكما ، فالوحا (٨) يا اخوتي الوحا صالحا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وارضياه ولا ترجيا (٩) ذلك ، فإنكما وانا معكما بمنزلة قوم يونس لمّا غشيهم العذاب.

قالا : فكن أنت يا أبا المثنى أنت الذي تلقى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بكفالة ما يبتغيه (١٠) لدينا والتمس لنا إليه ابن عمّه هذا ليكون هو الذي يبرم الأمر بيننا وبينه ، فإنه ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطئنّ به ما ترجع إلينا به.

وانطلق المنذر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا رسول الله

__________________

(١) الغضارة : طيب العيش.

(٢) الشح : البخل مع حرص.

(٣) أحجر : امنع.

(٤) الضنّ : البخل.

(٥) بدهه بأمر : استقبله به.

(٦) التالي : التقصير والحلف.

(٧) نكّله عن الشيء : صرفه.

(٨) الوحي : السرعة ، الوحا الوحا : البدار البدار.

(٩) ترجيا : تؤخّرا.

(١٠) ابتغى الشيء : طلبه.

٣٤٧

اشهد ان لا إله إلاّ الله الذي ابتعثك وانك وعيسى عبدان لله عزّ وجلّ مرسلان ، فأسلم وبلّغه ما جاء له ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام مصالحة القوم ، فقال علي عليه‌السلام : بأبي أنت على ما أصالحهم؟ فقال له : رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم معه رأيي ، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلّة وألف دينار خرجا في كل عام يؤدّيان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب.

فصار علي عليه‌السلام بهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذليلين صاغرين وأخبره بما صالحهما عليه واقرّا له بالخرج والصغار ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد قبلت ذلك منكم أما إنّكم لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم (١) الله عليكم الوادي نارا تأجّج (٢) ثم لساقها الله عزّ وجلّ إلى من ورائكم في أسرع من طرف العين ، فحرّقهم تأجّجا.

فلمّا رجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأهل بيته وصار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ان الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول : ان عبدي موسى عليه‌السلام بأهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه ، فخسفت بقارون وأهله وماله وبمن آزره من قومه ، وبعزتي أقسم وبجلالي ، يا أحمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطّعت السماء كسفا (٣) والجبال زبرا ولساخت (٤) الأرض فلم تستقرّ ابدا ، الاّ ان أشاء ذلك.

فسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووضع على الأرض وجهه ثمّ رفع يديه حتّى تبيّن للنّاس عفرة إبطيه (٥) فقال : شكرا للمنعم شكرا للمنعم ـ قالها ثلاثا ، فسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن سجدته وممّا رأى من تباشير السرور في وجهه ، فقال : شكرا لله عزّ وجلّ لما أبلاني من الكرامة في أهل بيتي ، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه‌السلام.

__________________

(١) ضرم النار : اشتغل.

(٢) تأجّج النار : اشتد حرّها.

(٣) الكسف : القطع ، وكذا الزبر.

(٤) ساخت قوائمه في الأرض : دخلت وغابت.

(٥) العفرة : البياض ليس بالشديد.

٣٤٨

فصل (٢)

فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة

اعلم انّ شهادة أهل الخلاف لأهل المباهلة بشرف الأوصاف ، مع ما يعاملونهم به من الانحراف أبلغ من شهادة شيعتهم وأظهر في أنوار حجّتهم.

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة ان الذين بأهل بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علي وفاطمة والحسن والحسين (١).

ورواه أيضا الثعلبي ومقاتل والكلبي والحافظ ابن مردويه وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري والحسن البصري والشعبي والسّدي وغيرهم ممّن لا يحضرني ذكر أسمائهم (٢).

ورواه أيضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٣).

فقال الزمخشري ما هذا لفظه : انّه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النّصارى انّ محمّدا نبيّ مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما بأهل قوم نبيّا قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فان أبيتم إلاّ ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرّجل وانصرفوا.

فاتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد غدا محتضنا للحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعليّ خلفهما ، وهو يقول : إذ أنا دعوت فامّنوا ، فقال اسقف

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١.

