فبما أنّها كثيرة بحدّ غير متناه على نحو لا يفي شيء آخر لإفادتها عند الإفهام والتفهيم لتصدّي تلك الوظيفة الخطيرة غير الحروف من وسائل الإفهام بالقطع واليقين ، وإلّا فليختار ذلك الغير ، فلا محالة اختار الواضع في كلّ لغة من المحاورة الحروف بعنوان الوضع لهذا الموضوع المهمّ ، ولكن في الغير لا في نفسه.
فإذن تحصّل أنّ الدالّ الجامع لجميع تلك الخصوصيات في كلّ محاورة ولسان ـ بأفضل الفصاحة والبلاغة بأسهل منطق لا يترتّب عليه شيء من العسر والمشقّة ـ ليس إلّا وضع الحروف ، بل قيام غير الحروف بهذا المقام بعنوان الوضع من قبل الواضع لا يخلو عادة عن الاستحالة ، كما بيّنّا لك ذلك غير مرّة في معنى واحد فضلا عن المعاني المتكثّرة.
وذلك نظير الصلاة بما لها من الحالات المطلوبة في الشريعة المقدّسة من البرّ والبحر والصحّة والمرض والواجب والمستحبّ في المسجد والجماعة والجهر والإخفات والسفر والحضر والليل والنهار ، ومن الحالات الاضطرارية والكيفيّات والكمّيات ، إلى أن تبلغ إلى الإيماء والإشارة والخطور في القلب ، إذن لا نحصر الوظيفة في مقام الامتثال بذلك الخطور.
فإذن لا يبقى مجال للتشكيك لأحد في أنّ التصدّي للوضع بتعيين اللفظ لكلّ واحد واحد من هذه الخصوصيات ـ ليكون ذلك اللفظ الموضوع المعيّن من قبل الواضع هو الدالّ عليها ـ من المحالات الواضحة العاديّة ، بل ذلك أمر غير ممكن عادة.
فعلى هذا لا مناص عند ضرورة الحاجة إلى بيان تلك الخصوصيات ـ في مقام التخاطب لأجل التفهيم والتفهّم ـ من استخدام الحروف في ذلك الظرف فيما إذا كان المقصود من الكلام الكلّي الذي تكلّم به المتكلّم لهذا المقصود