لفرض أنّ كل فاعل مختار يعلم أفعاله في إطار عناوينها الخاصة.
وإن أراد منه العلم بحدها التام المشهوري أو برسمها التام أو الناقص فيرد عليه :
أوّلاً : أنّ ذلك العلم لا يتيسر لأغلب الناس ، بداهة أنّ العامي لا يعرف جنس الأشياء ولا فصلها ولا خواصها حتّى يعرف حدّها التام أو الناقص أو رسمها التام أو الناقص.
وثانياً : قد سبق أنّ هذا العلم لا يكون مناطاً لصدور الفعل بالاختيار.
ومن هنا يظهر أنّ ما ذكره لبيان بطلان اللازم من أنّ النائم وكذا الساهي قد يفعله باختياره غريب جداً ، بداهة أنّ ما يصدر منهما من الحركة كالتقلب من جنب إلى جنب آخر أو نحو ذلك غير اختياري ، ولذا لا يستحقان عليه المدح والذم والعقاب والثواب. وقد تقدّم أنّ الالتفات إلى الفعل على نحو الاجمال ركيزة أساسية لاختياريته ، وبدونه لا يعقل صدوره بالاختيار.
الثاني : ما إليك نصّه : إنّ العبد لو كان موجداً لفعله بقدرته واختياره استقلالاً فلا بدّ أن يتمكن من فعله وتركه ، وإلاّ لم يكن قادراً عليه مستقلاً فيه وأن يتوقف ترجيح فعله على تركه على مرجح ، إذ لو لم يتوقف عليه كان صدور الفعل عنه مع جواز طرفيه وتساويهما اتفاقياً لا اختيارياً ، ويلزم أيضاً أن لا يحتاج وقوع أحد الجائزين إلى سبب ، فينسدّ باب إثبات الصانع ، وذلك المرجّح لا يكون من العبد باختياره ، وإلاّ لزم التسلسل ، لأنّا ننقل الكلام إلى صدور ذلك المرجّح عنه ويكون الفعل عنده ـ أي عند ذلك المرجح ـ واجباً ، أي واجب الصدور عنه بحيث يمتنع تخلفه عنه ، وإلاّ لم يكن الموجود ـ أي ذلك المرجح المفروض ـ تمام المرجح ، لأنّه إذا لم يجب منه الفعل حينئذ جاز أن