(٢) ذخائر العقبى : ٢٥ ، الجامع للترمذي : ٤ : ٨٢ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٥٠ ، المسند لأحمد بن حنبل ١ : ١٨٥ ، العمدة : ٩٥ عن تفسير الثعلبي ، التفسير لفخر الرازي ٨ : ٨٥ ، المناقب لابن المغازلي : ٢٦٣ ، درّ المنثور ٤ : ٣٨.

(٣) آل عمران : ٦١.

٣٤٩

نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا عن مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولم يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا انّنا لا نباهلك وان نقرّك على دينك ونثبت على ديننا.

قال : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا ، قال : فانّي أناجزكم (١) ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا ، على ان نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد.

فصالحهم على ذلك وقال : والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلّى على نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم الوادي عليهم نارا ، ولأستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رءوس الشجر ، ولمّا حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا.

وعن عائشة : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرحل (٢) من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ علي ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣).

فان قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة الاّ ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه ، ومن ذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه ، فما معنى الأبناء والنساء؟

قلت : كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرء على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده ، وأحبّ الناس إليه لذلك ، ولم ينتصر على تعرّض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلكه مع أحبّته وأعزّته ، هلاك الاستئصال ، ان تمّت المباهلة ، وخصّ الأبناء والنساء ، لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربّما بدأهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يقتل ، ومن ثمّ كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمّون الذّادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق ،

__________________

(١) ناجزه : بارزة وقاتله.

(٢) المرط : كساء من صوف أو خز ، المرحل ـ بالحاء المهملة ـ ما ينقش عليه صورة رحل الإبل.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

٣٥٠

وقدّمهم في الذّكر على أنفسهم ، لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنّهم مقدمون على الأنفس مقدّمون بها ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، وفيه برهان واضح على صحّة نبوّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك ـ هذا آخر كلام الزمخشري. » (١).

فصل (٣)

فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول

اعلم انّ يوم مباهلة النّبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن اشتمل على عدّة آيات وكرامات :

فمن آياته : انّه كان أوّل مقام فتح الله جلّ جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة ، في هذه الملّة الفاضلة ، عند جحود حججه وبيّناته.

ومن آياته : انّه أوّل يوم ظهرت لله جلّ جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزّة ، بإلزام أهل الكتاب من النصارى الذلّة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته.

ومن آياته : انه كان أوّل يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهيّة والقدرة النّبوية ، بمن كان يحتجّ عليه بالمعقول.

ومن آياته : انّه أوّل يوم أشرقت شموسه بنور التصديق لمحمّد صلوات عليه وآله من جانب الله جلّ جلاله ، بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.

ومن آياته : انّه يوم أظهر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تخصيص أهل بيته بعلوّ مقاماتهم.

ومن آياته : انّه يوم كشف الله جلّ جلاله لعباده ، انّ الحسن والحسين عليهما أفضل السلام ، مع ما كانا عليه من صغر السنّ ، أحقّ بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته.

__________________

(١) الكشاف ١ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠ ، عنه الطرائف : ٤٣.

٣٥١

ومن آياته : انّه يوم أظهر الله جلّ جلاله فيه انّ ابنته المعظّمة ، فاطمة صلوات الله عليها ، أرجح في مقام المباهلة ، من اتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.

ومن آياته : انّه يوم أظهر الله جلّ جلاله فيه انّ مولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام نفس رسول الله صلوات الله عليهما ، وانه من معدن ذاته وصفاته ، وانّ مراده من مراداته ، وان افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته.

ومن آياته : انّه يوم وسم كلّ من تأخر عن مقام المباهلة بوسم ، يقتضي أنّه دون من قدم عليه في الاحتجاج لله عزّ وجلّ ونشر علاماته.

ومن آياته : انّه يوم لم يجر مثله قبل الإسلام ، فيما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.

