الآية الكريمة الضلالة والهداية إلى الله ( سبحانه وتعالى ) مع أنّهما من أفعال العباد ، وسرّه ما ذكرناه من أنّ أفعال العباد وإن لم تقع تحت مشيئة الباري ( عزّ وجلّ ) مباشرةً ، إلاّ أنّ مبادئ تلك الأفعال بيد مشيئته تعالى وتحت إرادته ، وقد تقدّم (١) أنّ هذه الجهة كافية لصحّة إسناد هذه الأفعال إليه تعالى حقيقةً من دون عناية ومجاز.
فالنتيجة : أنّ هذه الآيات وأمثالها تطابق نظريّة الأمر بين الأمرين ولا تخالفها. وتوهم أنّ أمثال تلك الآيات تدل على نظريّة الجبر خاطئ جداً ، فان هذا التوهم قد نشأ من عدم فهم معنى نظريّة الأمر بين الأمرين فهماً صحيحاً كاملاً ومطابقاً للواقع الموضوعي ، وأمّا بناءً على ما فسّرنا به هذه النظريّة فلا يبقى مجال لمثل هذا التخيل والتوهم أبداً.
ثمّ إنّه لا بأس بالاشارة في نهاية المطاف إلى نقطتين :
الاولى : أنّ الفخر الرازي قد أورد شبهةً على ضوء الهيئة القديمة وحاصلها : هو أنّ الله تعالى خلق الكائنات على ترتيب خاص وحلقات تصاعدية مخصوصة ، وهي أنّه تعالى خلق الكرة الأرضية وجعلها نقطة الدائرة ومركزاً لها ، ثمّ كرة الماء ، ثمّ كرة الهواء ، ثمّ كرة النار ، ثمّ الفلك الأوّل ، وهكذا إلى أنّ ينتهي إلى الفلك التاسع وهو فلك الأفلاك المسمّى بالفلك الأطلس ، وأمّا ما وراءه فلا خلأ ولا ملأ ولا يعلمه إلاّ الله ( سبحانه وتعالى ) ثمّ إنّه تعالى جعل لكل من تلك الكرات والأفلاك حركة خاصّة من القسرية والطبيعية ، فجعل حركة الشمس مثلاً من المشرق إلى المغرب ، ولم يجعلها من الشمال إلى الجنوب أو من المغرب
__________________
(١) في ص ٤٣٣.