الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

مريم ، عن قيس بن حنّان ، عن عطيّة السّعدي ، قال : سألت حذيفة بن اليمان عن إقامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا يوم الغدير كيف كان؟ فقال : انّ الله تعالى انزل على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : لعلّه يعني بالمدينة.

( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (١) ، فقالوا : يا رسول الله ما هذه الولاية الّتي أنتم بها أحقّ بأنفسنا؟ فقال عليه‌السلام : السّمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم ، فقلنا : سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله تعالى ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) (٢).

فخرجنا إلى مكّة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمّد انّ ربّك يقرئك السلام ويقول : انصب عليّا عليه‌السلام علما للنّاس ، فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى اخضلّت لحيته (٣) ، وقال : يا جبرئيل انّ قومي حديثو عهد بالجاهليّة ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتّى انقادوا لي فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ، قال : فصعد جبرئيل.

ثم قال صاحب كتاب النشر والطي : عن حذيفة : وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عليّا عليه‌السلام إلى اليمن فوافى مكّة ونحن مع الرّسول ، ثم توجّه علي عليه‌السلام يوما نحو الكعبة يصلّي ، فلمّا ركع أتاه سائل فتصدّق عليه بحلقة خاتمه ، فانزل الله تعالى ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٤).

فكبّر رسول الله وقرأه علينا ثم قال : قوموا نطلب هذه الصّفة الّتي وصف الله بها ،

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) المائدة : ٧.

(٣) خضل واخضل : ابتل.

(٤) المائدة : ٥٥.

٢٤١

فلمّا دخل رسول الله المسجد استقبله سائل ، فقال : من أين جئت؟ فقال : من عند هذا المصلّي تصدّق عليّ بهذه الحلقة وهو راكع.

فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومضى نحو عليّ فقال : يا عليّ ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل ، فكبّر ثالثة.

فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا : انّ أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطّاعة له ، فنسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يبدّله لنا ، فاتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبروه بذلك ، فانزل الله تعالى قرآنا وهو « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ـ الآية » (١) ، فقال جبرئيل : يا رسول الله أتمّه ، فقال حبيبي جبرئيل : قد سمعت ما تؤامروا به ، فانصرف عن رسول الله الأمين جبرئيل.

ثم قال صاحب كتاب النشر والطيّ من غير حديث حذيفة : فكان من قول رسول الله في حجة الوداع بمنى : يا أيها النّاس انّي قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانّه قد نبّأني اللطيف الخبير انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كاصبعي هاتين ـ وجمع بين سبّابتيه ـ ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك ، الأهل بلّغت أيّها النّاس؟ قالوا : نعم ، قال : اشهد.

ثم قال صاحب كتاب النشر والطي : فلمّا كان في آخر يوم من أيّام التّشريق انزل الله عليه « إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ الى آخرها » (٢) ، فقال عليه‌السلام : نعيت اليّ نفسي ، فجاء إلى المسجد الخيف فدخله ونادى : الصّلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فحمد الله واثنى عليه ـ وذكر خطبته عليه‌السلام.

ثمّ قال فيها : ايها الناس انّي تارك فيكم الثقلين ، الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ ، طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كاصبعي هاتين ـ وجمع بين سبّابتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين سبّابتيه والوسطى ـ فتفضل هذه

__________________

(١) يونس : ١٥.

(٢) الفتح : ١.

٢٤٢

على هذه.

قال مصنف كتاب النشر والطي : فاجتمع قوم وقالوا : يريد محمّد ان يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكّة ، ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم : ان أمات الله محمّدا أو قتل لا يردّ هذا الأمر في أهل بيته ، فانزل الله تعالى : « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » (١).

أقول : فانظر هذا التدريج من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتلطّف من الله جلّ جلاله في نصّه على مولانا عليّ صلوات الله عليه ، فأوّل امره بالمدينة قال سبحانه : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (٢) ، فنصّ على انّ الأقرب إلى النّبي صلوات الله عليه أولى به من المؤمنين والمهاجرين ، فعزل جلّ جلاله عن هذه الولاية المؤمنين والمهاجرين ، وخصّ بها أولى الأرحام من سيّد المرسلين.

ثم انظر كيف نزل جبرئيل بعد خروجه عليه‌السلام إلى مكّة بالتعيين على عليّ عليه‌السلام ، فلمّا راجع النبيّ صلوات الله عليه وأشفق على قومه من حسدهم لعلي عليه‌السلام ، كيف عاد الله جلّ جلاله وأنزل ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (٣) ، وكشف عن علي عليه‌السلام بذلك الوصف ، ثمّ انظر كيف مال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى التوطئة بذكر أهل بيته بمنى ، ثم عاد ذكرهم في مسجد الخيف.

ثم ذكر صاحب كتاب النشر والطي توجّههم إلى المدينة ومراجعة رسول الله مرّة بعد مرّة لله جلّ جلاله ، وما تكرّر من الله تعالى إلى رسول الله في ولاية عليّ عليه‌السلام ، قال حذيفة : واذّن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا.

