الأمر بين الأمرين من ناحية اخرى. ولولا تلك الروايات لوقعوا بطبيعة الحال في جانبي الافراط أو التفريط ، كما وقع أصحاب النظريتين الاوليين.
وعلى ضوء هذه الروايات كان علينا أن نتّخذ تلك النظريّة لكي نثبت بها العدالة والسلطنة لله ( سبحانه وتعالى ) معاً ، بيان ذلك : أنّ نظريّة الأشاعرة وإن تضمنت إثبات السلطنة المطلقة للباري ( عزّ وجلّ ) إلاّ أنّ فيها القضاء الحاسم على عدالته ( سبحانه وتعالى ) ، وسنتكلم فيها من هذه الناحية في البحث الآتي إن شاء الله تعالى. ونظريّة المعتزلة على عكسها ، يعنى أنّها وإن تضمّنت إثبات العدالة للباري تعالى إلاّ أنّها تنفي بشكل قاطع سلطنته المطلقة وأسرفت في تحديدها.
وعلى هذا ، فبطبيعة الحال يتعيّن الأخذ بمدلول الروايات لا من ناحية التعبّد بها حيث إنّ المسألة ليست من المسائل التعبّدية ، بل من ناحية أنّ الطريق الوسط الذي يمكن به حل مشكلة الجبر والتفويض منحصر فيه.
__________________
هذا الموضوع ، وقد بلغت تلك الروايات من الكثرة بحدّ التواتر.
فهذه الروايات المتواترة معنىً وإجمالاً الواضحة الدلالة على بطلان نظريتي الجبر والتفويض من ناحية ، وعلى إثبات نظريّة الأمر بين الأمرين من ناحية اخرى ، بوحدتها كافية لاثبات المطلوب فضلاً عمّا سلف من إقامة البرهان العقلي على بطلان كلتا النظريتين. وعلى هذا الأساس فكلّ ما يكون بظاهره مخالفاً لتلك الروايات فلا بدّ من طرحه بملاك أنّه مخالف للسنّة القطعية وللدليل العلمي العقلي.
نعم ، قد فسّر الأمر بين الأمرين بتفسيرات اخر وقد تعرّضنا لتلك التفسيرات في ضمن رسالة مستقلّة ، وناقشناها بصورة موسعة. كما تعرّضنا لنظريّة الفلاسفة فيها بكافّة اسسها التي تقوم نظريّتهم على تلك الاسس ونقدها بشكل موسع.