تشتغل ذمّته بقيمة ذلك المال ، فالمصالحة تقع بين قيمة ذلك المال التي على عهدته وبين ما يتصالحان به ، وحيث أن المفروض أنّ القيمة أقلّ منه أو أكثر ، فيكون من الرباء ، فلا يجوز. وقال أبو حنيفة : يجوز ، فلو كان طرف المصالحة حنفيّا وكانت تلك المصالحة على ضرره ، يجوز للآخر الذي يخالفه في المذهب إلزامه بذلك ، بهذه القاعدة.
العاشر : المنافع تضمن بالغصب عندنا ، سواء أكانت المنافع مستوفاة أو غير مستوفاة ، فلو غصب دارا وسكنها أو آجرها ، فكما أنّه ضامن لأصل الدار كذلك ضامن للمنافع التي استوفاه بالسكنى فيها أو بأن آجرها ، بل الحقّ كما قلنا أنّه يضمن المنافع وإن لم يستوفاه. ولتحقيق هذه المسألة مقام آخر.
وقال أبو حنيفة : إنّ الغاصب لا يضمن المنافع أصلا وإن استوفاها ، فضلا عمّا إذا لم يستوفها ، ويقول أيضا : إذا غصب أرضا فزرعها ببذره ، كانت الغلّة له ولا أجرة عليه ، إلاّ أن تنقص الأرض بذلك ، فيكون عليه جبران ما نقص.
وكذلك قال : إن آجر مثلا دارا أو دكّانا غصبهما ، فالأجرة لذلك الغاصب إن أخذها ويملكها دون مالكهما ، هذا ما حكاه الشيخ قدسسره عنه في الخلاف (١) ، فبناء على هذا لو كان المغصوب منه حنفيّا يمكن إلزامه بهذه القاعدة ولا يعطى اجرة ملكه أو أملاكه التي استوفاها الغاصب ، وإن كانت لسنين متعدّدة.
الحادي عشر : لا يصحّ ضمان المجهول عندنا ، فإن كان الذي يريد أن يضمن عن شخص لشخص آخر وكان مقدار دين المضمون عنه مجهولا ويحتمل أن يكون واحدا ويحتمل أن يكون ألفا ، فلا يصحّ مثل هذا الضمان وإن كان واجبا ، أي كان الدين محقّقا فعلا.
وبعبارة أخرى : لم يكن من قبيل ضمان ما لم يجب ، بل كان ضمان ما وجب عليه واشتغلت ذمّته به ، وكذا لا يصحّ ضمان ما لم يجب وإن كان المقدار معلوما ، مثلا يقول
__________________
(١) « الخلاف » ج ٣ ، ص ٤٠٢ ، المسألة : ١١.