على نحو الاستقلال والعموم الاستغراقي ، إذ ليس شأن اللفظ على هذا إلّا علامة في مقام الإثبات والإراءة ، كما كتب صاحب نقد الفلسفة في ردّ (داروين) كتاب شعره في مقام الاستشهاد على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد بالوقوع فضلا عن الإمكان ، ولكن لا يذهب عليك أنّ نسخة هذا الكتاب غير موجودة عندي ولكنّني حافظ من ذلك الكتاب مثالا يفيدنا في ما نحن فيه.
وعين ذلك المثال عبارة عن نظير شخص يريد بلدا يكون فيه محبوب له فيها مسمّى بحسن ، كما أنّ ذلك البلد أيضا يكون اسمه حسن ، فمن الواضح أنّ مثل هذا الشخص إذا قال : أردت حسنا من طيّ هذه المسافة ينطبق مراده على المحبوب والبلد كلاهما معا بلا شكّ وريب ، ولا نجد أيّ محذور في جعل شيء واحد علامة لإرادة تفهيم معنيين أو أزيد.
ولقد تقدّم مفصّلا أنّه لا مانع من أن يراد بلفظ واحد تفهيم معناه وتفهيم أنّه عارف باللغة التي يتلفّظ بها في المحاورة ، وحاصل البرهان يرشدنا إلى وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فضلا عن الإمكان.
فإذن انقدح أنّ الوضع على هذا المسلك لا يقتضي إلّا التكلّم بلفظ خاصّ عند الاستعمال ، مع قصد المتكلّم تفهيم معنى مخصوص في افق النفس وجعله علامة لإراءته وإبرازه خارجا عند الحاجة إلى البيان والإبراز نحو المخاطب ، من دون بقاء مجال للفناء والوجه والعنوان الذي بيّنه قدسسره بل كلّ ذلك لا يكون قابلا للتصديق بالنظر الدقيق.
وقد اتّضح لك بذلك التقريب أنّ تفسير الوضع باعتبار الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له ، أو بجعل اللفظ على المعنى في عالم التعهّد والاعتبار أيضا لا يقتضي فناء اللفظ في مقام الاستعمال. نعم ، تفسيره بجعل اللفظ وجودا للمعنى تنزيلا يستدعي ذلك ، إلّا أنّك عرفت بطلانه.