ثم قال صاحب كتاب النّشر والطيّ : فنزل جبرئيل على النبي عليهما‌السلام بضجنان (٤) في حجّة الوداع بإعلان علي عليه‌السلام.

__________________

(١) الزخرف : ٧٩ ـ ٨٠.

(٢) الأنفال : ١٥.

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) الضجن : واد فى بلاد هذيل بتهامة ، أسفله لكنانة ، على ليلة من مكة.

٢٤٣

ثم قال صاحب الكتاب : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نزل الجحفة ، فلمّا نزل القوم وأخذوا منازلهم ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فأمره أن يقوم بعليّ عليه‌السلام وقال : يا ربّ انّ قومي حديثو عهد بالجاهليّة فمتى افعل هذا يقولوا : فعل بابن عمّه.

أقول : وزاد في الجحفة ، أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية ، فقال بإسناده من عدّة طرق إلى عبد الله بن عباس قال :

لمّا خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع ، فنزل جحفة أتاه جبرئيل عليه‌السلام فأمره أن يقوم بعلي عليه‌السلام قال : ألستم تزعمون انّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره ، وأعن من عانة ، قال ابن عباس : وجبت والله في أعناق الناس.

أقول : وسار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جحفة.

قال مسعود السجستاني في كتاب الدراية بإسناده إلى عبد الله بن عباس أيضا قال :

أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يبلّغ ولاية علي عليه‌السلام ، فأنزل الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. ) (١).

يقول رضي الدين ركن الإسلام أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس أمدّه الله بعناياته وأيّده بكراماته :

اعلم انّ موسى نبيّ الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته وقال في مراجعته ( إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) (٢) ، وانّما كان قتل نفسا واحدة ، وامّا علي بن أبي طالب ، فإنّه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلي كلّ واحد منهم.

يحتمل مراجعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لله جلّ جلاله في تأخير ولاية مولانا علي عليه‌السلام وترك إظهار عظيم فضله وشرف محله ، وكان النبي شفيقا على أمّته كما

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) القصص : ٣٣.

٢٤٤

وصفه الله جلّ جلاله ، فاشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية علي عليه‌السلام في أوان.

ويحتمل ان يكون الله جلّ جلاله إذن للنبي عليه‌السلام في مراجعته لتظهر لأمّته انّه ما آثره لمولانا علي عليه‌السلام ، وانّما الله جلّ جلاله آثره كما قال ( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١).

قال صاحب كتاب النشر والطي في تمام حديثه ما هذا لفظه : فهبط جبرئيل فقال : اقرء « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ الآية » ، وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللّحم فيه على الأرض لانشوى (٢) ، وانتهى إلينا رسول الله فنادى : الصلاة جامعة ، ولقد كان أمر عليّ عليه‌السلام أعظم عند الله ممّا يقدّر ، فدعا المقداد وسلمان وأبا ذر وعمار ، فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقمّوا (٣) ما تحتهما فكسحوه (٤) ، وأمرهم أن يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر بثوب فطرح عليه ، ثم صعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر ينظر يمنة ويسرة ينتظر اجتماع الناس إليه.

فلما اجتمعوا فقال : الحمد لله الذي علا في توحّده ودنا في تفرّده ـ الى ان قال : ـ أقرّ له على نفسي بالعبوديّة واشهد له بالربوبيّة وأؤدّي ما أوحى اليّ ، حذار ان لم افعل ان تحلّ بي قارعة (٥) ، أوحى اليّ « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ الآية ».

معاشر النّاس ما قصّرت في تبليغ ما أنزله الله تبارك وتعالى ، وانا أبيّن لكم سبب هذه الآية ، انّ جبرئيل هبط اليّ مرارا أمرني عن السلام ان أقول في المشهد واعلم الأبيض والأسود ، انّ علي بن أبي طالب أخي وخليفتي والامام بعدي.

أيّها النّاس علمي بالمنافقين ـ الّذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه

__________________

(١) النجم : ٣ ـ ٤.

(٢) شوى اللحم : عرّضه للنار فنضح.

(٣) قمّ البيت : كنسه.

(٤) كسحت البيت : كنسته.

(٥) القارعة : الداهية ، النكبة المهلكة.

٢٤٥

هيّنا وهو عند الله عظيم ، وكثرة أذاهم لي مرّة سمّوني إذنا لكثرة ملازمته إيّاي واقبالي عليه ، حتّى انزل الله ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) (١) ـ محيط (٢) ، ولو شئت ان اسمّي القائلين بأسمائهم لسمّيت.

واعلموا انّ الله قد نصبه لكم وليّا وإماما ، مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التّابعين وعلى البادي والحاضر ، وعلى العجمي والعربي ، وعلى الحرّ والمملوك ، وعلى الكبير والصغير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كلّ موحد ، فهو ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ومرحوم من صدّقه.

معاشر النّاس تدبّروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتّبعوا فوالله لا يوضح تفسيره إلاّ الّذي أنا آخذ بيده ورافعها بيدي ، ومعلّمكم ان من كنت مولاه فهو مولاه ، وهو عليّ.

معاشر النّاس انّ عليّا والطيّبين من ولدي من صلبه هم الثّقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ولا يحلّ امرة المؤمنين لأحد بعدي غيره.

