نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا. بل هي جمادات ، لا تعقل ، ولا تسمع دعاء عابديها ، ولو سمعته ، ما استجابت لهم. ويوم القيامة يكفرون بشركهم ، ويتبرأون منهم ، ويتلاعنون بينهم. ليس لهم قسط من الملك ، ولا شركة فيه ، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون الله. فهو يدعو ، من هذا وصفه ، ويتقرب إليه مهما أمكنه ، ويعادي من أخلص الدين لله ، ويحاربه ، ويكذب رسل الله ، الّذين جاءوا بالإخلاص لله وحده. تبيّن لك أي الفريقين ، المهتدي من الضال ، والشقي من السعيد؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك ، لأن وصف الحال ، أوضح من لسان المقال.
[٢٥] (قُلْ) لهم (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي : كل منّا ومنكم ، له عمله. أنتم لا تسألون عن إجرامنا وذنوبنا لو أذنبنا ، ونحن لا نسأل عن أعمالكم. فليكن المقصود منا ومنكم ، طلب الحق ، وسلوك طريق الإنصاف. ودعوا ما كنا نعمل ، ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق. فإن أحكام الدنيا ، تجري على الظواهر ، ويتبع فيها الحق ، ويجتنب الباطل. وأما الأعمال ، فلها دار أخرى ، يحكم فيها أحكم الحاكمين ، ويفصل بين المختصمين ، أعدل العادلين.
[٢٦] ولهذا قال : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا) أي : يحكم بيننا حكما ، يتبين به الصادق من الكاذب ، والمستحق للثواب ، من المستحق للعقاب (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) أي : الحاكم في القضايا المنغلقة (الْعَلِيمُ) بما ينبغي أن يقضى به.
[٢٧] (قُلْ) لهم يا أيها الرسول ، ومن ناب منابك : (أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) أي : أين هم؟ وأين السبيل إلى معرفتهم؟ وهل هم في الأرض ، أم في السماء؟ فإن عالم الغيب والشهادة قد أخبرنا أنه ليس في الوجود له شريك. (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) الآية (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). وكذلك خواص خلقه ، من الأنبياء والمرسلين ، لا يعلمون له شريكا. فيا أيها المشركون أروني الّذين ألحقتم بزعمكم الباطل (بِهِ) أي : بالله (شُرَكاءَ). وهذا السؤال لا يمكنهم الإجابة عنه ، ولهذا قال : (كَلَّا) أي : ليس لله شريك ، ولا ند ، ولا ضد. (بَلْ هُوَ اللهُ) الذي لا يستحق التأله والتعبد ، إلا هو. (الْعَزِيزُ) الذي قهر كلّ شيء فكل ما سواه ، فهو مقهور له ، مسخر مدبر. (الْحَكِيمُ) الذي أتقن ما خلقه ، وأحسن ما شرعه. ولو لم يكن في حكمته في شرعه إلا أنه أمر بتوحيده ، وإخلاص الدين له ، وأحب ذلك ، وجعله طريقا للنجاة ، ونهى عن الشرك به ، واتخاذ الأنداد من دونه ، وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك ، لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته. فكيف ، وجميع ما أمر به ونهى عنه ، مشتمل على الحكمة؟
[٢٨] يخبر تعالى ، أنه ما أرسل رسوله صلىاللهعليهوسلم ، إلا ليبشر جميع الناس بثواب الله ، ويخبرهم بالأعمال الموجبة لذلك. وينذرهم عقاب الله ، ويخبرهم بالأعمال الموجبة له ، فليس لك من الأمر شيء. وكلّ ما اقترح عليك أهل التكذيب والعناد ، فليس من وظيفتك ، إنّما ذلك بيد الله تعالى. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي : ليس لهم علم صحيح ، بل إما جهال ، أو معاندون لم يعملوا بعلمهم ، فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم ، جعلهم عدم الإجابة لما اقترحوه على الرسول ، موجبا لرد دعوته.
[٢٩] فمما اقترحوه ، استعجالهم العذاب ، الذي أنذرهم به فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٩) وهذا ظلم منهم. فأي ملازمة بين صدقه ، وبين الإخبار بوقت وقوعه؟ وهل هذا إلا رد للحق ، وسفه في العقل؟ أليس النذير في أمر من أحوال الدنيا ، لو جاء قوما ، يعلمون صدقه ونصحه ، ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويعدّ لهم ، فقال لهم : تركت عدوكم قد سار ، يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم : إن