القاعدة ، وذلك من جهة أنّ المكره قاصد للمعنى ، وتمليك داره لزيد مثلا بعد إكراهه على بيعها منه ، والذي يكون عقد المكره فاقدا له هو طيب نفسه بهذه المعاملة ، لا أنّها ليست مقصودة له.
نعم ذكر العلاّمة (١) والشهيدان (٢) قدسسرهم أنّ المكره قاصد إلى اللفظ لا إلى المعنى ، لكن الظاهر أنّ المكره ليس كذلك ، بل المكره يقصد اللفظ فانيا في المعنى ، وهذا هو معنى استعمال اللفظ ، غاية الأمر يكون هذا الاستعمال ناشئا عن الإكراه لا عن طيب النفس ، بل لدفع الضرر المتوعّد عليه ، فليس من قبيل الغالط والهازل.
أما الغالط فيريد شيئا ، ويستعمل لفظا آخر الذي يفيد معنى آخر غير ما أراد غلطا ، وأمّا الهازل وإن كان يستعمل اللفظ في معناه ، ولكن ليس قصده وقوع مضمون العقد في عالم الاعتبار التشريعي ، بل ينشأ بداعي الهزل والمزاح ، مثل التعارف وأنّه إذا يطلب منه أن ينزل عليه ضيفا وقصده من هذا الطلب ليس واقعا وحقيقة أنّه ينزل عليه ويكون ضيفا عنده ، بل صرف إنشاء بداعي التعارف وإظهار مودّته واحترامه له ، بخلاف ما إذا كان مكرها على هذا الطلب ، كما إذا أوعده المكره بضرر لو لم يضفه ، فلو طلب المكره ـ بالفتح ـ في هذه الصورة أن ينزل عليه ضيفا ، يكون طلبه طلبا حقيقيّا غاية الأمر أنّه ليس عن طيب النفس ، بل يكون للتخلّص عن الضرر المتوعّد عليه.
فإذا كان الأمر كذلك ، ففي عقد المكره جميع ما يعتبر في صحّة العقد موجود عدا طيب النفس ، فإذا لحقه الرضا وحصل طيب النفس يتمّ جميع الشرائط ويؤثّر أثره ، ولا يكون نقضا على هذه القاعدة أصلا.
إذا عرفت هذه الأمور فنقول : إنّه إن قصد خصوصيّة في أحد العوضين أو في
__________________
(١) « نهاية الأحكام » ج ٢ ، ص ٤٥٦.
(٢) « الدروس » ج ٣ ، ص ١٩٢ ، « المسالك » ج ٣ ، ص ١٥٦ ، « الروضة البهيّة » ج ٣ ، ص ١٢٦.