ويدلُّ عليه السيرة المستمرة المتصلة بزمان المعصومين عليهمالسلام إذ الخزانات في الحمّامات المتعارفة في زماننا هذا المشتملة على أضعاف الكر من الماء ، وإن لم تكن موجودة في زمانهم عليهمالسلام فان المتعارف في الحمامات في تلك الأزمنة إنما كان هو الأحواض الصغيرة المتصلة بموادها الجعلية بالأنابيب أو بغيرها ، إلاّ أن المياه المجتمعة في الغدران في الطرق والفلوات المشتملة على أزيد من الكر بكثير مما لا سبيل إلى إنكار وجودها في زمانهم. وقد تكاثرت الأسئلة عن حكم اغتسال الجنب في تلك المياه وأجابوا عليهمالسلام بصحة الغسل فيها على نحو الإطلاق اغتسل فيها جنب قبل ذلك أم لم يغتسل وهي تكشف عن أن الاغتسال فيها كان متعارفاً عندهم.
ففي صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ، ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها؟ قال : وكم قدر الماء؟ قال : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه » (١). ومن الظاهر أن الماء في الغدران إذا بلغ نصف الساق أو الركبة فلا محالة يزيد عن الكر بكثير ، وكيف كان فلا إشكال في صحة الغسل والوضوء في المياه المعتصمة وإن اغتسل فيها من الجنابة.
وإنما الكلام في صحة الغسل أو الوضوء ثانياً من الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر وانّه هل يتحمل القذارة المعنوية بحيث لا يصلح لرفع الحدث ثانياً أو أنه باق على نظافته؟ وقد وقع هذا محلا للخلاف بين الأعلام والمشهور جواز استعماله في رفع الحدث ثانياً وثالثاً.
وعن الصدوقين (٢) والمفيد (٣) والشيخ الطوسي (٤) وغيرهم قدسسرهم عدم الجواز ، وقد استدل عليه بعدّة روايات أظهرها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٦٢ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.
(٢) حكاه عنهما في المختلف ١ : ٦٨ ، الفقيه ١ : ١٠ ، لكنّه لم ينقل في الفقيه عن والده.
(٣) المقنعة : ٦٤.
(٤) المبسوط ١ : ١١.