الاولى : أنّ مردّ حديثنا عن أنّ الأشياء الخارجية بكافّة أنواعها أشياء تعلّقية وارتباطية تتعلق بالمبدأ الأعلى وترتبط به ، ليس إلى نفي العلّية بين تلك الأشياء ، بل مردّه إلى أنّ تلك الأشياء بعللها ومعاليلها تتصاعد إلى سبب أعمق وتنتهي إلى مبدأ أعلى ما وراء حدودها ، والسبب في ذلك : أنّ تلك الأشياء بكافّة سلسلتها التصاعدية وحلقاتها الطولية والعرضية خاضعة لمبدأ العلّية ، ولا يمكن افتراض شيء بينها متحرر عن هذا المبدأ ، ليكون هو السبب الأوّل لها ، فإذن لا بدّ من انتهاء السلسلة جميعاً في نهاية المطاف إلى علّة غنية بذاتها ، لتقطع السلسلة بها وتضع لها بداية أزلية.
مثلاً بقاء ظواهر الأشياء استند إلى بقاء عللها ، وهي الخاصية الموجودة في موادها من ناحية ، والقوّة الجاذبية التي تفرض المحافظة عليها من ناحية اخرى ، وترتبط تلك الظواهر بهما ارتباطاً ذاتياً ، فلا يعقل بقاؤها على وضعها بدونهما ، ثمّ ننقل الكلام إلى عللها وهي تواجه نفس مسألة الافتقار إلى مبدأ العلّية وهكذا إلى أن تصل الحلقات إلى السبب الأعلى الغني بالذات المتحرر من مبدأ العلّية.
الثانية : أنّ ارتباط المعلول بالعلّة الطبيعية يفترق عن ارتباط المعلول بالعلّة الفاعلية في نقطةٍ ، ويشترك معه في نقطةٍ اخرى.
أمّا نقطة الافتراق : فهي أنّ المعلول في العلل الطبيعية يرتبط بذات العلّة وينبثق من صميم كيانها ووجودها ، ومن هنا قلنا إنّ تأثير العلّة في المعلول يقوم على ضوء قانون التناسب. وأمّا المعلول في الفواعل الارادية فلا يرتبط بذات الفاعل والعلّة ولا ينبثق من صميم وجودها ، ومن هنا لا يقوم تأثيره فيه على أساس مسألة التناسب. نعم ، يرتبط المعلول فيها بمشيئة الفاعل وإعمال قدرته ارتباطاً ذاتياً ، يعنى يستحيل انفكاكه عنها حدوثاً وبقاءً ، ومتى تحققت