الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

عليه وآله فتلقّاه والتزمه وعانقه ، ووضع خدّه على منكب علي ، وبكى النبي عليه‌السلام فرحا بقدومه ، وبكى علي عليه‌السلام معه.

ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما صنعت بأبي أنت وأمّي ، فإنّ الوحي أبطئ عليّ في أمرك ، فأخبره بما صنع ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان الله عزّ وجلّ اعلم بك منّي حين أمرني بإرسالك (١).

ومن كتاب ابن أشناس البزاز من طريق رجال أهل الخلاف في حديث آخر انّه : لمّا وصل مولانا علي عليه‌السلام إلى المشركين بآيات براءة لقيه خراش بن عبد الله أخو عمرو بن عبد الله ـ وهو الذي قتله علي عليه‌السلام مبارزة يوم الخندق ـ وشعبة بن عبد الله اخوه ، فقال لعلي عليه‌السلام : ما تيسّرنا يا علي أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمّك إن شئت الاّ من الطعن والضرب ، وقال شعبة : ليس بيننا وبين ابن عمك الاّ السيف والرمح ، وان شئت بدأ بك ، فقال علي عليه‌السلام : أجل أجل ان شئت فهلمّوا (٢).

وفي حديث آخر من الكتاب قال : وكان علي عليه‌السلام ينادي في المشركين بأربع : لا يدخل مكّة مشرك بعد مأمنه ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة الاّ نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فعهدته إلى مدّته (٣).

وقال في حديث آخر : وكانت العرب في الجاهليّة تطوف بالبيت عراة ويقولون : لا يكون علينا ثوب حرام ، ولا ثوب خالطه اثم ، ولا نطوف الاّ كما ولدتنا أمّهاتنا (٤).

وقال بعض نقلة هذا الحديث : انّ قول النبي صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الثاني لأبي بكر : أنت صاحبي في الغار ، لمّا اعتذر عن إنفاذه إلى الكفار ، معناه ، انّك كنت معي في الغار ، فجزعت ذلك الجزع حتّى انّي سكنتك وقلت لك : لا تحزن ،

__________________

(١) عنه البحار ٣٥ : ٢٨٧.

(٢) عنه البحار ٣٥ : ٢٩٠.

(٣) عنه البحار ٣٥ : ٢٩٠.

(٤) ـ عنه البحار ٣٥ : ٢٩٠.

٤١

وما كان قد دنا شرّ لقاء المشركين ، وما كان لك أسوة بنفسي (١) ، فكيف تقوى على لقاء الكفار بسورة براءة ، وما أنا معك وأنت وحدك؟

ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن يخاف على أبي بكر من الكفّار أكثر من خوفه على علي عليه‌السلام ، لأنّ أبا بكر ما كان جرى منه أكثر من الهرب منهم ، ولم يعرف له قتيل فيهم ولا جريح ، وانّما كان علي عليه‌السلام هو الذي يحتمل (٢) في المبيت على الفراش حتّى سلم النبي منهم ، وهو الذي قتل منهم في كل حرب ، فكان الخوف على علي عليه‌السلام من القتل أقرب إلى العقل.

أقول : وقد مضى في الحديث الأوّل انّ مولانا علي عليه‌السلام بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لردّ أبي بكر وتأدية آيات براءة بعد فتح مكّة ، فينبغي ان نذكر كيف أحوج الحال إلى هذا الإرسال بعد فتح مكّة فنقول :

انّنا وجدنا في كتب من التواريخ وغيرها انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكّة سنة ثمان من الهجرة واستعمل على أهلها عتاب بن أسيد بن العيص بن أميّة بن عبد شمس ، ثمّ اجتمعت هوازن وقدّموا لحربه عليه‌السلام ، فخرج من مكّة إلى هوازن فغنم أموالهم.

ثم مضى إلى الطائف ، ثمّ رجع من الطائف إلى الجعرانة (٣) ، فقسّم بها غنائمهم ، ثم دخل مكّة ليلا معتمرا ، فطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة وقضى عمرته وعاد إلى الجعرانة ، ومنها توجّه إلى المدينة ولم يحجّ عليه‌السلام تلك السنة.

فلمّا حجّ الناس سنة ثمان ولم يحجّ النبي صلوات الله عليه وآله فيها ، حجّ المسلمون وعليهم عتّاب بن أسيد ، لانّه أمير مكّة ، وحجّ المشركون من أهل مكة وغيرها ممّن أراد الحجّ من الّذين كان لهم عهدته مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن انضمّ إليهم من

__________________

(١) الاسوة : القدوة ، أي لم تقتد بنفسي وقد أمر الله تعالى بذلك حيث قال « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » الأحزاب : ٢١.

(٢) كذا في النسخ ، ولعل : احتمل ، أي أطاقه وصبر عليه.

(٣) الجعرانة : موضع قريب من مكة وهو في الحل وميقات الإحرام.

٤٢

الكفّار ومتقدمهم أبو سيّارة العدواني على أتان أعور رسنها (١) ليف.

فلمّا دخلت سنة تسع من الهجرة وقرب وقت الحجّ فيها أمر الله جل جلاله رسوله صلوات الله وسلامه عليه وآله ان ينابذ (٢) المشركين ، ويظهر إعزاز الإسلام والمسلمين ، فبعث عليّا عليه‌السلام لردّ أبي بكر كما رويناه.

والمسلمون من أهل مكة بين حاسد لمولانا علي عليه‌السلام وبين مطالب له بقتل من قتلهم من أهلهم ، والمشركون في موسم الحج أعداء له عليه‌السلام ، فتوجّه وحده لكلّهم ، فاعزّ الله جل جلاله ورسوله أمر الإسلام على يد مولانا علي عليه‌السلام ، وأذلّ رقاب الكفّار والطغاة.

