النواحي بصورة موسّعة في ضمن البحوث السالفة.
قد انتهينا في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة : وهي أنّ للفعل الصادر من العبد نسبتين واقعيتين :
إحداهما : نسبته إلى فاعله بالمباشرة باعتبار صدوره منه باختياره وإعمال قدرته.
وثانيتهما : نسبته إلى الله تعالى باعتبار أنّه معطي الحياة والقدرة له في كل آن وبصورة مستمرة حتّى في آن اشتغاله بالعمل ، وتلك النتيجة هي المطابقة للواقع الموضوعي والمنطق العقلي ولا مناص عنها ، ومردّها إلى أنّ مشيئة العبد تتفرع على مشيئة الله ( سبحانه وتعالى ) وإعمال سلطنته ، وقد أشار إلى هذه الناحية في عدّة من الآيات الكريمة.
منها قوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ )(١) حيث قد أثبت ( عزّ وجلّ ) أنّه لا مشيئة للعباد إلاّبمشيئة الله تعالى ، ومدلول ذلك كما مضى في ضمن البحوث السابقة (٢) أنّ مشيئة الله تعالى لم تتعلق بأفعال العباد وإنّما تتعلق بمبادئها كالحياة والقدرة وما شاكلهما ، وبطبيعة الحال أنّ المشيئة للعبد إنّما تتصور في فرض وجود تلك المبادئ بمشيئة الله سبحانه ، وأمّا في فرض عدمها بعدم مشيئة الباري ( عزّ وجلّ ) فلا تتصور ، لأنّها لا يمكن أن توجد بدون وجود ما تتفرّع عليه ، فالآية الكريمة تشير إلى هذا المعنى.
__________________
(١) الانسان ٧٦ : ٣٠.
(٢) في ص ٤١٧.