ثم ضرب بيده على عضده ، فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرفعه بيده وقال :

أيّها النّاس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : الله ورسوله ، فقال : ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، انّما أكمل الله لكم دينكم بولايته وإمامته ، وما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين الاّ بدأ به ، ولا شهد الله بالجنّة في هل أتى إلاّ له ، ولا أنزلها في غيره ، ذريّة كلّ نبيّ من صلبه وذرّيتي من صلب علي ، لا يبغض عليّا إلاّ شقيّ ولا يوالي عليّا إلاّ تقي ، وفي عليّ نزلت ( وَالْعَصْرِ ) ، وتفسيرها : وربّ عصر القيامة ، ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) أعداء آل محمد ، ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) بولايتهم » ، ( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) بمواساة إخوانهم ، ( وَتَواصَوْا

__________________

(١) التوبة : ٦١.

(٢) خبر لقوله : علمي.

٢٤٦

بِالصَّبْرِ ) في غيبة غائبهم.

معاشر النّاس آمنوا بالله ورسوله والنّور الّذي أنزل ، أنزل الله النور في ، ثمّ في عليّ ، ثم النّسل منه إلى المهدي ، الّذي يأخذ بحق الله ، معاشر النّاس انّي رسول الله قد خلت من قبلي الرسل ، الا انّ عليّا الموصوف بالصّبر والشّكر ثمّ من بعده من ولده من صلبه.

معاشر النّاس قد ضلّ من قبلكم أكثر الأوّلين ، انا صراط الله المستقيم الّذي أمركم أن تسلكوا الهدى إليه ، ثم عليّ من بعدي ، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحقّ ، انّي قد بيّنت لكم وفهّمتكم ، هذا عليّ يفهّمكم بعدي ، الا وانّي عند انقطاع خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته والإقرار له بولايته ، الاّ انّي بايعت لله وعلى بائع لي ، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله ، ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (١).

معاشر النّاس أنتم أكثر من ان تصافحوني بكفّ واحدة قد أمرني الله ان آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقّدتم الإمرة لعلي بن أبي طالب ، ومن جاء من بعده من الأئمّة منّي منه ، على ما أعلمتكم انّ ذرّيّتي من صلبه فليبلّغ الحاضر الغائب ، فقولوا : سامعين مطيعين راضين لما بلّغت عن ربّك ، نبايعك على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا ، على ذلك نحيا ونموت ونبعث ، لا نغيّر ولا نبدّل ولا نشكّ ولا نرتاب ، أعطينا بذلك الله وإيّاك ، وعليّا والحسن والحسين والأئمّة الّذين ذكرت ، كلّ عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا ، ونحن لا نبتغي بذلك بدلا ونحن نؤدّي ذلك إلى كلّ من رأينا.

فبادر النّاس بنعم نعم ، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله آمنّا به بقلوبنا وتداكّوا (٢) على رسول الله وعلي عليهما‌السلام بأيديهم ، الى ان صلّيت الظّهر والعصر في وقت واحد ، وباقي ذلك اليوم إلى ان صلّيت العشاء آن في وقت واحد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول كلّما أتى فوج : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلَى الْعالَمِينَ. » (٣)

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) تداك عليه القوم : ازدحموا.

(٣) عنه بطوله البحار ٣٧ : ١٢٦ ـ ١٣٣.

٢٤٧

فصل : وامّا ما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في صفة نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على مولانا علي عليه‌السلام بالولاية ، فإنّه مجلّد أكثر من عشرين كراسا.

وامّا الّذي ذكره محمّد بن جرير صاحب التاريخ في ذلك فإنّه مجلّد ، وكذلك ما ذكره أبو العبّاس بن عقده وغيره من العلماء وأهل الروايات فإنّها عدة مجلدات.

فصل : وامّا ما جرى من إظهار بعض من حضر في يوم الغدير لكراهة نصّ النبي صلوات الله عليه علي مولانا علي صلوات الله عليه.

فقد ذكر الثعلبي في تفسيره : انّ النّاس تنحّوا عن النبيّ عليه‌السلام ، فأمر عليّا فجمعهم ، فلمّا اجتمعوا قام وهو متوسّد على يد علي بن أبي طالب ، فحمد الله وأثنى عليه.

ثمّ قال : أيّها الناس انّه قد كرهت تخلّفكم عنّي حتّى خيل إلىّ انّه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني ، ثمّ قال : لكن عليّ بن أبي طالب أنزله الله منّي بمنزلتي منه ، فرضي الله عنه كما أنا راض عنه ، فإنّه لا يختار على قربي ومحبّتي شيئا ، ثمّ رفع يديه فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال : فابتدر النّاس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكون ويتضرّعون ويقولون :

يا رسول الله ما تنحّينا عنك إلاّ كراهية ان نثقل عليك ، فنعوذ بالله من سخط رسوله ، فرضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم عند ذلك (١).

فصل : وقال مصنّف كتاب النشر والطي : قال أبو سعيد الخدري : فلم ننصرف حتّى نزلت هذه الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (٢) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله على كمال الدين وتمام النقمة ورضى الرّبّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب ، ونزلت « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ـ الآية » (٣).

