المشيئة تحقق الفعل ، ومتى انعدمت انعدم. وعلى ذلك فمردّ ارتباط الأشياء الكونية بالمبدأ الأزلي وتعلّقها به ذاتاً إلى ارتباط تلك الأشياء بمشيئته وإعمال قدرته ، وأ نّها خاضعة لها خضوعاً ذاتياً وتتعلق بها حدوثاً وبقاءً ، فمتى تحققت المشيئة الإلهية بايجاد شيء وجد ، ومتى انعدمت انعدم ، فلا يعقل بقاؤه مع انعدامها ، ولا تتعلق بالذات الأزلية ، ولا تنبثق من صميم كيانها ووجودها ، كما عليه الفلاسفة.
ومن هنا قد استطعنا أن نضع الحجر الأساسي للفرق بين نظريّتنا ونظريّة الفلاسفة ، فبناءً على نظريّتنا ارتباط تلك الأشياء بكافّة حلقاتها بمشيئته تعالى وإعمال سلطنته وقدرته ، وبناءً على نظريّة الفلاسفة ارتباطها في واقع كيانها بذاته الأزلية وتنبثق من صميم وجودها ، وقد تقدّم عرض هذه الناحية ونقدها في ضمن البحوث السابقة بشكل موسع.
وأمّا نقطة الاشتراك : فهي أنّ المعلول كما لا واقع له ما وراء ارتباطه بالعلّة وتعلّقه بها تعلّقاً في جوهر ذاته وكيان وجوده ، لما مضى من أنّ مطلق الارتباط القائم بين شيئين لا يشكّل علاقة العلّية بينهما ، فكذلك الفعل لا واقع موضوعي له ما وراء ارتباطه بمشيئة الفاعل وإعمال قدرته وتعلّقه بها تعلّقاً في واقع ذاته وكيانه ، ويدور وجوده مدارها حدوثاً وبقاءً ، فمتى شاء إيجاده وجد ، ومتى لم يشأ لم يوجد.
فالنتيجة : أنّ المعلول الطبيعي والفعل الاختياري يشتركان في أنّ وجودهما عين الارتباط والتعلق ، لكن الأوّل تعلق بذات العلّة ، والثاني بمشيئة الفاعل لا بذاته ، رغم أنّ صدور الأوّل يقوم على أساس قانون التناسب ومبدأ الحتم والوجوب ، وصدور الثاني يقوم على أساس الاختيار ، وقد تقدّم (١) درس هذه
__________________
(١) في ص ٤٠٠.