فلمّا دخلت سنة عشر وقرب وقت الحجّ خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحجّة الوداع وإبلاغ ما امره الله جل جلاله بإبلاغه ، فأقام النّاس بسنن الحج والإسلام ، ونصّ فيها على مولانا علي صلوات الله عليه في عوده من الحج بغدير خم وخلافته بعده على سائر الأنام ، وتوجّه إلى المدينة ، ثم دعاه الله جلّ جلاله إلى دار السلام في ذلك العام.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلاّمة رضي الدين ركن الإسلام جمال العارفين ، أفضل السادة أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس :

اعلم انّ الله جلّ جلاله قد كان عالما قبل ان يتوجّه أبو بكر بسورة براءة انّه لا يصلح لتأديتها ، وانّه ينزل على نبيّه صلوات الله عليه جبرئيل ، ويأمره بإعادته أبي بكر ، وانّ أبا بكر يعزل عن ذلك المقام.

فظهر من هذا لذوي الأفهام ان قد كان مراد الله جلّ جلاله إظهار انّ أبا بكر لا يصلح لهذا الأمر الجزئي من أمور الرّئاسة ، فكيف يصلح للأمر الكلّي ، وانّه لا ينفعه اختيار صاحب [ الأمر ] (٣) لحمل الآيات معه ، فكيف ينفعه اختيار بعض أهل السقيفة

__________________

(١) الرسن : الحبل المعروف.

(٢) نابذ منابذة : خالفه وفارقه عن عداوة.

(٣) هو الظاهر.

٤٣

له ، وانّ الله لم يستصلحه لآيات من كتابه ، فكيف يستصلح لجمع الشّتات.

وانّ الله أظهر عزله على اليقين ، فكيف يجوز الاختيار لولايته على الظّن من بعض المسلمين ، وانّه لم يصلح للابلاغ عن الله تعالى ورسوله عليه‌السلام لفريق من النّاس ، فكيف يصلح لجميعهم ، وانّه لم يصلح لبلد واحد ، فكيف يصلح لسائر البلاد.

وفي هذا الحديث المعلوم كشف لأهل العلوم انّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام يسدّ مسدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما لا يمكن القيام فيه بغير نفسه الشريفة ، وفيه تنبيه ونصّ صريح على ولاية علي عليه‌السلام من الله ، وفيه تنبيه على ما اشتملت عليه تلك الولاية من إعزاز دين الله وإظهار ناموس الإسلام ، ورفع التقيّة والذل عمّا كان مستورا من تلك الشرائع والأحكام.

ومن عمل اليوم الأول من ذي الحجّة ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي قال :

ويستحب ان يصلّي فيه صلاة فاطمة عليها‌السلام ، وروي انّها اربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرّة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وسبّح عقيبها تسبيح الزهراء عليها‌السلام وتقول :

سُبْحانَ اللهِ ذِي الْعِزِّ الشّامِخِ الْمُنِيفِ ، سُبْحانَ ذِي الْجَلالِ الْباذِخِ الْعَظِيمِ ، سُبْحانَ ذِي الْمُلْكِ الْفاخِرِ الْقَدِيمِ ، سُبْحانَ مَنْ يَرى أَثَرَ النَّمْلَةِ فِي الصَّفا ، سُبْحانَ مَنْ يَرى وَقْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَواءِ ، سُبْحانَ مَنْ هُوَ هكَذا لا هكَذا غَيْرُهُ (١).

أقول : وقد تقدم ذكر هذه الصلاة والدعاء في عمل يوم الجمعة ، وانّما ذكرناه هاهنا لعذر اقتضى تكرار معناه.

ومن عمل أول يوم من ذي الحجّة إلى عشيّة عرفة دعاء رويناه بإسنادنا إلى أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله عليه ، وإلى أبي المفضّل محمد بن عبد الله الشيباني

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٦٧١.

٤٤

رحمه‌الله ، قالا : أخبرنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي ، قال : حدثنا خالي أحمد بن مابنداد ، قال : حدثني أحمد بن هلال ، قال : حدثني محمد بن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن بكر بن عبيد الله شريك أبي حمزة الثمالي ، قال :

كان أبو عبد الله ـ يعني جعفر بن محمد الصّادق عليه‌السلام وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين ـ يدعو بهذا الدعاء في أول يوم من عشر ذي الحجّة إلى عشيّة عرفة في دبر صلاة الصبح وقبل المغرب يقول :

اللهُمَّ هذِهِ الأَيّامُ الَّتِي فَضَّلْتَها عَلى غَيْرِها مِنَ الأَيّامِ وَشَرَّفْتَها ، وَقَدْ بَلَّغْتَنِيها بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ ، فَانْزِلْ عَلَيْنا مِنْ بَرَكاتِكَ ، وَاسْبِغْ عَلَيْنا فِيها مِنْ نَعْمائِكَ.

اللهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِيها ، وَانْ تَهْدِيَنا فِيها سَبِيلَ الْهُدى ، وَتَرْزُقَنا فِيهَا التَّقْوى وَالْعِفافَ وَالْغِنى ، وَالْعَمَلَ فِيها بِما تُحِبُّ وَتَرْضى.

اللهُمَّ انِّي اسْأَلُكَ يا مَوْضِعَ كُلِّ شَكْوى ، وَيا سامِعَ كُلِّ نَجْوى ، وَيا شاهِدَ كُلِّ مَلَاءٍ ، وَيا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَانْ تَكْشِفَ عَنّا فِيهَا الْبَلاءَ ، وَتَسْتَجِيبَ لَنا فِيهَا الدُّعاءَ ، وَتُقَوِّيَنا فِيها ، وَتُعِينَنا (١) وَتُوَفِّقَنا فِيها رَبَّنا لِما تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَعَلى ما افْتَرَضْتَ عَلَيْنا مِنْ طاعَتِكَ ، وَطاعَةِ رَسُولِكَ وَاهْلِ وِلايَتِكَ.

اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ انْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْ تَهَبَ لَنا فِيهَا الرِّضا انَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ، وَلا تَحْرِمْنا خَيْرَ ما نَزَلَ فِيها مِنَ السَّماءِ ، وَطَهِّرْنا مِنَ الذُّنُوبِ ، يا عَلاّمَ الْغُيُوبِ ، وَاوْجِبْ لَنا فِيها دارَ الْخُلُودِ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَلا تَتْرُكْ لَنا فِيها ذَنْباً الاّ غَفَرْتَهُ وَلا هَمّاً الاّ فَرَّجْتَهُ ، وَلا دَيْناً الاّ قَضَيْتَهُ ، وَلا غائِباً الاّ ادْنَيْتَهُ ، وَلا حاجَةً مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الاّ سَهَّلْتَها وَيَسَّرْتَها ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

__________________

(١) تغنينا ( خ ل ).

٤٥

اللهُمَّ يا عالِمَ الْخَفِيّاتِ ، يا راحِمَ الْعَبَراتِ (١) ، يا مُجِيبَ الدَّعَواتِ ، يا رَبَّ الأَرَضِينَ وَالسَّماواتِ ، يا مَنْ لا تَتَشابَهَ عَلَيْهِ الأَصْواتُ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجْعَلْنا فِيها مِنْ عُتَقائِكَ وَطُلَقائِكَ مِنَ النّارِ ، وَالْفائِزِينَ بِجَنَّتِكَ ، النّاجِينَ بِرَحْمَتِكَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ اجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً (٢).

ومن عمل أوّل يوم من ذي الحجّة إلى آخر العشر ، ما رويناه بإسنادنا إلى المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس الله جل جلاله روحه ، قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسن العلوي الهمداني ، قال : أخبرنا الحسين بن علي الصائحي ، عن أبي الحسن الفازي ، قال : حدّثنا سهل بن إبراهيم بن هشام بن عبيد الله ، قال : حدّثنا جدّي هشام بن عبيد الله بن عمير ، قال : حدثنا محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عبد بن عمير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : انّ الله تعالى أهدى إلى عيسى بن مريم عليه‌السلام خمس دعوات جاء بها جبرئيل عليه‌السلام في أيّام العشر ، فقال : يا عيسى ادع بهذه الخمس الدعوات فإنه ليست عبادة أحبّ إلى الله من عبادته في أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجّة :

أوّلهن : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

والثانية : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، أَحَداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً.

والثالثة : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، أَحَداً صَمَداً لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً احَدٌ.

والرابعة : اشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

__________________

(١) زيادة : يا مقبل العثرات ( خ ل ).

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٦٧٢.

٤٦

والخامسة : حَسْبِيَ اللهُ وَكَفى سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ وَراءَ اللهِ مُنْتَهى ، اشْهَدُ لِلَّهِ بِما دَعى ، وَانَّهُ برِئٌ مِمَّنْ تَبَرَّئَ ، وَانَّ لِلَّهِ الاخِرَةَ وَالأُولى.

قال الحواريون لعيسى عليه‌السلام : يا روح الله ما ثواب من قال هؤلاء الكلمات؟ قال : امّا من قال الأولى مائة مرة ، لا يكون لأهل الأرض عمل أفضل من عمله ذلك اليوم ، وكان أكثر العباد حسنات يوم القيامة.

ومن قال الثانية مائة مرة فكأنّما قرء التوراة والإنجيل اثنتي عشرة مرّة وأعطى ثوابها ، قال عيسى عليه‌السلام : يا جبرئيل وما ثوابها؟ قال : لا يطيق أن يحمل حرفا واحدا من التّوراة والإنجيل من في السماوات السّبع من الملائكة حتى ابعث انا وإسرافيل لأنّه أول عبد قال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

ومن قال الثالثة مائة مرة كتب الله له عشرة آلاف حسنة ومحي عنه بها عشرة آلاف سيئة ، ورفع له بها عشرة آلاف درجة ، ونزل سبعون الف ملك من السماء ، رافعي أيديهم يصلّون على من قالها ، فقال عيسى عليه‌السلام : يا جبرئيل هل تصلّي الملائكة الاّ على الأنبياء وقال : انّه من آمن بما جاءت به الرسل والأنبياء ولم يبدل أعطى ثواب الأنبياء.

ومن قال الرابعة مائة مرّة تلقّاها ملك حتى يصعد بين يدي الجبّار عزّ وجلّ فينظر الله عزّ وجلّ إلى قائلها ، ومن نظر الله تعالى إليه فلا يشقى.

قال عيسى عليه‌السلام : يا جبرئيل ما ثواب الخامسة؟ فقال : هي دعوتي ولم يؤذن لي ان افسّرها لك.

ومن عمل أول يوم من ذي الحجة إلى آخر العشر ما رويناه بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه بإسناده من كتاب ابن أشناس وغيره ، فيما روي عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه انّه قال :

من قال كلّ يوم من أيام العشر هذا التهليل :

لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ عَدَدَ اللَّيالِي وَالدُّهُورِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ عَدَدَ أَمْواجِ الْبُحُورِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ عَدَدَ الشَّوْكِ وَالشَّجَرِ ، لا إِلهَ

٤٧

إِلاَّ اللهُ عَدَدَ الشَّعْرِ وَالْوَبَرِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ عَدَدَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ.

لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ عَدَدَ لَمْحِ الْعُيُونِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ فِي اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ عَدَدَ الرِّياحِ وَالْبَرارِي وَالصُّخُورِ ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ مِنَ الْيَوْمِ الى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ.

أعطاه الله عزّ وجلّ بكل تهليلة درجة في الجنّة من الدر والياقوت ، ما بين كلّ درجتين مسيرة مأة عام للراكب المسرع ، في كلّ درجة مدينة فيها قصر من جوهر واحد لا فضل فيها ، في كل مدينة من تلك المدائن من تفاصيل العطاء ما لا يهتدى له وصف البلغاء ، فإذا خرج من قبره أضاءت له كلّ شعرة منه نورا وابتدره سبعون الف ملك يحفّونه إلى باب الجنّة ـ ثم ذكر الحديث بطوله ، وهو عطاء عظيم جسيم حذفنا شرحه كراهية الإطالة.

وفي روايتنا هذا التهليل بإسنادنا إلى ابن بابويه بإسناده إلى مولانا علي عليه‌السلام ، انّه كان يهلّل الله تعالى في كلّ يوم من عشر ذي الحجّة بهذا التهليل عشر مرات ، ثم ذكر فضل ذلك كما ذكرناه وزيادة (٢).

