كيف يمكن صدور العقاب من الحكيم المختار على ما لايكون بالأخرة بالاختيار.
وفي الآيات والروايات تصريحات وتلويحات إلى ذلك ، فقد تكرر في القرآن الكريم (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال عليهالسلام : « إنّما هي أعمالكم ترد إليكم ».
الثاني : أنّ المثوبة والعقوبة من مثيب ومعاقب خارجي كما دلّ على ذلك ظاهر الكتاب والسنّة ، وتصحيحهما بعد صحّة التكليف بذلك المقدار من الاختيار في غاية السهولة ، إذ كما أنّ المولى العرفي يؤاخذ عبده على مخالفة أمره ، كذلك المولى الحقيقي ، لوضوح أنّ الفعل لو كان بمجرد استناده إلى الواجب تعالى غير اختياري وغير مصحح للمؤاخذة ، لم تصح مؤاخذة المولى العرفي أيضاً ، وإذا كان في حدّ ذاته قابلاً للمؤاخذة عليه ، فكون المؤاخذة ممّن انتهت إليه سلسلة الارادة والاختيار لا يوجب انقلاب الفعل عمّا هو عليه من القابلية للمؤاخذة ممّن خولف أمره ونهيه.
وقد أجاب عن ذلك بجواب آخر : وهو أنّ الحكم باستحقاق العقاب ليس من أجل حكم العقلاء به حتّى يرد علينا إشكال إنتهاء الفعل إلى ما لا بالاختيار ، بل نقول بأنّ الفعل الناشئ عن هذا المقدار من الاختيار مادة لصورة اخروية ، والتعبير بالاستحقاق بملاحظة أنّ المادة حيث كانت مستعدة فهي مستحقة لافاضة الصورة من واهب الصور.
ومنه تعرف أنّ نسبة التعذيب والادخال في النار إليه تعالى بملاحظة أنّ إفاضة تلك الصورة المؤلمة المحرقة التي تطّلع على الأفئدة منه تعالى بتوسط ملائكة العذاب ، فلاينافي القول باللزوم ، مع ظهور الآيات والروايات في العقوبة من معاقب خارجي (١).
__________________
(١) نهاية الدراية ١ : ٢٩٧.