وأمّا الأصل المشهور بينهم : وهو أنّ النظر إلى اللفظ آلي في مقام التكلّم والاستعمال ، وإلى المعنى استقلالي ، فقد اتّضح لك أنّه لا أصل له ولا أساس.
فتحصّل من جميع تلك البيانات الواضحة أنّنا لا نجد مانعا يقتضي عدم الإمكان أو الاستحالة عن استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، بل الحقّ أنّ ذلك واقع في المحاورة فضلا عن الإمكان.
وقد بقي الكلام في الجهة الثانية ، وهي عبارة عن وقوع البحث في موافقة هذا السنخ من الاستعمال للظهور العرفي وعدمه ، والحقّ أنّ ذلك الاستعمال لا يجوز عند العرف ، بل العرف يستنكر على المستعمل بالإجمال وعدم الظهور إذا قال : مرادي من كلمة : جئني بعين ، كان أكثر من معنى واحد ، وهكذا إذا قال : إنّ مرادي من هذا الاستعمال كان جميع المعاني التي وضع هذا اللفظ لها بالاشتراك ، مع عدم ذكر القرينة المعيّنة في الكلام.
فلو وجدنا لفظا مشتركا خاليا عن القرينة التي تدلّ على إرادة تفهيم بعض معانيه ، فهل نحمله على إرادة جميع المعاني ، أو على إرادة البعض ، أو تحتاج إرادة كلّ واحدة منهما إلى نصب قرينة تدلّ على ذلك ؟ لا ينبغي الشكّ في أنّ إرادة الجميع خلاف الظهور العرفي ، فلا يحمل اللفظ عليها إلّا مع نصب قرينة تدلّ على ذلك. وهذا على مسلكنا في باب الوضع واضح بلا ريب ، إذ الاشتراك غير معقول إلّا برفع اليد عن التعهّد والالتزام بتعهّد آخر ، وهو قصد تفهيم أحد المعنيين أو المعاني ، فيكون المعنى الموضوع أحد المعنيين أو المعاني دون الجميع.
وعليه فاستعماله في الجميع استعمال في غير الموضوع وعلى خلاف قانون التعهّد والالتزام ، بل لو قلنا بإمكان الاشتراك على هذا المسلك فأيضا الاستعمال المزبور يكون على خلاف الظهور ، فلا يعتمد عليه بلا دليل مبيّن ، فإنّ التفاهم