الرجحان في نفس الوضع وإن لم يكن هناك مناسبة بين اللفظ والمعنى.
[ تعيين الواضع ]
وأمّا الكلام في الجهة الثانية : فقد اختار المحقق النائيني قدسسره أنّ الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم ، وقال في وجهه : فإنّا نقطع بحسب التواريخ التي بين أيدينا ، أنّه ليس هنا شخص أو جماعة وضعوا الألفاظ المتكثرة في لغة واحدة لمعانيها التي تدل عليها فضلاً عن سائر اللغات ، كما أنّا نرى وجداناً عدم الدلالة الذاتية ، بحيث يفهم كل شخص من كل لفظ معناه المختص به ، بل الله ( تبارك وتعالى ) هو الواضع الحكيم جعل لكل معنى لفظاً مخصوصاً باعتبار مناسبة بينهما مجهولة عندنا ، وجعله ( تبارك وتعالى ) هذا واسطة بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها إلى إرسال رسل وإنزال كتب ، وجعل الامور التكوينية التي جبل الانسان على إدراكها كحدوث العطش عند احتياج المعدة إلى الماء ونحو ذلك.
فالوضع جعل متوسط بينهما لا تكويني محض حتى لا يحتاج إلى أمر آخر ، ولا تشريعي صرف حتى يحتاج إلى تبليغ نبي أو وصي ، بل يلهم الله ( تبارك وتعالى ) عباده ـ على اختلافهم ـ كل طائفة بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاص. وممّا يؤكّد المطلب : أنّا لو فرضنا جماعة أرادوا إحداث ألفاظ جديدة بقدر ألفاظ أيّ لغة ، لما قدروا عليه ، فما ظنّك بشخص واحد مضافاً إلى كثرة المعاني التي يتعذر تصورها من شخص أو أشخاص متعددة (١).
أقول : يتلخص نتيجة ما أفاده قدسسره في امور :
الأوّل : أنّ الواضع هو الله ( تبارك وتعالى ) ، ولكن لا بطريق إرسال الرسل وإنزال الكتب ، كما هو الحال في إيصال الأحكام الشرعية إلى العباد ، ولا بطريق
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٩.