ومن آياته : انّه يوم أخرس السنة الدّعوى وعرس في مجلس منطق الفتوى ، بأنّ أهل المباهلة أكرم على الله جلّ جلاله من كلّ من لم يصلح لما صلحوا له من المتقرّبين بطاعاته وعباداته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة يوم بيان برهان الصّادقين ، الّذين أمر الله جلّ جلاله بأتباعهم في مقدّس قرآنه وآياته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة يوم شهد الله جلّ جلاله لكلّ واحد من أهل المباهلة بعصمته مدة حياته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة أبلغ في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدّي بالقرآن ، وأظهر في الدّلالة الذين تحدّاهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا : ( لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ) (١) ، وان كان قولهم في مقام البهتان ويوم المباهلة ، فما أقدموا على دعوى الجحود للعجز عن مباهلته لظهور حجته وعلاماته.

ومن آياته : انّ يوم المباهلة أطفأ الله به نار الحرب وصان وجوه المسلمين من الجهاد ومن الكرب ، وخلّصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرءوس ، وعتقها من رقّ الغزو والبؤس ، لشرف أهل المباهلة الموصوفين فيها بصفاته.

__________________

(١) الأنفال : ٣١.

٣٥٢

ومن آياته : انّ البيان واللّسان والجنان اعترفوا بالعجز عن شرح كمال كراماته.

فصل (٤)

فيما نذكره مما ينبغي ان يكون أهل المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم الله جلّ جلاله الشاملة

اعلم انّ يوم المباهلة أعظم ممّا أشرنا إليه ، وانّما ذكرنا من فضله بحسب ما دلّنا الله جلّ جلاله عليه.

وكن أنت مفكّرا في انّ الله جلّ جلاله اختار لنا في الأزل ، من غير وسيلة منّا ولا فضيلة صدرت عنّا ، أنوارا تباهل بها جاحدين كفارا ، وشموسا تكشف بنورها دعوى اليهود والنصارى ، وتمحو آثار استمرار شرعهم وشموسهم ، ويخسف ببدورها دعوى الجاهليّة بعبادة أصنامهم وتخليطهم (١) بها من نحو سهم ، وتخلع به خلع التشريف بالتكليف للتّراب ، ويحيى بهدايتها موات الألباب ، وتعمّ لأجلها دوام نعيم دار الثواب ، ويأتي بها إلى نار ، قد علا لهبها وسعيرها ، وحروب قد اشتدّ كلبها (٢) وزفيرها ، فخفف بها عنّا وعن سائر البشر هول ذلك الخطر والضرر ، وإطفاء شررها بمباهلة ساعة بأهل الطاعة ، وقرب جموعها وهدم ربوعها ، بثبوت اقدام أرباب المباهلة ، ورايات إخلاصهم ، وحمى حوزة الإسلام والمسلمين بتلك المباهلة الصّادرة عن أمر ربّ العالمين.

فلهذا اليوم المباهلة من حقّ التشريف وتعظيم أهل المقام الشريف ، وتخفيف المالك اللطيف ، يقتضي ان يكون هذا اليوم من أعظم أيّام البشارات وأكرم أيّام السعادات ، معمور المجالس والمحافل بالثناء على الله جلّ جلاله ، وذكر ما فيه من الفضائل ، معروفا به جلّ جلاله حقوق ملوك أهل المباهلة وما دفع الله جلّ جلاله بهم من الأمور الهائلة ، وما نفع بمباهلتهم في العاجلة والآجلة ، وان يتوجّه بهم فيه إلى كشّاف الكربات وواهب ألطاف الكرامات ، فيما يكون العبد محتاجا إليه ، وعلى قدر تعظيم اليوم المذكور وعزّة أهله عليه.

__________________

(١) تخليطهم ( خ ل ).

(٢) كلب الزمان : اشتد.

٣٥٣

فصل (٥)

فيما نذكره من عمل يوم بأهل الله فيه بأهل السعادات وندب إلى صوم أو صلوات أو دعوات

روينا ذلك إلى أبي الفرج محمد بن علي بن أبي قرّة ، بإسناده إلى علي بن محمد القمي رفعه في خبر المباهلة ، وهي يوم اربع وعشرين من ذي الحجّة ، وقد قيل : يوم إحدى وعشرين ، وقيل : يوم سبعة وعشرين ، وأصحّ الروايات يوم أربعة وعشرين ، والزيارة فيه قال :

إذا أردت ذلك فابدء بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى ، واغتسل والبس أنظف ثيابك ، وتطيّب بما قدرت عليه ، وعليك السكينة والوقار ، والّذي يعمله من يزور أن يمضي إلى مشهد وليّ من أولياء الله ، أو موضع خال ، أو جبل عال ، أو واد خضر ، وعليه الاّ يقيم في منزله ، ويخرج بعد ان يغتسل ، ويلبس أحسن ثيابه.

