ذلك (١) .
إذن، لا تسقط فائدة معرفة أسباب النزول من خلال البحث الأصوليّ المذكور، بل تتأكّد.
و ثانيا : إنّ الرجوع إلى أسباب النزول قد لا يرتبط ببحث العموم و الخصوص في الحكم، و إنّما يتعلّق بفهم معنى الآية و تشخيص حدود موردها و تحديد الحكم نفسه من حيث المفهوم العرفيّ، لا السعة و الضيق في موضوعه كما أشير إليه سابقا، و لنذكر لذلك مثالا :
قال اللّه تبارك و تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة (٢) الآية (١٥٨).
قال السيوطيّ : إنّ ظاهر لفظها لا يقتضي أنّ السعي فرض، و قد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيّته، تمسّكا بذلك (٢) .
و وجه ذلك أنّ قوله تعالى : ( فَلَا جُنَاحَ ) يدلّ على نفي البأس و الحرج فقط، و لا يدلّ على الإلزام و الوجوب، فإنّ رفع الجناح لا يستلزم الوجوب لكونه أعمّ منه، فكلّ مباح لا جناح فيه، و الواجب ــ أيضا ــ لا جناح فيه، لكنّ فيه إلزام زيادة على المباح، و من الواضح أنّ العامّ لا يستلزم الخاصّ.
لكنّ هذا الاستدلال بظاهر الآية مردود، بأنّ ملاحظة سبب نزولها يكشف عن سرّ التعبير ب ( فَلَا جُنَاحَ ) فيها، و ذلك : لأنّ أهل الجاهليّة كانوا
__________________
(١) الإتقان (ج ١ ص ١٠٧).
(٢) المصدر السابق (ج ١ ص ١٠٩).