فانقدح بذلك أنّ استعمال اللفظ الواحد في مجموع المعنيين بما هو كذلك خارج عن محلّ الكلام والبحث ، لأنّ مثل هذا السنخ من الاستعمال يكون في حكم استعمال الواحد في المعنى الواحد من حيث هو هو بعينه ، وإن كان مجازا في اصطلاح المحاورة ، إذ اللفظ ليس موضوعا بإزائه ، كما أنّ استعماله في أحدهما لا بعينه خارج عن محلّ الكلام والنزاع.
فمحلّ النزاع والبحث منحصر فيما إذا كان كلّ واحد من المعنيين مرادا من اللفظ بنحو الاستقلال والانفراد في الدلالة والإبراز كما عرفت.
فإذا عرفت محلّ النزاع بذلك التحرير فاعلم أنّ المشتهر بين أصحابنا الاصوليين قدسسره الاستحالة.
وتبعهم على ذلك شيخنا الاستاذ قدسسره (١) لأنّه استدلّ على استحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، بما تقريبه عبارة عن أنّ حقيقة الاستعمال لا مفهوم له إلّا إيجاد المعنى باللفظ وتحويله في ذهن المخاطب والسامع خارجا. ولأجل ذلك فإنّ المخاطب لا ينظر إلّا إلى المعنى من اللفظ ، بل إنّه لا يرى إلّا المعنى من ذلك اللفظ ، إذ المعنى يكون هو الملحوظ بعنوان المقصد الأصلي أوّلا وبالذات لا اللفظ ، وإنّما اللفظ ملحوظ بالتبع في إراءة المعنى بعنوان فناء ذي الوجه في الوجه ، والعنوان في المعنون.
فانقدح لك بهذا التقريب أنّ لازم هذا السنخ من الاستقلال في الاستعمالات اللفظية في المعنيين بالاستقلال تعلّق لحاظ الاستقلالي بكلّ واحد منهما في آن واحد ، فكأنّما اللفظ لم يستعمل إلّا فيه بالخصوص.
وهو بديهيّ كالنار على المنار في أنّ نفس المتفكّر العاقل ليس في وسعه
__________________
(١) راجع أجود التقريرات ١ : ٥١.