فإذا وصل إلى المقام الّذي يريد فيه أداء الحق وطلب الحاجة والمسألة بهم صلّى ساعة يدخل ركعتين بقراءة وتسبيح ، فإذا جلس في التشهد وسلّم استغفر الله سبعين مرة ، ثمّ يقوم قائما ويرفع يديه ويرم طرفه (١) نحو الهواء ، ويقول :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَرَّفَنِي ما كُنْتُ بِهِ جاهِلاً ، وَلَوْ لا تَعْرِيفُكَ إِيّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكِينَ ، اذْ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) ، فَبَيَّنْتَ لِيَ الْقَرابَةَ ، وَقُلْتَ : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣) ، فَبَيَّنْتَ لِيَ الْبَيْتَ بَعْدَ الْقَرابَةِ.

__________________

(١) الطرف : العين.

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

٣٥٤

ثُمَّ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ بِتَفَضُّلِكَ عَلى خَلْقِكَ وَارَدْتَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالْبَيْتِ وَالْقَرابَةِ ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١).

فَلَكَ الشُّكْرُ يا رَبِّ وَلَكَ الْمَنُّ حَيْثُ هَدَيْتَنِي وَارْشَدْتَنِي ، حَتّى لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ الْأَهْلُ وَالْبَيْتُ وَالْقَرابَةُ ، حَتّى عَرَّفْتَنِي نِسائَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ وَرِجالَهُمْ.

اللهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ الَيْكَ بِذلِكَ الْمَقامِ الَّذِي لا يَكُونُ اعْظَمُ فَضْلاً مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا اكْثَرُ رَحْمَةً بِمَعْرِفَتِكَ ايَّاهُمْ (٢) ، فَلَوْ لا هذا الْمَقامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي أَنْقَذْتَنا ، وَدَلَلْتَنا الَى اتِّباعِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ اهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ وَعِتْرَتِهِ ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَنُّ وَالشُّكْرُ عَلى نَعْمائِكَ وَأَيادِيكَ.

اللهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذِينَ افْتَرَضْتَ عَلَيْنا طاعَتَهُمْ ، وَثَبَّتَّنا بِالْقَوْلِ الَّذِي عَرَّفُونا ، وَاجْزِ مُحَمَّداً وَآلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِنّا افْضَلَ الْجَزاءِ ، وَأَدْخِلْنا فِي شَفاعَتِهِمْ دارَ كَرامَتِكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهُمَّ هؤُلاءِ اهْلُ الْكِسَاءِ وَالْعَباءِ يَوْمَ الْمُباهِلَةِ ، وَمَنْ دَخَلَ مِنَ الانْسِ وَالْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، اجْعَلْهُمْ شُفَعاءَنا ، اسْأَلُكَ بِحَقِّ ذلِكَ الْمَقامِ انْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَتَتُوبَ عَلَيَّ ، انَّكَ انْتَ التوَّابُ الرَّحِيمُ.

اللهُمَّ انِّي اشْهِدُكَ انَّ أَرْواحَهُمْ وَطِينَتَهُمْ واحِدَةٌ ، وَهُمُ الشَّجَرَةُ الَّتِي طابَ أَصْلُها وَأَغْصانُها وَأَوْراقُها.

اللهُمَّ فَارْحَمْنا بِحَقِّهِمْ ، فَإِنَّكَ اقَمْتَهُمْ حُجَجاً عَلى خَلْقِكَ ، وَدَلائِلَ عَلى ما يُسْتَدَلُّ بِوَحْدانِيَّتِكَ ، وَباباً الَى الْمُعْجِزاتِ بِعِلْمِكَ الَّذِي يَعْجُزُ عَنْهُ الْخَلْقُ غَيْرُهُمْ ، وَانْتَ الْمُتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ اقَمْتَهُمْ مِنْ بَيْنِ خَلْقِكَ وَنَقَلْتَهُمْ مِنْ عِبادِكَ.

