فالصحيح في الجواب أن يقال : إن الجمع بينهما وبين ما دلّ على عدم انفعال ماء البئر يقتضي حمل الرواية على ما إذا أثّر وقوع ما له نفس سائلة في تغيّر ماء البئر لأن ما دلّ على عدم انفعالها قد استثنى صورة التغيّر كما مرّ ، فالمعنى حينئذٍ أن ما وقع في البئر إذا لم يكن له نفس سائلة كميتة السمك ونحوها فلا يتنجس به البئر مطلقاً أوجب تغيّرها أم لم يوجبه. إذن التغيّر بغير النجس لا يقتضي النجاسة وهو ظاهر. وأمّا إذا وقع فيها ما له نفس سائلة فان أوجب تغيّرها فيحكم بنجاستها وإلاّ فهي باقية على طهارتها.
ثم إن أبيت إلاّ عن أن ظاهر الرواية نجاسة البئر بوقوع ما له نفس سائلة مطلقاً تغيّر به ماء البئر أم لم يتغيّر وأن الجمع بالوجه المتقدم على خلاف ظاهرها فلا محيص من حمل الرواية على التقية ، كما صنعناه في بعض الطوائف المتقدمة ، وبما ذكرناه يمكن الحكم باستحباب النزح شرعاً لأن النظافة أمر مرغوب فيه وقد ندب إليها في الشريعة المقدّسة.
وعلى الجملة لا دلالة في شيء من الطوائف المتقدمة على انفعال البئر بالملاقاة ، فما ذهب إليه المتأخرون من اعتصامها مطلقاً هو الصحيح. هذا كلّه في المقام الأوّل ومنه يظهر الحال في المقام الثاني أيضاً كما يأتي تفصيله.
بقي في المقام فروع
الأوّل : أنه إذا قلنا بانفعال البئر ، ووجوب نزح المقدرات فهل تطهر الآلات من الدلو والحبل بل وأطراف البئر ولباس النازح ويداه وغيرها مما يلاقي الماء بنزحه عادة تبعاً لطهارة البئر؟ نعم ، لا وجه لتوهّم الطهارة بالتبع في ما يلاقي الماء على خلاف الغالب والعادة ، كما إذا طفرت قطرة من ماء البئر ووقعت على ثوب غير النازح.
الحق كما ذهب إليه المشهور طهارة الآلات وكل ما يلاقي ماء البئر عادة تبعاً لطهارة البئر بالنزح ، والوجه في ذلك أن الآلات وملحقاتها مورد للابتلاء غالباً ، كما أن نجاستها مما يغفل عنه عامة الناس ، ومثلها لو كان نجساً لنبّه عليه في الروايات