ابن عمر حيث نسب إليهم الخلاف في مطهّرية ماء البحر عن الحدث (١) ، وصحة النسبة وعدمها موكولة إلى غير المقام. وهذا مضافاً إلى التسالم المتقدم ذكره وأن الضرورة قاضية بطهارة الماء في نفسه ومطهّريته لغيره يمكن أن يستدل عليه ببعض الآيات وجملة من الروايات الواردة في المقام.
فمنها قوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (٢) حيث إنّه سبحانه في مقام الامتنان وبيان نعمائه على البشر ، وقد عدّ منها الماء ووصفه بالطهور ، وظاهر صيغة الطهور هو ما يكون طاهراً في نفسه ومطهّراً لغيره على ما اعترف به جمع كثير.
المناقشات في الاستدلال
هذا وقد نوقش في الاستدلال بالآية المباركة من جهات :
الجهة الأُولى : هي ما نقل عن بعض أهل اللغة من أن الطهور بمعنى الطاهر (٣) ، وعليه فلا تدل الآية على مطهرية الماء لغيره. وعن بعض آخر أن الطهور فعول وهو من إحدى صيغ المبالغة كالأكول ومعناه : أن طهارة الماء أشد من طهارة غيره من الأجسام فهو طاهر بطهارة شديدة بخلاف غيره من الأجسام ، فالآية لا دلالة لها على مطهّرية الماء.
وهذان الإيرادان فاسدان.
أمّا الأول : فلأجل أن الطهور غير ظاهر في الطاهر من دون أن يكون مطهراً لغيره ، وإلاّ فلو صحّ إطلاق الطهور على ما هو طاهر في نفسه خاصة لصحّ استعماله في غير الماء من الأجسام أيضاً فيقال : الشجر أو الخشب طهور أو يقال : البواطن طهور وظاهر الحيوانات طهور مع أن الإطلاق المذكور من الأغلاط الفاحشة.
وأمّا الثاني : فلأن الطهور وإن كان فعولاً وهو من صيغ المبالغة بمعنى أنّها ربّما
__________________
(١) التذكرة ١ : ١١.
(٢) الفرقان ٢٥ : ٤٨.
(٣) المصباح المنير : ٣٧٩.