فَجَعَلْتَهُمْ مُطَهَّرِينَ أُصُولاً وَفُرُوعاً وَمَنْبَتاً ، ثُمَّ اكْرَمْتَهُمْ بِنُورِكَ ، حَتّى

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) إخراجهم عن الشبهات ( خ ل ).

٣٥٥

فَضَّلْتَهُمْ مِنْ بَيْنِ اهْلِ زَمانِهِمْ وَالاقْرَبِينَ الَيْهِمْ ، فَخَصَصْتَهُمْ بِوَحْيِكَ ، وَانْزَلْتَ عَلَيْهِمْ كِتابَكَ ، وَأَمَرْتَنا بِالتَّمَسُّكِ بِهِما.

اللهُمَّ فَانّا قَدْ تَمَسَّكْنا بِكِتابِكَ وَبِعِتْرَةِ نَبِيِّكَ ، الَّذِينَ اقَمْتَهُمْ لَنا دَلِيلاً وَعَلَماً ، وَأَمَرْتَنا بِاتِّباعِهِمْ ، اللهُمَّ انّا قَدْ تَمَسَّكْنا فَارْزُقْنا شَفاعَتَهُمْ حِينَ يَقُولُ الْخاطِئُونَ : ( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (١).

اللهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الصَّادِقِينَ بِهِمْ ، وَالْمُنْتَظِرِينَ لِشَفاعَتِهِمْ ، وَلا تُضِلَّنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

ثم تصلي عند كلّ دعاء ركعتين وتقيم إلى انتصاف النهار ، أو زوال الشمس ، وقد قبل إلى اصفرار الشمس ، وكل ذلك حسن.

وهذا ما جاء من الروايات في انصراف القوم عن مقامهم في يوم المباهلة.

ومن الدعاء في يوم المباهلة دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي الفرج محمد بن علي بن أبي قرّة ، بإسناده إلى محمد بن سليمان الديلمي ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام :

لو قلت انّ في هذا الدعاء الاسم الأكبر لصدقت ، ولو علم الناس ما فيه من الإجابة لاضطربوا على تعليمه بالأيدي ، وانا لاقدّمه بين يدي حوائجي فينجح ، وهو دعاء المباهلة من قول الله تعالى : « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ـ ثم الى آخر الآية » (٢) ، وانّ جبرئيل عليه‌السلام نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بهذا الدعاء ، قال : تخرج أنت ووصيّك وسبطاك وابنتك وبأهل القوم وادعوا به.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فإذا دعوتم فاجتهدوا في الدعاء ، فانّ ما عند الله خير وأبقى ، من كنوز العلم ، فاشفعوا به واكتموه من غير أهله السفهاء والمنافقين ، الدعاء :

__________________

(١) الشعراء : ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) آل عمران : ٦١.

