والجواب عنه : أنّ دخل العلم والالتفات في صدور الفعل عن الفاعل بالاختيار أمر لا يعتريه شك ولم يختلف فيه اثنان ، وبدون ذلك لا يكون اختيارياً ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ العلم المعتبر في ذلك إنّما هو العلم بعنوان الفعل والالتفات إليه حين صدوره بأن يعلم الانسان أنّ ما يصدر منه في الخارج ينطبق عليه عنوان شرب الماء مثلاً أو الصلاة أو الصوم أو الحج أو قراءة القرآن أو السفر إلى بلد أو التكلم أو ما شابه ذلك ، ومن الواضح أنّه لا يعتبر في صدور هذه الأفعال بالاختيار أزيد من ذلك ، فإذا علم الانسان بالصلاة بما لها من الأجزاء والشرائط وأتى بها كذلك ، فقد صدرت منه بالاختيار وإن كان لا يعلم حقيقة أجزائها ودخولها تحت أيّة مقولة من المقولات.
فالنتيجة : أنّ ملاك صدور الفعل بالاختيار هو سبقه بالالتفات والتصور على نحو الاجمال في مقابل صدوره غفلةً وسهواً.
وبعد ذلك نقول : إن أراد الأشعري من العلم بتفاصيل الأفعال العلم بكنهها وحقيقتها الموضوعية فيردّه :
أوّلاً : أنّ ذلك لا يتيسر لغير علاّم الغيوب ، فان حقائق الأشياء بكافة أنواعها وأشكالها مستورة عنّا ، ولا طريق لنا إليها ، لأنّ أفكارنا لا تملك قوّة إدراكها والوصول إلى واقعها ومغزاها.
وثانياً : أنّ هذا العلم لا يكون ملاكاً لاتصاف الفعل بالاختيار كما عرفت.
وإن أراد منه العلم بما يوجب تمييز الأفعال بعضها عن بعضها الآخر ، كأن يعلم بأنّ ما يفعله خارجاً ويأتي به شرب ماء مثلاً لاشرب خل وهكذا ، وإن لم يعلم كنهه وحقيقته فهو صحيح كما مرّ ، إلاّ أنّ اللازم على هذا ليس بباطل ،