القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل» ، ثمّ قال : «والذي نفسي بيده ، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتموها» ، ثمّ زجرها ، فوثبت به ، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء ، إنما يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم العطش. فانتزع سهما من كنانته ، ثمّ أمرهم أن يجعلوها فيه ، قال : فو الله ما زال يجيش لهم بالري ، حتى صدروا عنها. وفزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه ، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم ، فقال : يا رسول الله ، ليس بمكة من بني كعب ، أحد يغضب لي ، إن أوذيت ، فأرسل عثمان بن عفان ، فإن عشيرته بها ، وإنه مبلغ ما أردت. فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عثمان بن عفان ، فأرسله إلى قريش ، وقال : «أخبرهم أنا لم نأت لقتال ، إنما جئنا عمّارا ، وادعهم إلى الإسلام». وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ، ونساء مؤمنات ، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ، ويخبرهم أن الله عزوجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان ، فانطلق عثمان ، فمر على قريش ببلدح ، فقالوا : أين تريد؟ فقال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أدعوكم إلى الله ، وإلى الإسلام ، ويخبركم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عمّارا ، قالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ لحاجتك. وقام إليه أبان بن سعيد ، فرحب به ، وأسرج فرسه ، فحمل عثمان على الفرس ، فأجاره ، وأردفه أبان ، حتى جاء مكة ، وقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان : خلص عثمان قبلنا إلى البيت ، وطاف به. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون» ، فقالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص؟ قال : «ذاك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف معه» ، واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح. فرمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر ، وكانت معركة ، وتراموا بالنبل والحجارة ، وصاح الفريقان كلاهما ، وارتضى كلّ واحد من الفريقين بمن فيهم ، وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا إلى البيعة. فثار المسلمون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيد نفسه ، وقال : «هذه عن عثمان» ، ولما تمت البيعة ، رجع عثمان ، فقال له المسلمون : اشتفيت يا أبا عبد الله ، من الطواف بالبيت ، فقال : بئسما ظننتم بي ، والذي نفسي بيده ، ولو مكثت بها سنة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مقيم بالحديبية ، ما طفت بها ، حتى يطوف بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولقد دعتني قريش إلى الطواف بالبيت فأبيت ، فقال المسلمون : رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان أعلمنا بالله ، وأحسننا ظنا. وكان عمر أخذ بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم للبيعة تحت الشجرة ، فبايعه المسلمون كلهم إلا الجد بن قيس ، وكان معقل بن يسار ، أخذ بغصنها ، يرفعه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان أول من بايعه ، أبو سنان الأسدي ، وبايعه سلمة بن الأكوع ، ثلاث مرات ، في أول الناس ، وأوسطهم ، وآخرهم. فبينما هم كذلك ، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي ، في نفر من خزاعة ، وكانوا عيبة نصح لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من أهل تهامة ، فقال : إني تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي ، نزلوا أعداد مياه الحديبية ، معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنا لم نجىء لقتال أحد ، ولكن جئنا معتمرين ، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم ، فإن شاؤوا ماددتهم ويخلوا بيني وبين الناس ، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس ، فعلوا ، وإلا فقد جموا ، وإن أبوا إلا القتال ، فو الذي نفسي بيده ، لأقاتلنهم على أمري هذا ، حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذن الله أمره» ، قال بديل : سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا ، فقال : إني قد جئتكم من عند هذا الرجل ، وسمعته يقول قولا ، فإن شئتم عرضته عليكم ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء ، وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته ، قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فقال عروة بن مسعود الثقفي : إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد ، فاقبلوها ، ودعوني آته ، فقالوا : ائته. فأتاه ، فجعل يكلمه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم نحوا من قوله لبديل ، فقال له عروة عند ذلك : أي محمد ، أرأيت لو استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى ، فو الله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس ، خليقا أن يفروا ، ويدعوك ، فقال له أبو بكر : امصص بظر اللات ،