ومنها قوله تعالى : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ )(١) حيث قد عرفت أنّ العبد لا يكون فاعلاً لفعل إلاّ أن يشاء الله تعالى حياته وقدرته ونحوهما ممّا يتوقف عليه فعله خارجاً ، وبدون ذلك لا يعقل كونه فاعلاً له ، وعليه فمن الطبيعي أنّ فعله في الغد يتوقف على تعلّق مشيئة الله تعالى بحياته وقدرته فيه ، وإلاّ استحال صدوره منه ، فالآية تشير إلى هذا المعنى.
ويحتمل أن يكون المراد من الآية معنى آخر ، وهو أنّكم لا تقولون لشيء سنفعل كذا وكذا غداً إلاّ أن يشأ الله خلافه ، فتكون جملة ( إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) مقولة القول ، ويعبّر عن هذا المعنى في لغة الفرس « اگر خدا بگذارد » ومرجع هذا المعنى إلى استقلال العبد وتفويضه في فعله إذا لم يشأ الله خلافه ، ولذا منعت الآية المباركة عن ذلك بقوله ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) إلخ ، ولعل هذا المعنى أظهر من المعنى الأوّل كما لا يخفى.
ومنها قوله تعالى : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ )(٢) حيث قد ظهر ممّا تقدّم أنّ الآية الكريمة لا تدل على الجبر ، بل تدل على واقع الأمر بين الأمرين ، بتقريب أنّ المشيئة الإلهية لو لم تتعلق بافاضة الحياة للانسان والقدرة له فلا يملك الانسان لنفسه نفعاً ولا ضراً ، ولا يقدر على شيء ، بداهة أنّه لا حياة له عندئذ ولا قدرة كي يكون مالكاً وقادراً ، فملكه النفع أو الضر لنفسه يتوقف على تعلّق مشيئته تعالى بحياته وقدرته آناً فآناً ، ويدور مداره حدوثاً وبقاءً ، وبدونه فلا ملك له أصلاً ولا سلطان.
ومنها قوله تعالى : ( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(٣) حيث قد أسندت
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) يونس ١٠ : ٤٩.
(٣) النحل ١٦ : ٩٣.