ولكنك قد عرفت : أنّه لا أمر هناك أصلا بالنسبة إلى ما يأتون به لا من الشارع ولا من العقل ، وإنّما يأتي الغافل بالفعل بداعي الأمر الغير المتوجّه إليه ، فإذا انكشف الخلاف وارتفع العذر يجب عليه تدارك الواقع في الوقت وخارجه ما لم يقم عليه دليل من الشارع على الاجتزاء بما فعله ، وبعد قيامه يكشف عن وجود مصلحة متداركة في فعله وإن عوقب على مخالفة الواقع ، كالجاهل بالجهر والإخفات بناء على شمول كلامهم للجاهل المقصّر كما ستقف على تفصيل القول فيه.
فإن قلت : إذا اعتقد المكلّف مطابقة ما يأتي به للواقع وأتى به بهذا العنوان فيحكم العقل بوجوبه من حيث كونه إطاعة للشارع في زعم المكلّف وانقيادا له ، وإن أخطأ في هذا الاعتقاد ؛ لأن الخطأ في اعتقاد الحكم الشرعي لا يوجب الخطأ في حكم العقل كما هو ظاهر ، فالمراد من الأمر العقلي في كلماتهم هذا المعنى ، وإن كان توصيفه بالظاهري خطأ إلا أنه لا مشاحة في الاصطلاح.
قلت : بعد تسليم حكم العقل في الجزئيات إن حكمه بوجوب الإطاعة حكم إرشاديّ صرف ، لا يوجب تصحيح العمل المخالف للواقع وارتفاع الأمر الشرعي المتعلّق به مع عدم موافقته بالفرض من جهته وهذا أمر لا ينبغي الارتياب فيه أصلا ، فإن كان مقصود القائل هذا الأمر فلا يجديه في شيء فافهم.
نعم ، لو كان المكلف غافلا لجهله المركب في برهة من الزمان ، ثم تفطّن وشكّ في مطابقة أعماله السابقة للواقع أو الطريق الذي يرجع إليه لاحقا بني على