قال صاحب الكتاب : فقال الصادق عليه‌السلام : يئس الكفرة وطمع الظلمة.

__________________

(١) عنه البحار ٣٧ : ١٣٤ ، رواه في الطرائف : ١٤٥ ، ذكره ابن المغازلي في مناقبه : ٢٥ ، عنه العمدة : ٥٣.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) المائدة : ٣.

٢٤٨

قلت انا : وقال مسلم في صحيحة بإسناده إلى طارق بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) ، نعلم اليوم الّذي أنزلت فيه لاتّخذنا ذلك اليوم عيدا (١).

وروي نزول هذه يوم الغدير جماعة من المخالفين ذكرناهم في الطرائف (٢).

وقال مصنف كتاب النشر والطي ما هذا لفظه : فصل : وروي انّ الله تعالى عرض عليّا على الأعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة وعرضه على الأولياء يوم الغدير فصاروا أعداء ، فشتّان ما بينهما.

وروى أبو سعيد السّمان بإسناده انّ إبليس أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صورة شيخ حسن السّمت ، فقال : يا محمد ما أقلّ من يبايعك على ما تقول في ابن عمّك عليّ؟ فأنزل الله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) ، فاجتمع جماعة من المنافقين الّذين نكثوا عهده فقالوا : قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف ما قال ، وقال هاهنا ما قال ، فان رجع إلى المدينة يأخذ البيعة له والرّأي أن نقتل محمدا قبل ان يدخل المدينة.

فلمّا كان في تلك اللّيلة قعد له عليه‌السلام أربعة عشر رجلا في العقبة ليقتلوه ـ وهي عقبة بين الجحفة والإيواء ـ فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقته ، فلمّا أمسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى وارتحل وتقدّم أصحابه وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقة ناجية ، فلمّا صعد العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد انّ فلانا وفلانا ـ وسمّاهم كلّهم وذكر صاحب الكتاب أسماء القوم المشار إليهم ـ ثمّ قال : قال جبرئيل : يا محمد هؤلاء قد قعدوا لك في العقبة ليغتالوك (٤).

فنظر رسول الله إلى من خلفه ، فقال : من هذا خلفي؟ فقال حذيفة بن اليمان : انا حذيفة يا رسول الله ، قال : سمعت ، سمعناه؟ قال : نعم ، قال : اكتم ، ثم دنا منهم فناداهم

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ٢٣١٣ ، عنه الطرائف : ١٤٧.

(٢) الطرائف : ١٤٠ ـ ١٥٣.

(٣) سبأ : ٢٠.

(٤) ليقتلوك ( خ ل ).

٢٤٩

بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلمّا سمعوا نداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّوا ودخلوا في غمار الناس وتركوا رواحلهم وقد كانوا عقلوها داخل العقبة ، ولحق النّاس برسول الله وانتهى رسول الله إلى رواحلهم فعرفها.

فلمّا نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة : ان أمات الله محمدا أو قتل لا نردّ هذا الأمر إلى أهل بيته ، ثمّ همّوا بما همّوا به ، فجاءوا إلى رسول الله يحلفون انّهم لن يهمّوا بشيء من ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى « يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا الآية. » (١) (٢)

فصل : وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف ، وهو ممّن لا يتّهم عند أهل الخلاف ، فقال في تفسير قوله تعالى ( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) (٣) ما هذا لفظه :

وعن ابن جريح : وقفوا لرسول الله ليلة الثنيّة على العقبة ، وهم اثنا عشر رجلا ، ليفتكوا به من قبل غزاة تبوك ( وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) ودبّروا لك الحيل والمكايد ودوّروا الآراء في إبطال أمرك ، وقرئ : وقلبوا ـ بالتخفيف ـ حتى جاء الحق وظهر أمر الله (٤).

ثم قال الزمخشري أيضا في الكتاب في تفسير قوله جلّ جلاله ( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) (٥) ما هذا لفظه :

وهو الفتك برسول الله وذلك عند مرجعه من تبوك توافق خمسة عشر منهم على ان يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنّم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه بخطام راحلته يقودها ، وحذيفة خلفه يسوقها ، فبينا هو كذلك إذ سمع حذيفة توقّع أخفاف الإبل بقعقعة السلام ، فالتفت قوم متلثّمون فقال : إليكم أعداء الله ، فهربوا (٦).

فصل : وبلغ أمر الحسد لمولانا علي عليه‌السلام على ذلك المقام والأنعام إلى بعضهم

__________________

(١) التوبة : ٧٤.

(٢) عنه البحار ٣٧ : ١٣٤.

(٣) التوبة : ٤٨.

(٤) الكشاف ٢ : ٢٧٧.

(٥) التوبة : ٧٤.

(٦) الكشاف ٢ : ٢٩١.

٢٥٠

الهلاك والاصطلام (١).

