وسوء القصد.
[٢] وقال : (صاحِبُكُمْ) لينبههم على ما يعرفونه منه ، من الصدق والهداية ، وأنه
لا يخفى عليهم أمره.
[٣] (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٣) ، أي : ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه.
[٤] (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٤) ، أي : لا يتبع إلا ما أوحي إليه ، من الهدى والتقوى ، في نفسه ، وفي
غيره. ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، كما قال تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ
عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) ، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه ،
لأن كلامه لا يصدر عن هوى ، وإنما يصدر عن وحي يوحى.
[٥] ثمّ ذكر
المعلم للرسول ، وهو جبريل عليهالسلام ، أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم ، فقال : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٥) ، أي : نزل بالوحي على الرسول صلىاللهعليهوسلم جبريل عليهالسلام ، شديد القوى الظاهرة والباطنة. قوي على تنفيذ ما أمره
الله بتنفيذه ، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ومنعه من اختلاس الشياطين له ، أو إدخالهم فيه ما ليس منه. وهذا من حفظ
الله لوحيه ، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين.
[٦] (ذُو مِرَّةٍ) ، أي : قوة ، وخلق حسن ، وجمال ظاهر وباطن. (فَاسْتَوى) جبريل عليهالسلام.
[٧] (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) (٧) ، أي : أفق السماء الذي هو أعلى من الأرض ، فهو من الأرواح العلوية ،
الّتي لا تنالها الشياطين ولا يتمكنون من الوصول إليها.
[٨] (ثُمَّ دَنا) جبريل من النبي صلىاللهعليهوسلم ، لإيصال الوحي إليه. (فَتَدَلَّى) عليه من الأفق الأعلى.
[٩] (فَكانَ) في قربه منه (قابَ قَوْسَيْنِ) ، أي : قدر قوسين ، والقوس معروف ، (أَوْ أَدْنى) ، أي : أقرب من القوسين ، وهذا يدل على كمال مباشرته
للرسول صلىاللهعليهوسلم ، بالرسالة ، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل عليهالسلام.
[١٠] (فَأَوْحى) الله بواسطة جبريل عليهالسلام (إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ، أي : الذي أوحاه إليه من الشرع العظيم ، والنبأ
المستقيم.
[١١] (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (١١) ، أي : اتفق فؤاد الرسل صلىاللهعليهوسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه
سمعه وبصره وقلبه ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه
منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ، ما رأى بصره ، ولم يشك
في ذلك. ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقا
، بقلبه ورؤيته ، وهذا هو الصحيح في تأويل الآية الكريمة. وقيل : إن المراد بذلك
رؤية الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير
من العلماء رحمهمالله ، فأثبتوا بهذا ، رؤية الرسول صلىاللهعليهوسلم لربه في الدنيا. ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد
به جبريل عليهالسلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل في صورته الأصلية ، الّتي هو عليها مرتين :
مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء
السابعة ليلة أسري برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
[١٣] ولهذا قال
: (وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى) (١٣) ، أي : رأى محمد جبريل مرة أخرى ، نازلا إليه.
[١٤] (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (١٤) وهي شجرة عظيمة جدا ، فوق السماء السابعة ، سميت سدرة المنتهى ، لأنه
ينتهي إليها ما يعرج من الأرض ، وينزل إليها ما ينزل من الله ، من الوحي وغيره. أو
لانتهاء علم المخلوقات إليها ، أي : لكونها فوق