وذلك التصوّر لا مناص عنه عند مقدّمة الوضع على أيّ وجه من الوجوه أردت أن تفسّره.
فإذن نقول : إنّ هذا التعهّد ثابت للمباشر والمتصدّي للوضع الأوّل. وعليه ـ بعد لحاظ وتصوّر المعنى المخصوص واللفظ الخاصّ الذي عيّنه لذلك المعنى الخاصّ في ذهنه ـ أن يتعهّد في اعتباره في نفسه ووجدانه بأنّه في أيّ زمان ومكان من الأزمنة والأمكنة إذا أراد تفهيم ذلك المعنى الخاصّ المتقدّم أن يجعله دالّه وكاشفة ومبرزه في مقام الدلالة ذاك اللفظ المخصوص المتقدّم ، ثمّ أعلن عن ذلك التعهّد بقوله : أيّها الناس من أهل تلك اللغة : إنّي وضعت هذا اللفظ أو أمثاله في الخارج لذلك المعنى.
والدليل على ما ذكرناه في المقام في نهاية الوضوح من حيث الدلالة ، لكيفية الوضع في مثل الأعلام الشخصيّة ، فإنّ كلّ متفكّر من الأشخاص عند الرجوع إلى وجدانه عند التأمّل في وضع الأعلام الشخصية ينقدح له أنّه إذا أراد أن يعيّن ويضع اسما لولده مثلا إنّما يتصوّر أوّلا نفس وعين ذلك المولود ، ثمّ ثانيا يلاحظ لفظا واسما يناسبه بأيّ وجه من المناسبات المطلوبة ، ثمّ بعد ذلك يتعهّد في نفسه بأنّه متى أراد تفهيمه أن يتكلّم أو يتلفّظ بذلك اللفظ المعيّن ، ومن البديهي أنّه كلّما تفحّصت في المقام لم تجد غير ما ذكرناه شيئا آخر بعنوان التعهّد الثانوي حتّى يكون متأخّرا عن الوضع الأوّل.
وإن أراد المستشكل تعهّدا لغير الواضع الأوّل من المستعملين المتأخّرين عن الواضع الأوّل فهو صحيح ؛ لأنّ تعهّدهم إنّما يكون في طول تعهّد الواضع الأوّل متأخّرا عنه ، إلّا أنّ ذلك التأخّر ليس بمانع عن اتّصافهم بصفة الواضع بعنوان الحقيقة ، كيف لا وإنّ من الضروري تعهّد كلّ أحد إنّما يكون من الأفعال الاختياريّة له وليس إلّا ، فبما أنّ ذلك التعهّد يكون فعلا اختياريا له ليس بمكان