يلعن بعضهم بعضا ، ويبرأ بعضهم من بعض ، (حَتَّى إِذا جاؤُها) أي : وصلوا إلى ساحتها (فُتِحَتْ) لهم أي : لأجلهم (أَبْوابُها) لقدومهم وقرى لنزولهم. (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) مهنئين لهم بالشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي ، وموبخين لهم على الأعمال ، التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي : من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم ، وتتمكنون من التلقي عنهم؟ (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) التي أرسلهم الله بها ، الدالة على الحق اليقين بأوضح البراهين. (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي : وهذا يوجب عليكم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم ، باستعمال تقواه ، وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال؟ (قالُوا) مقرين بذنبهم ، وأن حجة الله قامت عليهم : (بَلى) قد جاءتنا رسل ربنا ، بآياته وبيناته ، وبينوا لنا غاية التبيين وحذرونا من هذا اليوم. (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) أي : بسب كفرهم ، وجبت عليهم كلمة العذاب ، التي هي لكل من كفر بآيات الله ، وجحد ما جاء به المرسلون ، فاعترفوا بذنبهم وقيام الحجة عليهم.
[٧٢] (قِيلَ) لهم على وجه الإهانة والإذلال (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) كل طائفة تدخل من الباب الذي يناسبها ، ويوافق عملها. (خالِدِينَ فِيها) أبدا ، لا يظعنون عنها ، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ، ولا ينظرون. (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي : بئس المقر ، النار مقرهم ، وذلك لأنهم تكبروا على الحق ، فجازاهم الله من جنس عملهم ، بالإهانة ، والذال ، والخزي.
[٧٣] ثم قال عن أهل الجنة : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) بتوحيده ، والعمل بطاعته ، سوق إكرام وإعزاز ، يحشرون وفدا على النجائب. (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) فرحين مستبشرين ، كل زمرة مع الزمرة ، التي تناسب عملها ، وتشاكله. (حَتَّى إِذا جاؤُها) أي : وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة ، والمنازل الأنيقة ، وهبّ عليهم ريحها ونسيمها ، وآن خلودها ونعيمها. (وَفُتِحَتْ) لهم (أَبْوابُها) فتح إكرام ، لكرام الخلق ، ليكرموا فيها. (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) تهنئة لهم وترحيبا : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي : سلام عليكم من كل آفة وشر حال. (طِبْتُمْ) أي : طابت قلوبكم بمعرفة الله ومحبته ، وخشيته ، وألسنتكم بذكره ، وجوار حكم بطاعته. (ف) بسبب طيبكم ادخلوها (خالِدِينَ) لأنها الدار الطيبة ، ولا يليق بها إلا الطيبون. وقال في النار (فُتِحَتْ أَبْوابُها) وفي الجنة (وَفُتِحَتْ) بالواو ، إشارة إلى أن أهل النار ، بمجرد وصولهم إليها ، فتحت لهم أبوابها ، من غير إنظار ولا إمهال. وليكون فتحها في وجوههم ، وعلى وصولهم ، لحرها ، وأشد لعذابها. وأما الجنة ، فإنها الدار العالية الغالية ، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد ، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها ، ومع ذلك ، فيحتاجون لدخولها إلى الشفاعة عند أكرم الشفعاء عليه ، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها. بل يستشفعون إلى الله بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، حتى يشفع ، فيشفعه الله تعالى. وفي الآيات ، دليل على أن النار والجنة ، لهما أبواب ، تفتح وتغلق ، وأن لكل منهما خزنة. وهما الداران الخالصتان ، اللتان لا يدخل فيهما ، إلا من استحقهما ، بخلاف سائر الأمكنة والدور.
[٧٤] (وَقالُوا) عند دخولهم فيها ، واستقرارهم ، حامدين ربهم على ما أولاهم ، ومنّ عليهم ، وهداهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) أي : وعدنا الجنة على ألسنة رسله ، إن آمنّا وصلحنا ، فوفّى لنا بما وعدنا ، وأنجز لنا ما منّانا. (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) أي : أرض الجنة (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) أي : ننزل منها أي مكان شئنا ، ونتناول منها ، أي نعيم أردنا ، ليس ممنوعا عنّا شيء نريده. (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) الذين اجتهدوا بطاعة ربهم ، في زمن قليل منقطع ، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا. وهذه الدار ، التي تستحق المدح على الحقيقة ، التي يكرم الله فيها خواص خلقه. ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا ، وبنى أعلاها وأحسنها ، وغرسها بيده ، وحشاها من رحمته وكرامته ، ما ببعضه يفرح الحزين ، ويزول الكدر ، ويتم الصفاء.
[٧٥] (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ) أيها الرائي ذلك اليوم العظيم (حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) أي : قد قاموا في خدمة ربهم ، واجتمعوا حول عرشه ، خاضعين لجلاله ، معترفين بكماله ، مستغرقين بجماله. (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)