إنه مضافا إلى أن مجرد رفض الإمام كلا عرضي المأمون : الخلافة ، وولاية العهد ، دليل قاطع على زهده فيه .. فإن هذه الشروط كان لها عظيم الفائدة ، وجليل الأثر في الاظهار لكل أحد أن الإمام ليس رجل دنيا ، ولا طالب جاه ومقام. وما أراده المأمون من إظهار الإمام على أنه لم يزهد بالدنيا ، وإنما الدنيا هي التي زهدت فيه .. لم يكن إلا هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف .. ولم تفلح بعد محاولات المأمون وعمله الدائب ؛ من أجل تشويه الإمام والنيل من كرامته ..
ولقد قدمنا : أن الإمام (ع) قد واجه نفس المأمون بحقيقة نواياه ، وأفهمه أن خداعه لن ينطلي عليه ، ولن تخفى عليه مقاصده ؛ ولذا فان من الافضل والأسلم له أن يكف عن كل مؤامراته ومخططاته .. وإلا فإنه إذا ما أراد اجبار الإمام على التعاون معه ؛ فلسوف يجد أنه (ع) على استعداد لفضحه ، وكشف حقيقته وواقعه أمام الملأ ، وافهام الناس السبب الذي من أجله يجهد المأمون ليزج بالإمام (ع) في مجالات لا يرغب ، بل واشترط عليه أن لا يزجّ فيها ـ كما فعل في مناسبات عديدة ـ الأمر الذي لن يكون أبدا في صالح المأمون ، ونظام حكمه ..
ومن هنا رأيناه (ع) يجيب الريان عند ما سأله عن سر قبوله بولاية العهد ، واظهاره الزهد بالدنيا ـ يجيبه ـ : ببيان أنه مجير على هذا الأمر ، ويذكره بالشروط هذه ، والتي تعني أنه قد دخل فيه دخول خارج منه ، كما تقدم ..
وهكذا .. وبعد أن كان (ع) سلبيا مع النظام ، وبعد رفضه لكلا عرضي المأمون ، وبعد أن اشترط هذه الشروط للدخول في ولاية العهد ؛ فليس من السهل على المأمون ، ولا على أي إنسان آخر أن ينسب