تفصيل ذلك : أنّ أفعال العباد تتوقف على مقدّمتين :
الاولى : حياتهم وقدرتهم وعلمهم وما شاكل ذلك.
الثانية : مشيئتهم وإعمالهم القدرة نحو إيجادها في الخارج.
والمقدّمة الاولى تفيض من الله تعالى وترتبط بذاته الأزلية ارتباطاً ذاتياً وخاضعة له ، يعنى أنّها عين الربط والخضوع ، لا أنّه شيء له الربط والخضوع.
وعلى هذا الضوء لو انقطعت الافاضة من الله ( سبحانه وتعالى ) في آنٍ ، انقطعت الحياة فيه حتماً. وقد أقمت البرهان على ذلك بصورة مفصّلة عند نقد نظريّة المعتزلة (١) وبينّا هناك أنّ سرّ حاجة الممكن إلى المبدأ كامن في صميم ذاته ووجوده ، فلا فرق بين حدوثه وبقائه من هذه الناحية ، أصلاً.
والمقدّمة الثانية : تفيض من العباد عند فرض وجود المقدمة الاولى ، فهي مرتبطة بها في واقع مغزاها ومتفرعة عليها ذاتاً ، وعليه فلا يصدر فعل من العبد إلاّعند إفاضة كلتا المقدمتين ، وأمّا إذا انتفت إحداهما فلا يعقل تحققه.
وعلى أساس ذلك صحّ إسناد الفعل إلى الله تعالى ، كما صحّ إسناده إلى العبد.
ولتوضيح ذلك نضرب مثالاً عرفياً لتمييز كل من نظريتي الجبر والتفويض عن نظرية الإمامية ، بيانه : أنّ الفعل الصادر من العبد خارجاً على ثلاثة أصناف :
الأوّل : ما يصدر منه بغير اختياره وإرادته ، وذلك كما لو افترضنا شخصاً مرتعش اليد وقد فقدت قدرته واختياره في تحريك يده ، ففي مثله إذا ربط المولى بيده المرتعشة سيفاً قاطعاً ، وفرضنا أنّ في جنبه شخصاً راقداً وهو يعلم أنّ السيف المشدود في يده سيقع عليه فيهلكه حتماً. ومن الطبيعي أنّ مثل هذا الفعل خارج عن اختياره ولا يستند إليه ، ولا يراه العقلاء مسؤولاً عن هذا
__________________
(١) في ص ٤٢٤.