ولا شكّ أنّ عليّا ليس نفس محمّد صلّى الله عليه وسلّم بعينه ، بل المراد أنّ عليّا بمنزلة النبيّ ، أو أنّ عليّا هو أقرب الناس إلى النبيّ فضلا ، وإذا كان كذلك كان أفضل الخلق بعده.
ولأنّ عليّا كان أعلم الصحابة ، لأنّه كان أشدّهم ذكاء وفطنة وأكثرهم تدبيرا ورويّة ، وكان حرصه على العلم أكثر واهتمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بإرشاده وتربيته أتم وأبلغ ، وكان مقدّما في فنون العلوم الدينية أصولها وفروعها ، فإنّ أكثر فرق المتكلّمين ينتسبون إليه ويسندون اصول قواعدهم إلى قوله ، والحكماء يعظّمونه غاية التعظيم ، والفقهاء يأخذون برأيه ، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : أقضاكم علي ، والأقضى أعلم لاحتياجه إلى جميع أنواع العلم.
وأيضا : أحاديث كثيرة وردت شاهدة على أنّ عليا أفضل.
منها : حديث الطير ، وهو : إنّه عليهالسلام اهدي له طير مشوي ، فقال عليهالسلام : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي ، فجاءه علي وأكل معه ، والأحبّ إلى الله تعالى هو من أراد الله تعالى زيادة ثوابه. وليس في ذلك ما يدلّ على كونه عليهالسلام أفضل من النبيّ والملائكة ، لأنّه قال : ائتني بأحبّ خلقك إليك ، والمأتي به إلى النبيّ يجب أن يكون غير النبيّ ، فكأنّه قال : أحبّ خلقك إليك غيري ولقوله عليهالسلام : يأكل معي ، وتقديره : ائتني بأحبّ خلقك إليك ممّن يأكل فيأكل معي ، والملائكة لا يأكلون ، وبتقدير عموم اللّفظ للكلّ فلا يلزم من تخصيصه بالنسبة إلى النبيّ عليهالسلام والملائكة تخصيصه بالنسبة إلى غيرهما.
ومنها : حديث خيبر ، فإنّ النبيّ عليهالسلام بعث أبا بكر إلى خيبر ، فرجع منهزما ثمّ بعث عمر فرجع منهزما. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك ، فلمّا أصبح خرج إلى الناس ومعه راية وقال : لاعطينّ الرّاية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله والرّسول ، كرّار غير فرّار. فعرض له