٣٥٦

اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ بَهائِكَ بِأَبْهاهُ وَكُلُّ بَهائِكَ بَهِيُّ ، اللهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ جَلالِكَ بِأَجَلِّهِ وَكُلُّ جَلالِكَ جَلِيلٌ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِجَلالِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ جَمالِكَ بِأَجْمَلِهِ وَكُلُّ جَمالِكَ جَمِيلٌ اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِجَمالِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ انِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عَظَمَتِكَ بِأَعْظَمِها وَكُلُّ عَظَمَتِكَ عَظِيمَةٌ ، اللهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ بِعَظَمَتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ مِنْ نُورِكَ بِأَنْوَرِهِ وَكُلُّ نُورِكَ نَيِّرٌ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِنُورِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ رَحْمَتِكَ بِأَوْسَعِها وَكُلُّ رَحْمَتِكَ واسِعَةٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كَمالِكَ بِأَكْمَلِهِ وَكُلُّ كَمالِكَ كامِلٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكَمالِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كَلِماتِكَ بِأَتَمِّها وَكُلُّ كَلِماتِكَ تامَّةٌ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِكَلِماتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ مِنْ أَسْمائِكَ بِأَكْبَرِها وَكُلُّ أَسْمائِكَ كَبِيرَةٌ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ كُلِّها اللهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عِزَّتِكَ بِأَعَزِّها ، وَكُلُّ عِزَّتِكَ عَزِيزَةٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مَشِيَّتِكَ بِأَمْضاها ، وَكُلُّ مَشِيَّتِكَ ماضِيَةٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَشِيَّتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي اسْتَطَلْتَ بِها عَلى كُلِّ شَيْءٍ ، وَكُلُّ قُدْرَتِكَ مُسْتَطِيلَةٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عِلْمِكَ بِأَنْفَذِهِ وَكُلُّ عِلْمِكَ نافِذٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِلْمِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ قَوْلِكَ بِأَرْضاهُ وَكُلُّ قَوْلِكَ رَضِيٌّ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِقَوْلِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مَسائِلِكَ بأَحَبِّها الَيْكَ وَكُلُ

٣٥٧

مَسائِلِكَ (١) الَيْكَ حَبِيبَةٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَسائِلِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ شَرَفِكَ بِأَشْرَفِهِ وَكُلُّ شَرَفِكَ شَرِيفٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِشَرَفِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ سُلْطانِكَ بِأَدْوَمِهِ وَكُلُّ سُلْطانِكَ دائِمٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِسُلْطانِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مُلْكِكَ بِأَفْخَرِهِ وَكُلُّ مُلْكِكَ فاخِرٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمُلْكِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عَلائِكَ بِأَعْلاهُ وَكُلُّ عَلائِكَ عالٍ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعَلائِكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ آياتِكَ بِأَعْجَبِها وَكُلُّ آياتِكَ عَجِيبَةٌ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِآياتِكَ كُلِّها ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ مَنِّكَ بِأَقْدَمِهِ ، وَكُلُّ مَنِّكَ قَدِيمٌ ، اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِمَنِّكَ كُلِّهِ ، اللهُمَّ إِنِّي ادْعُوكَ كَما امَرْتَنِي فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَنِي.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِما انْتَ فِيهِ مِنَ الشُّئُونِ وَالْجَبَرُوتِ ، اللهُمَّ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ شَأْنٍ وَكُلِّ جَبَرُوتٍ لَكَ.

اللهُمَّ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِما تُجِيبُنِي بِهِ حِينَ اسْأَلُكَ يا اللهُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، اسْأَلُكَ بِبَهاءِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِجَلالِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِجَمالِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ.

اسْأَلُكَ بِعَظَمَةِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِكَمالِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِقَوْلِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِشَرَفِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ.

أَسْأَلُكَ بِعَلاءِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِكَلِماتِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ بِعِزَّةِ لا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، اسْأَلُكَ

__________________

(١) كلها ( خ ل ).

٣٥٨

بِلا إِلهَ إِلاّ انْتَ يا لا إِلهَ إِلاّ انْتَ ، يا اللهُ يا رَبّاهُ ـ حتّى ينقطع النفس.

وتقول :

أَسْأَلُكَ سَيِّدِي فَلَيْسَ مِثْلُكَ شَيْءٌ ، وَاسْأَلُكَ بِكُلِّ دَعْوَةٍ دَعاكَ بِها نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، اوْ مَلِكٌ مُقَرَّبٌ اوْ مُؤْمِنٌ امْتَحَنْتَ قَلْبَهُ لِلإيمانِ اسْتَجَبْتَ دَعْوَتَهُ مِنْهُ ، وَأَتَوَجَّهُ الَيْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، وَأَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ حَوائِجِي بِمُحَمَّدٍ.

يا مُحَمَّدُ يا رَسُولَ اللهِ ، بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي أَتَوَجَّهُ إِلى رَبِّكَ وَرَبِّي وَأُقَدِّمُكَ بَيْنَ يَدَيْ حاجَتِي ، يا رَبّاهُ يا اللهُ يا رَبَّاهُ ، اسْأَلُكَ بِكَ فَلَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْءٌ ، وَأَتَوَجَّهُ الَيْكَ بِمُحَمَّدٍ خَلِيلِكَ وَنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبِعِتْرَتِهِ وَاقَدِّمُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ حَوائِجِي.