فروى الحاكم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني في كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة ، وهو من أعيان رجال الجمهور ، فقال : قرأت على أبي بكر محمد بن محمد الصيدلاني فأقرّ به ، حدثكم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن ربعي ، عن حذيفة بن اليمان قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، قام النعمان بن المنذر الفهريّ فقال : هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربّك؟ قال : لا بل أمرني به ربّي ، فقال : اللهم أنزل علينا حجارة من السماء ، فما بلغ رحله حتّى جاءه حجر فأدماه (٢) فخرّ ميتا ، فأنزل الله تعالى ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) (٣).

أقول : وروى هذا الحديث الثعلبي في تفسيره للقرآن بأفضل وأكمل من هذه الرواية (٤).

وكذلك رواه صاحب كتاب النشر والطي قال : لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فشاع ذلك في كلّ بلد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقة له ، حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه ، فقال : يا محمد أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا إله إلاّ الله وانك رسول الله ، فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا ، فقبلناه ، وأمرتنا بالحج ، فقبلناه ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع (٥) ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أهذا شيء من عندك أم من الله؟ فقال : والله الذي لا إله الاّ هو انّ هذا من الله ، فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللهم ان كان ما يقوله محمد حقّا فأمطر علينا

__________________

(١) اصطلمه : استأصله.

(٢) أدمى الرجل : أسال دمه.

(٣) المعارج : ١.

(٤) عنه الغدير ١ : ٢٤٠ وفي الطرائف : ١٥٣. ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ : ٢٨٦.

(٥) الضبع : وسط العضد ، الإبط.

٢٥١

حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامّته (١) ، وخرج من دبره فقتله (٢).

أقول : فإذا كان الحال كما ذكرناه من الحاسدين الكارهين لما انزل الله ولما أمر به رسوله صلوات الله عليه وآله من ولاية علي بن أبي طالب على الإسلام والمسلمين ، وكان ذلك في حياة النبي صلوات الله عليه وآله وهو يرجى ويخاف والوحي ينزل عليه ، فكيف يستبعد ممن كان بهذه الصفات في الحسد والعداوات ان يعزلوا الولاية عن مولانا علي عليه‌السلام بعد وفاة النّبي صلوات الله عليه أو يكتموا كثيرا من النصوص عليه :

باعوه بالأمل الضّعيف سفاهة

وقت الحياة فكيف بعد وفاته

خذلوه في وقت يخاف ويرتجى

أيراد منهم ان يفوا لمماته

فصل (٤)

فيما نذكره من فضل الله جلّ جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد ، وما فيه من المنّة على العباد

اعلم انّ كلّ عيد جديد أطلق الله جلّ جلاله فيه شيئا من الجود لعبد سعيد ، فإنّما يكون إطلاقه جلّ جلاله لذلك الإحسان لمن ظفر بمعرفة الله جلّ جلاله ومعرفة رسوله صلوات الله عليه وامام الزمان ، وكان صحيح الأيمان ، فإنّ النقل عن صاحب الشّريعة النبويّة ورد متظاهرا انّه من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة.

وهذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة ، فيه كشف الله ورسوله عن واضح المحجّة ، ونصّ بها على من اختاره للإمامة والحجّة ، وكل عبد علاقة عليه كالعبد الذي يخدم بين يديه ويتقرّب إليه.

واعلم انّ المنّة بكشفه والمحنة بلطفه ، تكاد ان تزيد على الامتحان بصاحب النّبوة العظيم الشّأن ، لأنّ الرسول المبعوث صلوات الله وسلامه عليه ، بعث في أوّل أمره بمكّة إلى قوم يعبدون أحجارا واخشابا لا تدفع ولا تنفع ولا تسمع خطابا ولا تردّ جوابا.

قد شهدت عقول أهل الوجود بجهل من اتّخذها آلهة من دون الله المعبود ، ولم يكن

__________________

(١) الهامة : الرأس.

(٢) عنه البحار ٣٧ : ١٣٦.

٢٥٢

بين أهل مكّة وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عداوة قبل رسالته ، ولا بينهم وبينه قتل ولا دماء قد سفكها ، تمنع طبعا وعقلا من قبول نبوّته.

وامّا مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل السلام ، الّذي نصّ الله جلّ جلاله عليه على لسان رسوله عليه أعظم الصلاة والسلام في يوم الغدير ، فإنّ أهل الإسلام كانوا قد اتّسعت عليهم شبهات العقول والأحلام وتأويل ما يقدرون فيه على التأويل ، وكان مولانا علي عليه‌السلام قد عادى كثيرا في الله جلّ جلاله وفي طاعة الرسول الجليل ، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم وأمثالهم ، وسار مع رسول الله عليه‌السلام سيرة واحدة في معاداة من عاداه من أوّل امره إلى آخره ، من غير مراعاة لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم ، وظهرت له من العنايات والكرامات ما اقتضت حسد أهل المقامات.

فحصل لإمامته من المعاداة والحسد له على الحياة ونفور الطبائع ، بأنّه ما يسير الاّ سيرة واحدة من غير مداهاة زيادة على ما كان عند بعثة النبي عليه أفضل الصلوات ، بلغ الأمر إلى ما قدمناه قبل هذا الفصل من العداوات.

