وقوعها ، فترحّل خوفها في قلوبهم فقادوهم إلى الكفر ، والبدع ، والمعاصي. وهذا التسليط والتقييض من الله للمكذبين الشياطين ، بسبب إعراضهم عن ذكر الله وآياته ، وجحودهم الحقّ كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٧). (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : وجب عليهم ، ونزل القضاء والقدر ، بعذابهم. (فِي) جملة (أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) لأديانهم وآخرتهم ، ومن خسر ، فلا بد أن يذل ، ويشقى ، ويعذب.
[٢٦] يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن ، وتواصيهم بذلك فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) أي : أعرضوا عنه بأسماعكم ، وإياكم أن تلتفتوا ، أو تصغوا إليه وإلى من جاء به. فإن اتفق أنكم سمعتموه ، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه ، عارضوه. (وَالْغَوْا فِيهِ) أي : تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه ، بل فيه المضرة ، ولا تمكنوا ـ مع قدرتكم ـ أحدا يملك عليكم الكلام به ، وتلاوة ألفاظه ومعانيه. هذا لسان حالهم ، ولسان مقالهم ، في الإعراض عن هذا القرآن. (لَعَلَّكُمْ) إن فعلتم ذلك (تَغْلِبُونَ) وهذه شهادة من الأعداء ، وأوضح الحقّ ما شهدت به الأعداء ، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك. ومفهوم كلامهم ، أنهم إن لم يلغوا فيه ، بل استمعوا إليه ، وألقوا أذهانهم ، أنهم لا يغلبون ، فإن الحقّ ، غالب غير مغلوب ، يعرف هذا أصحاب الحقّ وأعداؤه.
[٢٧] ولما كان هذا ظلما منهم وعنادا ، لم يبق فيهم مطمع للهداية ، فلم يبق إلا عذابهم ونكالهم ، ولهذا ، قال : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٧). وهو الكفر والمعاصي ، فإنها أسوأ ما كانوا يعملون ، لكونهم يعملون المعاصي وغيرها. فالجزاء بالعقوبة ، إنّما هو على عمل الشرك ، (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
[٢٨] (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) الّذين حاربوه ، وحاربوا أولياءه ، جزاؤهم (النَّارُ) بالكفر والتكذيب ، والمجادلة والمجالدة. (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) أي : الخلود الدائم ، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة ، ولا هم ينصرون. وذلك (جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) فإنها آيات واضحة ، وأدلة قاطعة مفيدة لليقين ، فأعظم الظلم وأكبر العناد جحدها ، والكفر بها.
[٢٩] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : الأتباع منهم ، بدليل ما بعده ، على وجه الحنق ، على من أضلهم. (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي : الصنفين اللذين قادانا إلى الضلال والعذاب ، من شياطين الجنّ ، وشياطين الإنس الدعاة إلى جهنم. (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أي : الأذلين المهانين كما أضلونا ، وفتنونا ، وصاروا سببا لنزولنا. ففي هذا ، بيان حنق بعضهم على بعض ، وتبرّي بعضهم من بعض.
[٣٠] يخبر تعالى عن أوليائه ، وفي ضمن ذلك ، تنشيطهم ، والحث على الاقتداء بهم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي : اعترفوا ، ونطقوا ، ورضوا بربوبية الله تعالى ، واستسلموا لأمره ، ثمّ استقاموا على الصراط المستقيم ، علما وعملا ، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) الكرام ،