وَأَسْأَلُكَ بِحَياتِكَ الَّتِي لا تَمُوتُ ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي لا يُطْفَأُ ، وَبِالْعَيْنِ الَّتِي لا تَنامُ ، اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، ثم تسأل حاجتك ، تقضى إن شاء الله (١).

ومن الدعاء في يوم المباهلة ما وجدناه في كتب الدّعوات فقال ما هذا لفظه :

دعاء المباهلة والإنابة والتضرّع والمسألة عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام :

اللهُ لا إِلهَ الاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ الاَّ بِاذْنِهِ ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ ايْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ الاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

شَهِدَ اللهُ انَّهُ لا إِلهَ الاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ ، وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ، لا إِلهَ الاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَيُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٥٩ مع اختلافات.

٣٥٩

اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَتُخْرِجَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ الاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالارْضِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

هُوَ اللهُ الَّذِي لا يُعْرَفُ لَهُ سَمِيٌّ وَهُوَ اللهُ الرَّجاءُ وَالْمُرْتَجى ، وَاللَّجاءُ وَالْمُلْتَجى ، وَإِلَيْهِ الْمُشْتَكى وَمِنْهُ الْفَرَجُ وَالرَّخاءُ وَهُوَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.

اللهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ يا اللهُ ، بِحَقِّ الاسْمِ الرَّفِيعِ عِنْدَكَ الْعالِي الْمَنِيعِ ، الَّذِي اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَاخْتَصَصْتَهُ لِذِكْرِكَ ، وَمَنَعْتَهُ جَمِيعَ خَلْقِكَ ، وَافْرَدْتَهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ دُونَكَ ، وَجَعَلْتَهُ دَلِيلاً عَلَيْكَ ، وَسَبَباً الَيْكَ ، وَهُوَ اعْظَمُ الْأَسْماءِ ، وَأَجَلُّ الأَقْسامِ ، وَافْخَرُ الأَشْياءِ ، وَاكْبَرُ الْغَنائِمِ ، وَاوْفَقُ الدَّعائِمِ ، لا تُخَيِّبُ راجِيهِ ، وَلا تَرُدُّ داعِيهِ ، وَلا يَضْعُفُ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلَجَأَ إِلَيْهِ.

وَاسْأَلُكَ يا اللهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي تَفَرَّدْتَ بِها انْ تَقِيَنِي مِنَ النّارِ بِقُدْرَتِكَ ، وَتُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، يا نُورُ انْتَ نُورُ السَّماواتِ وَالارْضِ ، قَدِ اسْتَضاءَ بِنُورِكَ اهْلُ سَماواتِكَ وَارْضِكَ.

فَاسْأَلُكَ انْ تَجْعَلَ لِي نُوراً فِي سَمْعِي وَبَصَرِي ، اسْتَضِيءُ فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، يا عَظِيمُ انْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، بِعَظَمَتِكَ اسْتَعَنْتُ فَارْفَعْنِي وَالْحِقْنِي دَرَجَةَ الصّالِحِينَ.

يا كَرِيمُ بِكَرَمِكَ تَعَرَّضْتُ ، وَبِهِ تَمَسَّكْتُ ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَاعْتَمَدْتُ فَأَكْرِمْنِي بِكَرامَتِكَ ، وَانْزِلْ عَلَيَّ رَحْمَتَكَ وَبَرَكاتِكَ ، وَقَرِّبْنِي مِنْ جِوارِكَ ، وَالْبِسْنِي مِنْ مَهابَتِكَ وَبَهاءِكَ ، وَانِلْنِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَجَزِيلِ عَطائِكَ ، يا كَبِيرُ لا تُصَعِّرْ خَدِّي ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ لا يَرْحَمُنِي ، وَارْفَعْ ذِكْرِي ، وَشَرِّفْ مَقامِي ،

٣٦٠