فصل : ولقد حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ، وهو من المخالفين المعاندين ، كلاما جليلا في سبب عداوة الناس لمولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال في مدح أبو الهيثم بن التيهان انّه أوّل من ضرب على يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ابتداء أمر نبوّته ، ثم قال بإسناده إلى أبو الهيثم بن التيهان انّه قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال :

انّ حسد قريش إيّاك على وجهين : امّا خيارهم فتمنّوا ان يكونوا مثلك منافسة (١) في الملإ وارتفاع الدرجة ، وامّا شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال ، وذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمها إليك الحظّ وأخّرهم عنها الحرمان ، فلم يرضوا ان يلحقوا حتّى طلبوا ان يسبقوك ، فبعدت والله عليهم الغاية وأسقط المضمار.

فلمّا تقدّمتهم بالسّبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت ، وكنت والله أحقّ

__________________

(١) نافس فلانا في أمر : فأخره وباراه فيه.

٢٥٣

قريش بشكر قريش ، نصرت نبيّهم حيّا وقضيت عنه الحقوق ميّتا ، والله ما بغيهم الاّ على أنفسهم ولا نكثوا الاّ بيعة الله ، يد الله فوق أيديهم فيها ، ونحن معاشر الأنصار أيدينا وألسنتنا معك ، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب.

أقول : فهذا أبو الهيثم بن التيهان من أشرف الأنصار ، وقد حضر أوّل أمر النبوّة وما جرت الحال عليه ، وقوله حجة على قريش وغيرهم فيما أشار رحمه‌الله.

فليكن تعظيم عيد أهل الشرائع على قدر ما فيه من المنافع ، وعلى قدر ما سلّم الله جلّ جلاله الظّافر بما فيه من الحوائل والقواطع ، فانّ كل نعمة لله على عباده ، على قدر ما سلّمهم فيها من إخطار غضبه وإبعاده ، وعلى قدر مفارقتهم لأهل عناده وموافقتهم لمراده.

فصل (٥)

فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول

فمن ذلك ما أخبرني به الشيخ العالم حسين بن أحمد السوراوي والشيخ الأوحد الملقّب عماد الدين أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني ، بإسنادهما المقدم ذكره عن الشيخ السعيد المجيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه ، قال : أخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الخراساني الحاجب في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدثنا سعيد بن هارون أبو عمرو المروزي ـ وقد زاد على الثّمانين سنة ـ قال : حدثنا الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي بطوس سنة تسع وخمسين ومائتين ، وقد بلغ التّسعين ، انّه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدم إلى منازلهم الطّعام والبرّ والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غيّر أحوالهم وأحوال حاشيته وجدّدت له الآلة غير الآلة الّتي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه ، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه ، فكان من قوله عليه‌السلام :

حدثني الهادي أبي ، قال : حدثني جدّي الصادق ، قال : حدثني الباقر ، قال : حدثني سيد العابدين ، قال : حدثني أبي الحسين ، قال :

٢٥٤

اتّفق في بعض سنّي أمير المؤمنين عليه‌السلام الجمعة والغدير ، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم ، فحمد الله حمدا لم يسمع بمثله ، وأثنى عليه بما لا يتوجّه إلى غيره ، فكان ما حفظ من ذلك :

الحمد لله الّذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلى حامديه ، وطريقا من طرق الاعتراف بلا هويّته وصمدانيّته وفردانيّته ، وسببا إلى المزيد من رحمته ، ومحجّة للطّالب من فضله ، وكمن في إبطان حقيقة الاعتراف له بأنّه المنعم على كلّ حمد باللفظ وان عظم.

واشهد ان لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، شهادة نزعت عن إخلاص الطّوي ونطق اللّسان بها عبارة عن صدق خفيّ ، أنّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى ، ليس كمثله شيء ، إذ كان الشيء من مشيّته وكان لا يشبهه مكونه.

واشهد انّ محمّدا عبده ورسوله ، استخلصه في القدم على سائر الأمم ، على علم منه ، بأنّه انفرد عن التّشاكل والتّماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمرا وناهيا عنه ، اقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه ، إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ، ولا تمثّله غوامض الظّنون في الإسرار.

لا إله الاّ هو الملك الجبّار ، قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلا هويّته ، واختصّه من تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد من بريّته ، فهو أهل ذلك بخاصّته وخلّته ، إذ لا يختصّ من يشوبه التّغيير ، ولا يخالل من يلحقه التّظنين ، وأمر بالصّلاة عليه ، مزيدا في تكرمته ، وطريقا للدّاعي إلى إجابته ، فصلّى الله عليه وكرّم وشرّف وعظّم ، مزيدا لا تلحقه التّفنية ولا ينقطع على التّأبيد.

وانّ الله تعالى اختصّ لنفسه بعد نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بريّته خاصّة ، علاهم بتعليته ، وسمّى بهم إلى رتبته بهم إلى رتبته ، وجعلهم الدّعاة بالحقّ إليه ، والأداء بالإرشاد عليه ، لقرن قرن ، وزمن زمن ، انشأهم في القدم قبل كلّ مذرّ ومبرّ ، وأَنوارا أنطقها بتحميده وألهمها على شكره وتمجيده.

