مخصوصون دوننا بمالا نقدر عليه ، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم : من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار (١) فغرق جميع من طغى وتمرّد ، ومنهم : من اُلقي في النار فكانت عليه برداًوسلاماً ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فُلق له البحر وفجّر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله تعالى وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، ومنهم : من انشقّ له القمر وكلّمه البهائم ، مثل : البعير والذئب وغير ذلك ، فلمّا أتوا بمثل ذلك (٢) وعجز الخلق من اُممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عزوجل ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين ، وفي اُخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين ، ولوجعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهمولم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين (٣) ولا متجبّرين ، وليعلم العباد أنّ لهم عليهمالسلام إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدونه ويطيعوا رسله (٤) ، وتكون حجّة الله تعالى
__________________
(١) في «ج ، ل ، ش» : والاعتذار.
(٢) في «ش ، ع ، ج ، ل» زيادة : هذه المعجزات.
(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : شمخ الجبل : علا وطال ، والرجل بأنفه : تكبّر. القاموس المحيط١ : ٣٦٢.
(٤) في «ج ، ل» : رسوله ، وفي هامشهما عن نسخة كما في المتن.