أم لا؟ وعلى الأول ففي أيّ موضع يكفي ، وأي قدر يُكتفى فيه؟ فهل يشترط أن يفيد العلم أو الظنّ المتاخم له ، أو يكفي مطلق الظنّ؟
فنحن نتكلّم في هذه المسألة في الأول ، ونتبعها في الثالثة بالثاني.
فنقول : قد صرّحوا بأنّه يجب أن يكون مستند الشهادة هو أحد الحواسّ الظاهرة.
بل قال بعضهم : الأصل في الشهادة عندهم القطع المستند إلى الحسّ الظاهر ؛ اعتباراً منهم للمعنى اللغوي مهما أمكنهم (١). انتهى.
وقوله : مهما أمكنهم ، إشارة إلى الاعتذار للشهادة بالتسامع والاشتهار في بعض الامور ، كما يظهر ممّا ذكره قبل الكلام المذكور.
ولا يتوهّم أنّ العلم الحاصل بالتسامع أيضاً مستند إلى حاسّة السمع.
فإنّه علم حاصل بواسطة مقدّمات أُخر من بُعد تواطئهم على الكذب ، ولذا يختلف باختلاف السامع في سبق الشبهة وعدمه ، وسهولة القبول وعدمها ، واختلاف المخبَر عنه جلاءً وخفاءً ، واختلاف المخبرين وثوقاً وعدمه ، ولو كان مجرّد التوقّف على مبدئيّة الحسّ لم يكن علم غير حسّي ، فإنّ العلم بالصانع من المصنوعات يتوقّف على مشاهدتها ، والعلم بحدوث العالم بالتغيّر يحتاج إلى إحساس التغيّر.
ثم الدليل على اعتبار العلم المستند إلى المشاهدة الحسّية هو ما ذكره بعضهم من أنّ المفروض أنّ الشاهد في مقام الشهادة ، والشهادة كما مرّ في صدر المقصد هي الحضور أو الإخبار عمّا شاهده وعاينه ، وهما ـ بالنسبة إلى العالم الغير المستند علمه إلى الحسّ مفقودان ؛ إذ يقال له
__________________
(١) انظر الرياض ٢ : ٤٤٧.