عن التعهّد والالتزام النفساني ، ومقتضاه تعهّد كلّ متكلّم من أهل أيّ ملّة ولغة أنّه متى أراد تفهيم معنى خاصّ من المعاني الثبوتية والسلبية أن ينطق ويتكلّم بلفظ مخصوص ، فاللفظ إنّما يكون مفهما له ودالّا عليه ، فاللفظ في هذا الطريق مفهم له ودالّ على أنّ المتكلّم أراد تفهيمه بقانون الوضع. ومن البديهي الواضح أنّ التعهّد والالتزام لا يتعلّقان إلّا بالفعل الاختياري ، إذ لا يعقل التعهّد بالأمر غير الاختياري ، وبما أنّ ثبوت النسبة أو نفيها في الواقع خارج عن الاختيار فلا يعقل تعلّق الالتزام والتعهّد به ، فالذي يمكن أن يتعلّق الالتزام به هو إبراز قصد الحكاية في الإخبار وإبراز الأمر النفساني غير قصد الحكاية في الإنشاء ، لأنّهما أمران اختياريان داعيان إلى التكلّم باللفظ في الجملة الخبرية والإنشائية.
فإذن بعد وقوفك على مسلك الحقّ ـ وعرفانك ما تلونا عليك من معنى الإنشاء والإخبار ـ ينقدح لك أنّ الجملة الخبرية غير موضوعة للدلالة على ثبوت النسبة في الخارج أو نفيها عنه ، بل هي موضوعة لإبراز قصد الحكاية والإخبار عن الواقع ونفس الأمر.
بيان ذلك على وجه الإيجاز : أنّ الإنسان لمّا كان محتاجا في تنظيم وتمشية حياته الإنسانية نحو الوصول إلى الامور المادية والمعنوية إلى أدوات وآلات في سبيل إبراز مقاصده بها وإظهار أغراض ما في باطنه بها ، وغير الألفاظ من الإشارة والإيماء ليست كافية في القيام بهذه الوظيفة الخطيرة بتمامها بالنسبة إلى جميع موارد الحاجة من المعقولات والمحسوسات فضلا عن المحالات والممتنعات ، فلا جرم يكون مرجع الوضع منحصرا في الألفاظ ، فلا مناص للواضع إلّا من التعهّد والمواضعة بجعل الألفاظ واعتبارها ، وليس إلّا ، فيكون شمس هذا المطلع في إبراز المقاصد منحصرا بالألفاظ في جميع الموارد من الحاجة للناطق في مقام التفهيم والتفهّم ، على أنّ الداعي والحكمة إلى إيجاد تلك