يضعون صنمين على الصفا و المروة، و يتمسّحون بهما لذلك، و يعظّمونهما، و كان المسلمون بعد كسر الأصنام يتحرّجون من الاقتراب من مواضع تلك الأصنام توهّما للحرمة، فنزلت الآية لتقول للمسلمين : إنّ المواضع المذكورة هي من المشاعر التي على المسلمين أن يسعوا فيها فإنّها من واجبات الحجّ، و أمّا قوله تعالى : ( فَلَا جُنَاحَ ) فهو لدفع ذلك التحرّج المتوهّم.
فهذا الجواب يبتني على بيان سبب النزول كما أوضحنا و لا يمسّ البحث الاصوليّ المذكور بشيء.
و قد أورد السيوطيّ في «الإتقان» أمثلة اخرى، ممّا يعتمد فهم الآيات فيها على أسباب النزول (١) .
و ثالثا : إنّ هذا البحث الاصوليّ إنّما يجري في آيات الأحكام كما يظهر من عنوانهم له، دون غيرها، و سيأتي مزيد توضيح لهذا الجواب فيما يلي.
و قد أثار ابن تيميّة شبهة حول أهميّة أسباب النزول تعتمد على أساس هذا الاعتراض، ملخّصها : أنّ نزول الآية في حقّ شخص ــ مثلا ــ لا يدلّ على اختصاص ذلك الشخص بالحكم المذكور في الآية، يقول : قد يجيء ــ كثيرا في هذا الباب ــ قولهم : «هذه الآية نزلت في كذا» لا سيّما إذا كان المذكور شخصا كقولهم : إنّ آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن القيس، و إنّ آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد اللّه.
قال : فالّذين قالوا ذلك، لم يقصدوا أنّ حكم الآية يختصّ بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإنّ هذا لا يقوله مسلم و لا عاقل على الإطلاق،
__________________
(١) المصدر نفسه (ج ١ ص ٨ ــ ١٠٩).