وجعلها الحجج على كلّ معترف له بملكوت الربوبيّة ، وسلطان العبوديّة ، واستنطق

٢٥٥

بها الخرسات بأنواع اللّغات ، بخوعا (١) له بأنّه فاطر الأرضين والسّماوات ، واستشهدهم خلقه وولاّهم ما شاء من أمره.

جعلهم تراجم مشيّته وألسن إرادته ، عبيدا ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ، وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) ، يحكمون بأحكامه ويستنّون بسنّته ، ويعتمدون حدوده ، ويؤدّون فرضه.

ولم يدع الخلق في بهم صمّا ولا في عمى بكما ، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم ، وتفرقّت في هياكلهم ، حقّقها في نفوسهم واستعدّ لها حواسّهم ، فقرّر بها على إسماع ونواظر وأفكار وخواطر ، ألزمهم بها حجّته وأراهم بها محجّته وأنطقهم عمّا شهدته بألسن ذريّة بما قام فيها من قدرته وحكمته ، وبيّن عندهم بها ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، بصير شاهد خبير.

وانّ الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ، لا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل لكم عندكم ، جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلك بكم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنيء رفده.

فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه (٣) لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السّوء من مثله إلى مثله ، وذكري للمؤمنين وتبيان خشية المتّقين ، ووهب لأهل طاعته في الأيّام قبله وجعله لا يتمّ الاّ بالايتمار لما أمر به ، والانتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه ، ولا يقبل توحيده الاّ بالاعتراف لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بنبوّته ، ولا يقبل دينا الاّ بولاية من أمر بولايته ، ولا ينتظم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمة وعصم أهل ولايته.

فانزل على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الدّوح ما بيّن فيه عن إرادته في خلصائه

__________________

(١) بخع : أقرّ به وأذعن.

(٢) الأنفال : ٤٢.

(٣) ندب للأمر أو إلى الأمر : دعاه ورشّحه للقيام به.

٢٥٦

وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزّيغ والنفاق ، وضمن له عصمته منهم وكشف عن خبايا أهل الرّيب وضمائر أهل الارتداد ما رمز فيه.

فعقله المؤمن والمنافق فأذعن مذعن وثبت على الحقّ ثابت ، وازدادت جهالة المنافق ، وحميّة المارق (١) ، ووقع العضّ على النواجذ (٢) والعمر على السّواعد ، ونطق ناطق ، ونعق ناعق ، ونشق ناشق ، واستمرّ على ما رقته مارق ، ووقع الإذعان من طائفة باللسان دون حقائق الايمان ، ومن طائفة باللّسان وصدق الايمان.

وأكمل الله دينه ، وأقرّ عين نبيّه والمؤمنين والمتابعين ، وكان ما قد شهده بعضكم وبلغ بعضكم ، وتمّت كلمة الله الحسني على الصّابرين ، ودمّر (٣) الله ما صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده وما كانوا يعرشون (٤) ، وبقيت حثالة (٥) من الضلال ، لا يألون النّاس خبالا (٦).

فيقصدهم الله في ديارهم ، ويمحو آثارهم ، ويبيد معالمهم ، ويعقّبهم عن قرب الحسرات ، ويلحقهم عن بسط أكفّهم ، ومدّ أعناقهم ، ومكّنهم من دين الله حتّى بدّلوه ومن حكمه حتّى غيّروه ، وسيأتي نصر الله على عدوّه لحينه ، والله لطيف خبير وفي دون ما سمعتم كفاية وبلاغ.

فتأمّلوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليه ، وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه ، واسلكوا نهجه ، ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله.

هذا يوم عظيم الشّأن فيه وقع الفرج ، ورفعت الدرج ، ووضحت الحجج ، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح ، ويوم كمال الدّين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم

__________________

(١) المارق : من مرق من الدين ، أي خرج من الدين بضلالة أو بدعة.

(٢) عض الشيء : لزمه واستمسك به ، الناجذ : واحد النواجذ أي الأضراس ، يقال : عضّ على ناجذه : بلغ أشدّه لانّ النواجذ تنبت بعد البلوغ وكمال العقل.

(٣) الدمار : الهلاك.

(٤) عرش البيت : بناه.

(٥) حثالة : ما يسقط من قشر الشعير ، حثالة الناس : رذالتهم.

(٦) الخبال : الفساد.

٢٥٧

الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم البيان عن حقائق الايمان ، ويوم دحر (١) الشيطان ، ويوم البرهان.

هذا يوم الفصل الذي كنتم به توعدون ، هذا يوم الملإ الأعلى الّذي أنتم عنه معرضون ، هذا يوم الإرشاد ، ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الرّواد ، هذا يوم إبداء خفايا الصدور ، ومضمرات الاموم ، هذا يوم النّصوص على أهل المخصوص.

هذا يوم شيث ، هذا يوم إدريس ، هذا يوم يوشع ، هذا يوم شمعون ، هذا يوم الأمن المأمون ، هذا يوم إظهار المصون من المكنون ، هذا يوم إبداء السرائر.

