يوجد معه الفعل تارةً ويعدم اخرى ، مع وجود ذلك المرجح فيهما ، فتخصيص أحد الوقتين بوجوده يحتاج إلى مرجح لما عرفت ، فلا يكون ما فرضناه مرجحاً تاماً ، هذا خلف ، وإذا كان الفعل مع المرجح الذي ليس منه واجب الصدور عنه فيكون ذلك الفعل اضطرارياً لازماً لا اختيارياً بطريق الاستقلال كما زعموه (١).
يتضمن هذا النص عدّة نقاط :
الاولى : أنّ العبد لو كان مستقلاً في فعله ومختاراً فلازمه أن يكون متمكناً من تركه وفعله.
الثانية : أنّ ترجيح وجود الفعل على عدمه في الخارج يتوقف على وجود مرجح ، إذ لو وجد بدونه لكان اتفاقياً لا اختيارياً.
الثالثة : أنّ وقوع أحد الجائزين ـ الوجود والعدم ـ في الخارج لو كان ممكناً من دون وجود مرجّح وسبب ، لا نسدّ باب إثبات الصانع ولأمكن وجود العالم بلا سبب وعلّة.
الرابعة : أنّ المرجّح لا يمكن أن يكون تحت اختيار العبد ، وإلاّ لزم التسلسل.
الخامسة : أنّ وجود الفعل واجب عند تحقق المرجح.
ولنأخذ بالمناقشة في هذه النقاط :
أمّا النقطة الاولى : فالصحيح على ما سيأتي بيانه بشكل واضح أن يقال :
إنّ ملاك صدور الفعل عن الانسان بالاختيار هو أن يكون باعمال القدرة والسلطنة ويعبّر عن هذا المعنى بقوله : له أن يفعل وله أن لا يفعل ، ولا ينافي ذلك ما سنحققه إن شاء الله تعالى في المبحث الآتي وهو بحث الأمر بين
__________________
(١) شرح المواقف ٨ : ١٤٩.