سائر الأخباث على تقدير طهارته كما في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل لا يرفع الحدث فهل يختص هذا بالماء القليل أو يعم الكثير أيضاً؟
الصحيح أن المنع يختص بالقليل ، والمسألة اتفاقية بين الأصحاب. وقد ذكر المحقق قدسسره في المعتبر أن هذا المنع عن الاستعمال حتى في الكثير لو تمّ لمنع من الاغتسال في البحر أيضاً فيما اغتسل فيه جنب أو استنجى به أحد ، فإنّه على هذا لا يفرق بين كر وأكرار ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، فالمنع مختص بالقليل.
بل إن رواية عبد الله بن سنان (١) التي هي سند القول بالمنع إنما دلت على تقدير تسليم دلالتها على عدم جواز رفع الحدث بالماء الذي اغتسل به الجنب أو أُزيل به الخبث ، ومن الظاهر أن هذا كما ذكره شيخنا الأنصاري قدسسره (٢) يختص بالماء الذي مسّ بدن الجنب وأصابه ، إذ لو لا مماسته وإصابته للبدن إما بوروده على الماء أو بورود الماء عليه لم يصدق عليه أنه ماء اغتسل به الجنب ، ومن الظاهر أن ذلك لا يصدق في مثل البحر والنهر والخزانة ونحوها إلاّ على خصوص الناحية التي اغتسل فيها الجنب ، ولا يصدق على الناحية الأُخرى التي لم يمس بدنه ولا أصابه فهل ترى صدق عنوان الاغتسال به على كأس منه إذا أخذناه من غير الناحية التي اغتسل فيها الجنب. وكذا الحال فيما إذا صبّ الكر على بدنه ، لأن ما ارتفع به حدثه ، واغتسل به هو المقدار الذي مسّ بدنه دون غيره.
نعم ، لو كانت العبارة المذكورة في الرواية « اغتسل فيه » بدل جملة « اغتسل به » لصدق ذلك على جميع ماء النهر فإنّه ماء اغتسل فيه الجنب. فعلى هذا فالمقتضي للمنع في غير الطرف الذي اغتسل فيه الجنب قاصر في نفسه ، بل نقول إذا كان الماء القليل في ساقية طولها عشرون ذراعاً مثلاً ، واغتسل الجنب في طرف منه لا يصدق على الطرف الآخر عنوان الماء الذي اغتسل به جنب ، وكذا فيما إذا استنجى أو غسل ثوبه في ناحية منه ، وعليه فالمنع يختص بالأجزاء التي مست بدن الجنب عرفاً دون غيره.
__________________
(١) المتقدمة في ص ٢٨٣.
(٢) كتاب الطهارة : ٥٨ السطر ١٩.