فلم يزل عليه‌السلام يقول : هذا يوم هذا يوم ، فراقبوا الله واتقوه ، واسمعوا له وأطيعوه ، واحذروا المكر ولا تخادعوه ، وفتّشوا ضمائركم ، ولا تواربوه ، وتقربوا إلى الله بتوحيده ، وطاعة من أمركم أن تطيعوه ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر.

ولا يجنح (٢) بكم الغيّ فتضلّوا عن سبيل الرشاد ، باتباع أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا ، قال الله تعالى عزّ من قائل في طائفة ذكرهم بالذّمّ في كتابه ( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (٣) ، وقال الله تعالى : ( وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ، قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ) (٤) ، أفتدرون استكبار ما هو ، ترك الطّاعة لمن أمر الله بطاعته والتّرفع عمّن ندبوا إلى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن كثير ، ان تدبّره متدبّر زجره ووعظه.

واعلموا أيّها المؤمنون انّ الله عزّ وجلّ قال : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (٥) ، أتدرون ما سبيل الله ومن سبيله ومن صراط الله ومن طريقه.

__________________

(١) دحر : طرد.

(٢) جنح : مال.

(٣) الأحزاب : ٦٧.

(٤) إبراهيم : ٢١.

(٥) الصف : ٤.

٢٥٨

انا صراط الله الّذي من لا يسلكه بطاعة الله فيه هوى به (١) إلى النار ، انّا سبيله الّذي نصبني للاتّباع بعد نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنا قسيم النّار ، أنا حجة الله على الفجّار ، أنا نور الأنوار.

فانتبهوا من رقدة الغفلة ، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل ، وسابقوا إلى مغفرة من ربّكم قبل ان يضرب بالسّور بباطن الرّحمة وظاهر العذاب ، فتنادون فلا يسمع نداؤكم ، وتضجّون فلا يحفل (٢) بضجيجكم ، وقبل ان تستغيثوا فلا تغاثوا ، سارعوا إلى الطّاعات قبل فوات الأوقات ، فكان قد جاء هادم اللّذات فلا مناص نجات ولا محيص تخليص.

عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّ وجلّ على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله ألفتكم ، وتهانّوا نعمة الله كما هنّاكم بالصّواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده إلاّ في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتّعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهبوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشرى فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم.

واحمدوا الله على ما منحكم وعودوا بالمزيد على أهل التّأميل لكم ، وساووا بكم ضعفاء كم ومن ملككم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم ، فالدّرهم فيه بمأتي ألف درهم والمزيد من الله عزّ وجلّ.

وصوم هذا اليوم ممّا ندب الله إليه ، وجعل العظيم كفالة عنه ، حتّى لو تعبّد له عبد من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا إلى تقضّيها (٣) صائما نهارها قائما ليلها ، إذا خلص المخلص في صومه لقصرت أيّام الدنيا عن كفايته ، ومن أضف فيه أخاه مبتدئا وبرّه راغبا ، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليله ، ومن فطّر مؤمنا في ليلته فكأنّما فطّر

__________________

(١) هوى الشيء : ألقاه من فوق.

(٢) حفل : بالى واهتمّ.

(٣) تقضّى الشيء : انصرم وفنى.

٢٥٩

فئاما (١) فئاما ، يعدّها بيده عشرة.

فنهض ناهض فقال : يا أمير المؤمنين وما الفئام؟ قال : مأتي ألف نبي وصديق وشهيد ، فكيف بمن يكفل عددا من المؤمنين والمؤمنات ، فانا ضمينه على الله تعالى الأمان من الكفر والفقر.

وان مات في ليلته أو يومه أو بعده إلى مثله ، من غير ارتكاب كبيرة ، فأجره على الله ، ومن استدان لإخوانه وأعانهم ، فأنا الضامن على الله ان أبقاه وان قبضه حمله عنه ، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بألسنتكم وتهانّوا بالنعمة في هذا اليوم ، وليبلّغ الحاضر الغائب والشاهد البائن ، وليعد الغنى على الفقير والقوي على الضعيف ، أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

ثم أخذ صلوات الله عليه في خطبته الجمعة ، وجعل صلاته جمعة صلاة عيد ، وانصرف بولده وشيعته إلى منزل أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ، بما أعدّ له من طعامه ، وانصرف غنيّهم وفقيرهم برفده إلى عياله (٢).

فصل (٦)

فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطيّ

رواه عن الرضا عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة زفّت أربعة أيام إلى الله كما تزفّ العروس إلى خدرها ، قيل : ما هذه الأيام؟ قال :

يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير ، وانّ يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب ، وهو اليوم الذي نجّا فيه إبراهيم الخليل من النار ، فصامه شكرا لله ، وهو اليوم الّذي أكمل الله به الدّين في إقامة النبي عليه‌السلام عليّا أمير المؤمنين علما وأبان فضيلته ووصايته ، فصام ذلك اليوم ، وانّه اليوم الكمال ويوم مرغمة الشيطان ، ويوم تقبّل أعمال الشيعة ومحبّي آل محمد ، وهو اليوم الّذي يعمد الله

__________________

(١) الفئام : الجماعة من الناس.

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٧٥٢ ، عنه الوسائل ١٠ : ٤٤٤.

٢٦٠