فصل (٧)

فيما نذكره من فضل صوم التسعة أيام من عشر ذي الحجّة

اعلم ان الاخبار بصوم ثمانية أيّام من عشر ذي الحجّة أوّلها أوّل يوم منه متّفق على فضل صيامها ، والروايات بذلك متظافرة (٣) ، وانّما وردت أخبار مختلفة في فضل صوم يوم عرفة أو إفطاره ، وسوف نذكر ما اختاره منها عند ذكر يوم عرفة.

أقول : فممّا رويناه بإسنادنا في فضل صوم هذه التسعة أيّام من عشر ذي الحجّة إلى مولانا موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه : انّ من صامها كتب الله عزّ وجلّ له

__________________

(١) عسعس الليل : أظلم.

(٢) ثواب الأعمال : ٩٨ مع اختلاف في ذكر الثواب.

(٣) راجع المستدرك ٧ : ٥٢٠.

٤٨

صوم الدهر (١).

فصل (٨)

في صلاة ركعتين قبل الزوال في أوّل يوم من ذي الحجة

رأيتها في كتب أصحابنا القميّين قال : ويصلّي قبل الزّوال بنصف الساعة ركعتان في هذا اليوم ، في كلّ ركعة الحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وآية الكرسي و ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) عشرا عشرا.

فصل (٩)

فيمن يريد ان يكفي شرّ ظالم فيعمل أول يوم من ذي الحجّة

وهو ممّا رؤيته في بعض الكتب المذكورة انّ من خاف ظالما فقال في هذا اليوم : حَسْبِي حَسْبِي حَسْبِي مِنْ سُؤالِي عِلْمُكَ بِحالِي ، كفاه الله شرّه.

فصل (١٠)

فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذي الحجّة ، وهو يوم التروية

روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن بابويه بإسناده إلى مولانا الصادق صلوات الله عليه انّه قال : صوم يوم التروية كفّارة ستّين سنة (٢).

فصل (١١)

فيما نذكره من فضل ليلة عرفة

رأينا ذلك في كتاب أحمد بن جعفر بن شاذان يرويه عن النبي صلوات الله عليه انّه قال : انّ ليلة عرفة يستجاب فيها ما دعا من خير ، وللعامل فيها بطاعة الله تعالى أجر

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٩٩ ، الفقيه ٢ : ٨٧.

(٢) ثواب الأعمال : ٩٩ ، الفقيه ٢ : ٨٧ ، عنه الوسائل ١٠ : ٤٦٧.

٤٩

سبعين ومائة سنة ، وهي ليلة المناجاة وفيها يتوب الله على من تاب ـ والحديث مختصر.

فصل (١٢)

فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة

وجدناه في كتب الدعوات يقول ما هذا لفظه : روي عن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : من دعا به في ليلة عرفة أو ليالي الجمع غفر الله له ، والدعاء :

اللهُمَّ يا شاهِدَ كُلِّ نَجْوى ، وَمَوْضِعَ كُلِّ شَكْوى ، وَعالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، وَمُنْتَهى كُلِّ حاجَةٍ ، يا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ عَلَى الْعِبادِ ، يا كَرِيمَ ، الْعَفْوِ يا حَسَنَ التَّجاوُزِ يا جَوادُ ، يا مَنْ لا يُوارِي مِنْهُ لَيْلٌ داجٍ ، وَلا بَحْرٌ عَجّاجٌ ، (١) وَلا سَماءٌ ذاتُ أَبْراجٍ ، وَلا ظُلَمٌ ذاتُ ارْنِتاجٍ (٢) ، يا مَنِ الظُّلْمَةُ عِنْدَهُ ضِياءٌ.

أَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ ، فَجَعَلْتَهُ دَكّاً (٣) ، وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي رَفَعْتَ بِهِ السَّماواتِ بِلا عَمْدٍ ، وَسَطَحْتَ بِهِ الارْضَ عَلَى وَجْهِ ماءٍ جَمَدَ.

وَبِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ الْمَكْتُوبِ الطَّاهِرِ ، الَّذِي إِذا دُعِيتَ بِهِ اجَبْتَ ، وَإِذا سُئِلْتَ بِهِ اعْطَيْتَ ، وَبِاسْمِكَ الْقُدُّوسِ الْبُرْهانِ ، الَّذِي هُوَ نُورٌ عَلى كُلِّ نُورٍ ، وَنُورٌ مِنْ نُورٍ يُضِيءُ مِنْهُ كُلُّ نُورٍ ، إِذا بَلَغَ الارْضُ انْشَقَّتْ ، وَإِذا بَلَغَ السَّماواتُ فُتِحَتْ ، وَإِذا بَلَغَ الْعَرْشُ اهْتَزَّ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي تَرْتَعِدُ مِنْهُ فَرائِصُ مَلائِكَتِكَ ، وَاسْأَلُكَ بِحَقِّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى جَمِيعِ الْأَنْبِياءِ وَجَمِيعِ الْمَلائِكَةِ.

__________________

(١) عجّ الريح : اشتدّت فأثارت الغبار.

(٢) ارتجّ الكلام : التبس.

(٣) دكّ الحائط : هدمه حتى سواه بالأرض.

٥٠

وَبِالاسْمِ الَّذِي مَشى بِهِ الْخِضْرُ عَلى قُلَلِ (١) الْماءِ كَما مَشى بِهِ عَلى جُدَدِ الارْضِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي فَلَقْتَ بِهِ الْبَحْرَ لِمُوسى ، وَاغْرَقْتَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، وَانْجَيْتَ بِهِ مُوسى بْنَ عِمْرانَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الايْمَنِ ، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وَالْقَيْتَ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنْكَ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ أَحْيى عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ الْمَوْتى ، وَتَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ، وَأَبْرَئَ الاكْمَهَ وَالابْرَصَ بِاذْنِكَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَجَبْرَئِيلُ وَمِيكائِيلُ وَإِسْرافِيلُ وَحَبِيبُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَلائِكَتُكَ الْمُقَرَّبُونَ وَأَنْبِياؤُكَ الْمُرْسَلُونَ وَعِبادُكَ الصَّالِحُونَ مِنْ اهْلِ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ ذُو النُّونِ ، اذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ انْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ انْ لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، سُبْحانَكَ انِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَاسْتَجَبْتَ لَهُ ، وَنَجَّيْتَهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.

وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي دَعاكَ بِهِ داوُودُ ، وَخَرَّ لَكَ ساجِداً فَغَفَرْتَ لَهُ ذَنْبَهُ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعَتْكَ بِهِ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، اذْ قالَتْ ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ، (٢) فَاسْتَجَبْتَ لَها دُعاءَها.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ أَيُّوبُ إِذْ حَلَّ بِهِ الْبَلاءُ ، فَعافَيْتَهُ وَأتَيْتَهُ اهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ، رَحْمَةً مِنْكَ وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ يَعْقُوبُ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَقُرَّةَ عَيْنِهِ يُوسُفَ وَجَمَعْتَ شَمْلَهُ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ سُلَيْمانُ فَوَهَبْتَ لَهُ مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ انَّكَ انْتَ الْوَهَّابُ.

وَبِاسْمِكَ الَّذِي سَخَّرْتَ بِهِ الْبُراقَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اذْ قالَ تَعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (٣) ، وَقَوْلُهُ :

__________________

(١) القلة : أعلى الرأس والجبل وكل شيء.

(٢) التحريم : ١١.

(٣) الإسراء : ١.

٥١

( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ) (١).

وَبِاسْمِكَ الَّذِي تَنَزَّلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عَلى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي دَعاكَ بِهِ آدَمُ فَغَفَرْتَ لَهُ ذَنْبَهُ وَاسْكَنْتَهُ جَنَّتَكَ ، وَاسْأَلُكَ بِحَقِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَبِحَقِّ إِبْراهِيمَ ، وَبِحَقِّ فَصْلِكَ يَوْمَ الْقَضاءِ ، وَبِحَقِّ الْمَوازِينِ إِذا نُصِبَتْ ، وَالصُّحُفِ إِذا نُشِرَتْ ، وَبِحَقِّ الْقَلَمِ وَما جَرى وَاللَّوْحِ وَما أَحْصى ، وَبِحَقِّ الاسْمِ الَّذِي كَتَبْتَهُ عَلى سُرادِقِ الْعَرْشِ قَبْلَ خَلْقِكَ الْخَلْقَ وَالدُّنْيا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِأَلْفَيْ عامٍ.

وَاشْهَدُ انْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَانَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ فِي خَزائِنِكَ الَّذِي اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ احَدٌ مِنْ خَلْقِكَ ، لا مَلِكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلُ ، وَلا عَبْدٌ مُصْطَفى.

وَاسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي شَقَقْتَ بِهِ الْبِحارَ ، وَقامَتْ بِهِ الْجِبَالُ ، وَاخْتَلَفَ بِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَبِحَقِّ السَّبْعِ الْمَثانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَبِحَقِّ الْكِرامِ الْكاتِبِينَ ، وَبِحَقِّ طه وَيس وَكَهيعص وَحمعسق ، وَبِحَقِّ تَوْراةِ مُوسى وَانْجِيلِ عِيسى وَزَبُورِ داوُودَ وَفُرْقانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلى جَمِيعِ الرُّسُلِ ، وَباهِيّا شَراهِيّاً.

اللهُمَّ انِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ تِلْكَ الْمُناجاةِ الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ مُوسى بْنِ عِمْرانَ فَوْقَ جَبَلِ طُورِ سَيْناءَ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي عَلَّمْتَهُ مَلَكَ الْمَوْتِ لِقَبْضِ الأَرْواحِ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي كُتِبَ عَلى وَرَقِ الزَّيْتُونِ فَخَضَعَتِ النيرانُ لِتِلْكَ الْوَرَقَةِ ، فَقُلْتَ : ( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً ) (٢).

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي كَتَبْتَهُ عَلى سُرادِقِ الْمَجْدِ وَالْكَرامَةِ ، يا مَنْ

__________________

(١) الزخرف : ١٣.

(٢) الأنبياء : ٦٩.

٥٢

لا يُحْفِيهِ (١) سائِلٌ وَلا يَنْقُصُهُ نائِلٌ ، يا مَنْ بِهِ يُسْتَغاثُ وَإِلَيْهِ يُلْجَأُ ، أَسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَمُنْتَهىَ الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ وَبِاسْمِكَ الاعْظَمِ وَجَدِّكَ الأَعْلى وَكَلِماتِكَ التَّامَّاتِ الْعُلى.

اللهُمَّ رَبَّ الرِّياحِ وَما ذَرَتْ ، وَالسَّماءِ وَما اظَلَّتْ وَالارْضِ وَما اقَلَّتْ ، وَالشَّياطِينِ وَما اضَلَّتْ وَالْبِحارِ وَما جَرَتْ ، وَبِحَقِّ كُلِّ حَقٍّ هُوَ عَلَيْكَ حَقٌّ ، وَبِحَقِّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالرَّوْحانِيِّينَ وَالْكَروبِيِّينَ وَالْمُسَبِّحِينَ لَكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ لا يَفْتُرُونَ (٢) ، وَبِحَقِّ إِبْراهِيمَ خَلِيلِكَ ، وَبِحَقِّ كُلِّ وَلِيٍّ يُنادِيكَ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوَةِ ، وَتَسْتَجِيبُ لَهُ دُعاءَهُ يا مُجِيبُ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الأَسْماءِ ، وَبِهذِهِ الدَّعَواتِ ، انْ تَغْفِرَ لَنا ما قَدَّمْنا وَما أَخَّرْنا ، وَما أَسْرَرْنا وَما اعْلَنَّا ، وَما أَبْدينا وَما أَخْفَيْنا ، وَما انْتَ اعْلَمُ بِهِ مِنَّا ، انَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ.

