السادس : أنّ شيخنا المحقق قدسسره قد أجاب عن هذه المسألة بجوابين :
الأوّل : أنّ العقوبة والمثوبة ليستا من معاقب ومثيب خارجي ، بل هما من تبعات الأفعال ولوازم الأعمال ، ونتائج الملكات الرذيلة ، وآثار الملكات الفاضلة ، ومثل تلك العقوبة على النفس لخطيئتها كالمرض العارض على البدن لنهمه ، والمرض الروحاني كالمرض الجسماني ، والأدوية العقلائية كالأدوية الجسمانية ، ولا استحالة في استلزام الملكات النفسانية الرذيلة للآلام الجسمانية والروحانية في تلك النشأة ـ أي النشأة الاخروية ـ كما أنّها تستلزم في هذه النشأة الدنيوية ، ضرورة أنّ تصور المنافرات كما يوجب الآلام النفسانية كذلك يوجب الآلام الجسمانية.
فإذن لا مانع من حدوث منافرات روحانية وجسمانية بواسطة الملكات الخبيثة النفسانية ، فالنتيجة أنّ العقاب ليس من معاقب خارجي حتّى يقال :
__________________
وأمّا الرواية الثانية : فهي لا تدل بوجه على أنّهما صفتان ذاتيتان للانسان ، بداهة أنّها لا تتعرّض لهما لا تصريحاً ولا تلويحاً ، فكيف تكون ناظرةً إليهما ودالّة على كونهما ذاتيتين ، بل هي ناظرة إلى اختلاف أفراد الانسان بحسب الملكات والكمالات النفسانية ، ومراتبها الدانية والعالية ، كاختلاف الذهب والفضّة.
فالنتيجة من مجموع ما ذكرناه : قد تبيّن أنّ القول بكون صفتي السعادة والشقاوة ذاتيتين للانسان لا يخرج عن مجرد الفرض والخيال.
وأمّا النقطة الخامسة : فقد ظهر خطؤها من ناحيتين : الاولى : أنّ الشقاوة ليست صفةً ذاتيةً للانسان ليكون في انتهاء العقاب إليها القضاء الحاسم على قاعدة قبح العقاب على أمر خارج عن الاختيار. الثانية : أنّ العقاب لا يعقل أن يكون من لوازم تلك الصفة على نحو العلّة التامّة ، بل هو من معاقب خارجي كما تقدّم بشكل مفصّل.