.................................................................................................
______________________________________________________
وتوضيح ما هو التحقيق في المقام الأول يتوقف على مقدمة :
وهي : أن دلالة كل واحد منهما على مدلوله إما بالوضع ، أو بالإطلاق ومقدمات الحكمة. أو أحدهما بالوضع والآخر بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، فالصور هي ثلاث :
لا مفهوم ولا عموم في الصورة الأولى والثانية وهما : أن تكون دلالتهما بالوضع ، أو بالإطلاق ومقدمات الحكمة.
وأما الصورة الأولى : فلأن كل واحد منهما يصلح أن يكون قرينة على الآخر ، فيقع التزاحم بين الظهورين ، ويحكم بعدم اعتبار كليهما سواء كانا في كلام واحد أو في كلامين بمنزلة كلام واحد.
والأول : كقوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ)(١) فإن مفهومه : عدم وجوب التبين في خبر العادل ، وتلقّيه بالقبول. ومقتضى عموم التعليل أي : إصابة القوم بجهالة هو كون إصابتهم كذلك أمرا مرغوبا عنه ؛ ولو من ناحية خبر العادل.
والثاني : مثلا كقول المولى لعبده : «أكرم العلماء» ، ثم قال بلا فصل : «أكرم العلماء إن كانوا عادلين» ، فيدور الأمر بين تخصيص العام بالمفهوم المخالف ، وبين بقاء العام على عمومه ، فيكون المرجع هو الأصول العملية ؛ إلا إذا كان أحدهما أظهر من الآخر ، فلا بد حينئذ من تقديم الأظهر على الظاهر.
وأما الصورة الثانية : فلأن انعقاد الظهور في كل واحد منهما في مدلوله يتوقف على تمامية مقدمات الحكمة ، والمفروض : عدم تماميّتها في شيء منهما ـ لتوقف تماميّتها في كل واحد منهما على عدم الآخر ـ إذ كل منهما مانع عن ظهور الآخر في الإطلاق ، فلا يبقى منشأ للظهور.
وأما الصورة الثالثة : ـ وهي ما إذا كان ظهور أحدهما بالوضع ، وظهور الآخر بالإطلاق ومقدمات الحكمة ـ فلا إشكال في تقدم ما كان ظهوره بالوضع على ما ظهوره بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، سواء كان ما ظهوره بالوضع هو العام أو المفهوم المخالف.
والوجه في ذلك : أن الظهور إذا كان بالوضع كان صالحا لأن يكون بيانا مانعا عن
__________________
(١) الحجرات : ٦.