يا حافِظَ كُلِّ غَرِيبٍ ، يا مُونِسَ كُلِّ وَحِيدٍ ، يا قُوَّةَ كُلِّ ضَعِيفٍ ، يا ناصِرَ كُلِّ مَظْلُومٍ ، يا رازِقَ كُلِّ مَحْرُومٍ ، يا مُونِسَ كُلِّ مُسْتَوْحِشٍ ، يا صاحِبَ كُلِّ مُسافِرٍ ، يا عِمادَ كُلِّ حاضِرٍ ، يا غافِرَ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، يا كاشِفَ كَرْبِ الْمَكْرُوبِينَ.

يا فارِجَ هَمِّ الْمَهْمُومِينَ ، يا بدِيعَ السَّماواتِ وَالأَرضِينَ ، يا مُنْتَهى غايَةِ الطَّالِبِينَ ، يا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يا رَبَّ الْعالَمِينَ ، يا دَيَّانَ يَوْمِ الدِّينِ ، يا اجْوَدَ الاجْوَدِينَ ، يا اكْرَمَ الاكْرَمِينَ ، يا اسْمَعَ السَّامِعِينَ ، يا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ ، يا اقْدَرَ الْقادِرِينَ.

اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ النَّدَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُورِثُ السَّقَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعاءَ.

__________________

(١) أحفاه : ألحّ عليه ، حفى عنه : أكثر السؤال عن حاله.

(٢) فتر عن العمل : قصّر فيه.

٥٣

وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ قَطْرَ السَّماءِ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُعَجِّلُ الْفَناءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَجْلِبُ الشِّقاءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَظْلِمُ الْهَواءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكْشِفُ الْغِطاءَ ، وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي لا يَغْفِرُها غَيْرُكَ يا اللهُ.

وَاحْمِلْ عَنِّي كُلَّ تَبِعَةٍ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ امْرِي فَرَجاً وَمَخْرَجاً وَيُسْراً ، وَانْزِلْ يَقِينَكَ فِي صَدْرِي وَرَجاءَكَ فِي قَلْبِي ، حَتّى لا ارْجُوَ غَيْرَكَ.

اللهُمَّ احْفَظْنِي وَعافِنِي فِي مَقامِي ، وَاصْحِبْنِي فِي لَيْلِي وَنَهارِي ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَخَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمالِي ، وَمِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي ، وَيَسِّرْ لِيَ السَّبِيلَ وَاحْسِنْ لِيَ التَّيْسِيرَ ، وَلا تَخْذُلْنِي فِي الْعَسِير.

وَاهْدِنِي يا خَيْرَ دَلِيلٍ ، وَلا تَكِلْنِي الى نَفْسِي فِي الأُمُورِ وَلَقِّنِي كُلَّ سُرُرٍ ، وَاقْلِبْنِي الى اهْلِي بِالْفَلاحِ وَالنَّجاحِ مَحْبُوراً (١) فِي الْعاجِلِ وَالْآجِلِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَاوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ طَيِّباتِ رِزْقِكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي فِي طاعَتِكَ ، وَاجِرْنِي مِنْ عَذابِكَ وَنارِكَ ، وَاقْلِبْنِي إِذا تَوَفَّيْتَنِي الى جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ.

اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ وَمِنْ تَحْوِيلِ عافِيَتِكَ ، وَمِنْ حُلُولِ نِقْمَتِكَ ، وَمِنْ نُزُولِ بَلائِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ وَدَرَكِ الشِّقاءِ وَمِنْ سُوءِ الْقَضاءِ ، وَشَماتَةِ الأَعْداءِ ، وَمِنْ شَرِّ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ ، وَمِنْ شَرِّ ما فِي الْكِتابِ الْمُنْزَلِ.

اللهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِنَ الأَشْرارِ ، وَلا مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَلا تَحْرِمْنِي صُحْبَةَ الأَخْيارِ ، وَاحْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً ، وَتَوَفَّنِي وَفاةً طَيِّبَةً تُلْحِقُنِي بِالأبْرارِ ، وَارْزُقْنِي

__________________

(١) حبر : سرّ ، الحبرة : السرور.

٥٤

مُرافَقَةَ الأَنْبِياءِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلائِكَ وَصُنْعِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى الإِسْلامِ وَالسُّنَّةِ ، يا رَبِّ كَما هَدَيْتَهُمْ لِدِينِكَ وَعَلَّمْتَهُمْ كِتابَكَ فَاهْدِنا وَعَلِّمْنا ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلائِكَ وَصُنْعِكَ عِنْدِي خاصَّةً ، كَما خَلَقْتَنِي فَاحْسَنْتَ خَلْقِي ، وَعَلَّمْتَنِي فَاحْسَنْتَ تَعْلِيمِي ، وَهَدَيْتَنِي فَاحْسَنْتَ هِدايَتِي ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى إِنْعامِكَ عَلَيَّ قَدِيماً وَحَدِيثاً.

فَكَمْ مِنْ كَرْبٍ يا سَيِّدِي قَدْ فَرَّجْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ غَمٍّ يا سَيِّدِي قَدْ نَفَّسْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ هَمٍّ يا سَيِّدِي قَدْ كَشَفْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ بَلاءٍ يا سَيِّدِي قَدْ صَرَفْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ عَيْبٍ يا سَيِّدِي قَدْ سَتَرْتَهُ.

فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى كُلِّ حالٍ ، فِي كُلِّ مَثْوى وَزَمانٍ ، وَمُنْقَلَبٍ وَمُقامٍ ، وَعَلى هذِهِ الْحالِ وَكُلِّ حالٍ.

اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ افْضَلِ عِبادِكَ نَصِيباً فِي هذا الْيَوْمِ (١) ، مِنْ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ ، اوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ ، اوْ سُوءٍ تَصْرِفُهُ ، اوْ بَلاءٍ تَدْفَعُهُ ، اوْ خَيْرٍ تَسُوقُهُ ، اوْ رَحْمَةٍ تَنْشُرُها ، اوْ عافِيَةٍ تُلْبِسُها ، فَإِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَبِيَدِكَ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالارْضِ.

