فقد قال داود بن علي ، أول خطيب لهم على منبر الكوفة ، في أول كلام له أمام السفاح : « .. وإنما أخرجنا الانفة من ابتزازهم حقنا ، والغضب لبني عمنا (١) .. ».
ونرى السفاح في خطبته الأولى أيضا في مسجد الكوفة ، بعد أن ذكر عظمة الرب تبارك وتعالى ، وفضل النبي (ص) « قد قاد الولاية والوراثة ، حتى انتهيا إليه ، ووعد الناس خيرا (٢) .. ».
ويقال : إن من جملة ما قاله السفاح في خطبته الأولى : « .. فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء ، والغنيمة نصيبنا ، تكرمة لنا وفضلا علينا ..
وزعمت السبائية الضلال : أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة .. إلى أن قال : ورد علينا حقنا (٣) .. »
__________________
الخلافة حقا للعباس وولده .. ثم تخلوا عن ذلك كله فيما بعد ، ورجعوا إلى العقيدة التي أسسها معاوية ، ولكنهم اختلفوا عنه بأنهم أدخلوا عليا ، وجعلوه في المرتبة الرابعة ، وكان ذلك بداية وجود أهل السنة بخصائصهم ، ومميزاتهم المذهبية ، ولهذا البحث مجال آخر ، والله هو الموفق والمستعان.
(١) الطبري ، طبع ليدن ج ١٠ ص ٣١ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٤١ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٤ ، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢٥.
(٢) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٢٩ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٥٦ ، والطبري ج ١٠ ص ٣٧ ، طبع ليدن.
(٣) الطبري ج ١٠ ص ٣٩ ، ٤٠ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٥٧ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٤١ ، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢٤ ، ٣٢٥ ..
لكن الظاهر أن لعن السبائية ( وهم الشيعة الامامية حسب مصطلحهم ) مفتعل على لسان السفاح ؛ لأن كلمة داود بن علي المتقدمة تدل على إنكار العباسيين ـ في بدء أمرهم ـ خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وتمسكهم بخلافة علي عليهالسلام ، حيث يصلون حبل وصايتهم بها .. وإن كانوا قد رجعوا عن هذه العقيدة بعد ذلك حسبما أشرنا إليه إلى العقيدة التي كان قد روجها معاوية .. ولكن من المؤكد أنهم استمروا على عقيدتهم تلك ، أعني إنكار خلافة الثلاثة ، ووصلهم حبل وصايتهم بعلي عليهالسلام ، إلى زمن المنصور ، الذي كان أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين كما سيأتي ..