لا يمكن في جميع الموارد إلّا بوضع اللفظ دون غيره من الإشارة والإيماء ونحوهما ، فإنّهما غير كافيين في المحسوسات فضلا عن المعقولات.
وعلى ضوء هذا البيان صار الوضع ضروريا ، لضرورة الحاجة إلى التفهيم والتفهّم ، فالاشتراك بما أنّه مخلّ بذلك الغرض الأقصى ويوجب الإجمال في المراد من اللفظ فهو مستحيل الصدور من الواضع الحكيم ، لكونه لغوا محضا.
وقد أجاب عنه المحقّق صاحب الكفاية قدسسره (١) بوجهين :
الأوّل : أنّ هذا الإجمال ليس بمانع عن الدلالة ، لأنّه إنّما يلزم في مقام التخاطب عند التفهيم والتفهّم ، ولكنّه يرتفع بأخذ القرينة المعيّنة المتّصلة أو المنفصلة في الكلام في مقام الدلالة ، من دون أن يترتّب عليه خلاف حكمة الوضع من اللغو المحض ونقض الغرض ليكون صدوره قبيحا من الواضع الحكيم ، لحفظ إمكان التفهيم والتفهّم من اللفظ المشترك بمساعدة القرائن الواضحة الدالّة على مقصود المتكلّم من هذا اللفظ المشترك. ومن الواضحات أنّ الغرض المقصود من الوضع يتحصّل بتلك الواسطة بالنسبة إلى مقام الدلالة ، من دون أن يبقى إجمال مانع عن التفهيم والتفهّم ليكون مناقضا لحكمة الوضع وليكون من هذه الناحية إشكالا على الواضع الحكيم.
والثاني : أنّ الغرض والحكمة من الوضع ليس منحصرا في خصوص وضوح الدلالة وإحضار المعنى إلى ذهن المخاطب لأجل تحصّل التفهيم والتفهّم عند المخاطبة بالسهولة من وضع التعييني بالنسبة إلى جميع الألفاظ ، ليكون وضع المشترك عاريا عن المصلحة والحكمة ، إذ كثيرا ما يتّفق أنّ المصلحة والحكمة تطلب الإجمال والإبهام في الكلام في بدء الأمر ، لما فيه من الأغراض الكثيرة
__________________
(١) كفاية الاصول : ٥٢.