وَانْتَ الْواحِدُ الْكَرِيمُ ، الْمُعْطِي الَّذِي لا يَرُدُّ سائِلَهُ ، وَلا يُخَيِّبُ آمِلَهُ ، وَلا يَنْقُصُ نائِلَهُ ، وَلا يَنْفَدُ ما عِنْدَهُ ، بَلْ يَزْدادُ كَثْرَةً وَطِيباً وَعَطاءً وَجُوداً ، وَارْزُقْنِي مِنْ خَزائِنِكَ الَّتِي لا تَفْنى وَمِنْ رَحْمَتِكَ الْواسِعَةِ ، إِنَّ عَطاءَكَ لَمْ يَكُنْ مَحْظُوراً ، وَانْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ومن عمل ليلة عرفة ما ذكره حسن بن أشناس رحمه‌الله في كتابه فقال : حدّثنا أبو الفتح البراج إملاء ، قال : حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي ، قال : حدثنا يوسف بن موسى ، قال : حدّثنا مسلم الأزدي ، قال : حدّثنا عروة بن قيس

__________________

(١) في هذه الليلة ـ ظ.

٥٥

اليحمدي (١) ، قال : حدثني أمّ الفيض مولاة عبد الملك بن مروان ، قالت :

سمعت عبد الله بن مسعود يقول : ما من عبد ولا أمة دعا ليلة عرفة بهذا الدعاء ، وهي عشر كلم ، ألف مرّة ، لم يسأل الله عزّ وجلّ شيئا إلاّ أعطاه ، الاّ قطيعة رحم أو اثم :

سُبْحانَ مَنْ فِي السَّماءِ عَرْشُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الارْضِ سَطْوَتُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي النَّارِ سُلْطانُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ.

سُبْحانَ الَّذِي فِي الْقُبُورِ قَضاؤُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي فِي الْهَواءِ امْرُهُ ، سُبْحانَ الَّذِي رَفَعَ السَّماءِ ، سُبْحانَ الَّذِي وَضَعَ الارْضَ ، سُبْحانَ مَنْ لا مَنْجَا مِنْهُ الاَّ إِلَيْهِ.

قالت أمّ الفيض : قلت لابن مسعود : عن النبي عليه‌السلام؟ قال : نعم.

فصل (١٣)

فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه‌السلام ليلة عرفة

روينا ذلك عن مولانا الباقر صلوات الله عليه انّه قال : من زار الحسين ـ أو قال :

من زار ليلة عرفة ـ ارض كربلاء وأقام بها حتى يعيد ثم ينصرف ، وقاه الله شر سنته.

وروى ذلك جدّي أبو جعفر الطوسي في المصباح عن ابن ميثم ، عن الباقر صلوات الله عليه (٢).

فصل (١٤)

فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة

اعلم ان يوم عرفة من أفضل أيّام أعياد العباد ، وان لم يظهر اسمه بأنّه يوم عيد ، فقد

__________________

(١) النجدي ( خ ل ).

(٢) المصباح : ٧١٦ ، عنه البحار ١٠١ : ٩١ ، أورده ابن قولويه في كامل الزيارات : ٢٦٩ بإسناده عن ابن ميثم التمار ، عنه البحار ١٠١ : ٩٠.

٥٦

ظهر انّه يوم سعيد ، دعا الله جلّ جلاله عباده فيه إلى تحميده وتمجيده ، ووعدهم بإطلاق عامّ لجودة وإنجاز وعوده ، ووعد فيه بغفران الذّنوب وستر العيوب وتفريج الكروب ، وإذن للمقبل عليه والمعرض عنه في الطلب منه.

وقدّمنا انّ كلّ وقت اختاره الله جلّ جلاله لمناجاته وإطلاق مواهبه وصلاته ، فينبغي ان يعرف جليل قدره ، ويقام لله جلّ جلاله بما يقدر العبد عليه من حمده وشكره ، وهذا اليوم كالمتعيّن للحاجّ إلى الله جلّ جلاله بقصد بيته الحرام.

وانّما روينا عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ، انّ الحضور عند الحسين عليه‌السلام للزّيارة والدعاء في اليوم المذكور يقوم مقام الدعاء بعرفة مع تعذّر ذلك الحضور (١) ، وعرفنا رواية وعملا بفضل الله جلّ جلاله بإطلاق عباده في طلب إرفاده اين كانوا من بلاده.

فصل (١٥)

فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الإمام يوم عرفة عند اجتماع الأنام ، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الإسلام

اعلم انّ الإشارات إلى الأئمّة أوقات يوم عرفة من المهمات ، لما رويناه عن الثقات من كتاب الحجّ لمحمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، قال :

رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يوم عرفة بالموقف وهو ينادي بأعلى صوته : يا أيّها الناس انّ رسول الله كان الامام ، ثم كان علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم هه ، فنادى ثلاث مرّات بين يديه ، وعن يمينه وعن يساره ، وعن خلفه اثني عشر صوتا.

قال عمرو : فلمّا أتيت منى سألت أصحاب العربيّة عن تفسير « هه » ، فقالوا : لغة

__________________

(١) روى ابن قولويه في الكامل : ١٧٠ ، والصدوق في ثواب الأعمال ٨١ ، وفي معاني الأخبار : ٣٩١ ، الفقيه ١ : ١٨٣ ، والشيخ في مصباحه : ٤٩٧ ، التهذيب ٦ : ٥٠ ، عن الصادق عليه‌السلام روايات بهذا المضمون.

٥٧

بني فلان فاسألوني (١) ، قال : سألت غيرهم أيضا من أصحاب العربيّة فقالوا : مثل ذلك (٢).

أقول : ولعلّ السبب في الاهتمام بإظهار الإمام يوم عرفة ، لأنه يوم معظم عند كافّة المسلمين ، فلا يستبعد انّ في الحاضرين من هو من الفرق المختلفين ، وان يكون غير معاند في الاعتقادات ، بل لشبهة من الشبهات.

