أنّ الدال على الوجوب العقل دون الصيغة فالأمر ظاهر ، فانّ الصيغة إنّما تدل على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، ولا تدل على ما عدا ذلك ، وهو معنى حقيقي لها ، غاية الأمر حيث قام دليل من الخارج على جواز ترك غسل الجمعة والترخيص فيه ، فالعقل لا يلزم العبد باتيانه وامتثاله خاصّة ، ولكنّه يلزمه بالاضافة إلى امتثال غسل الجنابة بمقتضى قانون العبودية والمولوية حيث لم تقم قرينة على جواز تركه ، ومن الطبيعي أنّ كلّ ما لم تقم قرينة على جواز تركه فالعقل يستقل بلزوم إتيانه قضاءً لرسم العبودية ، وأداءً لحقّ المولوية.
وأمّا بناءً على نظريّة المشهور فالصيغة في أمثال المقام لم تستعمل في معناها الحقيقي وهو الوجوب يقيناً ، لفرض أنّ غسل الجمعة غير واجب ، وعليه فلا مناص من الالتزام بأن يكون المستعمل فيه مطلق الطلب الجامع بين الوجوب والندب ، فتحتاج إرادة كل منهما إلى قرينة معيّنة ، ومع عدمها لا بدّ من التوقف.
وعلى الجملة : فالصيغة أو ما شاكلها في أمثال المقام استعملت في معناها الحقيقي على ضوء نظريتنا من دون حاجة إلى عناية زائدة ، ولم تستعمل فيه على ضوء نظريّة المشهور.
[ الواجب التعبّدي والتوصّلي ]
الجهة الرابعة : يقع الكلام في الواجب التوصلي والتعبدي ، وقبل بيانهما نقدّم مقدّمةً ، وهي أنّ الواجب التوصلي يطلق على معنيين :
الأوّل : ما لا يعتبر فيه قصد القربة ، وذلك كغسل الميت وكفنه ودفنه وما شاكل ذلك ، حيث إنّها واجبات في الشريعة الاسلامية ولا يعتبر في صحّتها قصد القربة والاتيان بها مضافاً إلى الله ( سبحانه وتعالى ) فلو أتى بها بدون ذلك