من أقاصي البلاد ، من أجل افحام الإمام ، واظهار جهله وعجزه ، إلى آخر ما هنالك ، من صفحات تاريخ المأمون السوداء.
ثم نرى أنه هو بنفسه يشارك في ذلك كله ، وسواه ، ويعمل من أجله حتى لقد شارك في التهديد للامام ، إن لم يقبل ما يعرضه عليه المأمون ..
وإذا كان نفوذه قد بلغ حدا يجعل المأمون يتنازل عن عرشه ـ الذي قتل من أجله أخاه ـ لرجل غريب ، فلماذا لا يعمل هذا النفوذ من أجل أن يمنع المأمون عن ذلك السلوك اللاإنساني ، الذي انتهجه مع الإمام ، ابتداء من حين وجود الإمام في المدينة ، وإلى آخر لحظة عاشها معه ، وبعد ذلك إلى ما شاء الله ..
هذا كله من جهة ..
ومن جهة ثانية .. لو كان للفضل فضل في مسألة البيعة للإمام (ع) ، أو كان ممن يتشيع له ، لم يكن من اللائق من الرضا (ع) ، أن يخبر المأمون بما عرضه عليه الفضل من قتل المأمون ، وجعل الأمر إليه .. ولا من المناسب أن يوصيه بأن لا يأمن له ، ويخبره بغشه وكذبه ، وأنه يخفي عنه حقيقة ما يجري في بغداد ، وغيرها (١) ..
ولا من اللائق منه أيضا : أن يعامله تلك المعاملة ، التي لا يعامل بها المحبون المخلصون ، والتي كان فيها الكثير من الخشونة ، والاحتقار والامتهان ، فقد قدمنا أنه عند ما ذهب إليه الفضل يطلب منه كتاب
__________________
(١) تاريخ الطبري ، طبع ليدن ج ١١ ص ١٠٢٥.