فمن أهمّ مهمات أهل الايمان في يوم عرفة الإشارة كما قلناه إلى معرفة إمام الزّمان مع الأمان ، اقتداء بمولانا الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين أفضل الصلوات ، فقد عرفت ما كان عليه من التقيّة مع ملوك تلك الأوقات ، ومع ذلك فرأى الإشارة إلى الأئمة من المهمات.

أقول : وقد ورد الحديث في تفسير قوله جلّ جلاله : ( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) (٣) ، ان معناه : من هدى نفسا ضالّة إلى هداها فقد أحياها (٤).

وورد الحديث المنقول عن الرسول صلوات الله عليه وآله انّه قال : لأن يهدي الله على يديك رجلا إلى الإسلام خير لك مما طلعت عليه الشمس (٥).

أقول : فإن كنت تعلم انّ الإنسان إذا كان ضالا عن الهدى فهو كالميّت بل أدبر ، لأنّه مع موته حاصل إلى الردى ، فهدايته إلى النّجاة أهمّ من الحياة ، ليكن تذكيره على الوجه اللطيف كما دلّ عليه مالك القلوب والألسنة ، في قوله جلّ جلاله : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٦).

ورأيت في بعض الروايات انّ أول ما ظهر دعاء الناس يوم عرفة في عرفات في خلافة مولانا على صلوات الله عليه بما عرّفهم به عن النبي صلوات الله عليه.

__________________

(١) في النسخ وفي الكافي أيضا : فسألوني ، ما أثبتناه من البحار ، وهو الصحيح ، فيكون كناية عن إمامته.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٦ ، عنه البحار ٤٧ : ٥٨.

(٣) المائدة : ٣٢.

(٤) راجع تفسير البرهان ١ : ٤٦٣ ، الكافي ٢ : ٢١٠.

(٥) منية المريد : ٢٤.

(٦) النحل : ٢٥.

٥٨

فصل (١٦)

فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة ، والخلاف في ذلك

رويت بإسنادي إلى أبي جعفر بن بابويه فيما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقد ذكر في خطبة الكتاب كلّما تضمّنه فإنّه نقله من الأصول الصحيحة المعتمد عليها عن الأئمّة عليهم‌السلام ، فقال : وفي تسع من ذي الحجّة أنزلت توبة داود عليه‌السلام ، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة تسعين سنة (١).

أقول : والاخبار في فضل صومه متظاهرة ، وانّما نذكر بعض ما روي في خلاف ذلك وما يحضرنا من تأويلات حاضرة.

فروينا بعدّة أسانيد إلى مولانا الصادق صلوات الله عليه قال : أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام وحده ، وأوصى علي عليه‌السلام إلى الحسن والحسين جميعا ، وكان الحسن إمامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن وهو يتغدّى والحسين عليه‌السلام صائم ، ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه‌السلام فدخل على الحسين عليه‌السلام يوم عرفة وهو يتغدّى وعلي بن الحسين عليه‌السلام صائم.

فقال له الرجل : انّي دخلت على الحسن يتغدّى وأنت صائم ، ثم دخلت عليك وأنت مفطر؟ فقال : انّ الحسن عليه‌السلام كان إماما فأفطر لئلا يتّخذ صومه سنّة ويتأسّى به الناس ، فلمّا ان قبض كنت أنا الإمام فأردت ان لا يتّخذ صومي سنّة فيتأسّى النّاس بي (٢).

أقول : ولعلّ سبب كراهيّة صوم يوم عرفة إذا كان الّذي يصومه يضعفه عن استيفاء الدعاء ، أو يكون هلاله مشكوكا فيه ، فتخاف ان يكون يوم عرفة عيد الأضحى.

وقد روينا ذلك بعدّة طرق إلى أبي جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨٧ ، عنه الوسائل ١٠ : ٤٦٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٨ ، علل الشرائع : ٣٨٦ ، عنهما الوسائل ١٠ : ٤٦٧.

٥٩

وإلى ابن فضال من كتاب الصيام عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

سألته عن صوم عرفة فقلت : جعلت فداك انّهم يزعمون انّه يعدل صيام سنة؟ قال : كان أبي عليه‌السلام لا يصومه ، قلت : ولم ذاك جعلت فداك؟ قال : انّ يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوّف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم (١).

أقول : فإن كان هلال الشهر من ذي الحجّة محقّقا ، والّذي يريد صوم عرفة لا يضعفه الصوم عن شيء من عمل ذلك اليوم ، فالظّاهر انّ الصوم له أفضل.

روينا ذلك عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : صوم يوم عرفة يعدل صوم السنة ، وقال : لم يصمه الحسن وصامه الحسين عليهما‌السلام (٢).

أقول : ومن أبلغ ما رويت في ترك صومه بإسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده إلى محمد بن بشير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان (٣).

ومن ذلك بإسنادي إلى محمد بن يعقوب الكليني أيضا بإسناده في كتاب الكافي إلى زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : لا تصومنّ يوم عاشوراء ولا عرفة ، بمكّة ولا بالمدينة ، ولا في وطنك ، ولا في مصر من الأمصار (٤).

أقول : لعلّ قد كانا عليهما‌السلام يعرفان من زرارة انّ الصوم في يوم عرفة يضعّفه عن الدعاء والمسألة في ذلك اليوم المذكور ، وعمّا هو أهمّ من وظائف ذلك اليوم المشكور.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨٨ ، علل الشرائع : ٣٨٥ ، رواه الشيخ في التهذيب ٤ : ٢٩٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ، والمفيد في المقنعة : ٦٠ ، عنهم الوسائل ١٠ : ٤٦٥.

(٢) رواه الشيخ في التهذيب ٤ : ٢٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ ، عنهما الوسائل ١٠ : ٤٦٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٦ ، عنه الوسائل ١٠ : ٤٦٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٦ ، رواه الشيخ في التهذيب ٤ : ٣٠١ ، الاستبصار ٢٠ : ١٣٤ ، عنهما الوسائل ١٠ : ٤٦١.

٦٠